الأحد، 11 يناير 2009

السلام الإسرائيلي – السوري حقيقة أم مناورة

رشح في الآونة الأخيرة حديث عن إمكانية بعث ما يسمى بالسلام على المسار الإسرائيلي – السوري ، وقد جاءت الأخبار عن طريق قيادات سورية ، فقد صرحت وزيرة سورية أن إسرائيل بعثت برسالة إلى الحكومة السورية تفيد أن إسرائيل مستعدة للانسحاب الكامل من هضبة الجولان ، مقابل السلام مع سوريا ، وكذا فإن الرئيس السوري بشار الأسد صرح بنفسه لإحدى الصحف القطرية بأن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان كان قد نقل رسالة بهذا المعنى إلى الرئيس السوري من الحكومة الإسرائيلية .

وفي الحقيقة فإن المسالة تستدعي قدراً من التأمل حول توقيت وملابسات هذا الموضوع لاستجلاء أبعاده وحقيقته . وبداية فإنه كان قد سبق هذا الإعلان وربما نقل الرسالة ذاتها قيام إسرائيل بمناورات حربية على الحدود السورية وتحدث البعض وقتها عن إمكانية توجيه ضربة إسرائيلية إلى سوريا ، الأمر الذي يعني في حده الأدنى وجود ضغط إسرائيلي على سوريا تمهيداً لتلك الرسالة الملغومة ، وكذا فإن الكونجرس الأمريكي ناقش توجيه نوع من العقاب إلى سوريا بدعوى أنها تحاول امتلاك أسلحة نووية ، وكشف أعضاء الكونجرس الأمريكي عن وجود تعاون كوري وسوري في هذا الصدد ، وأن المبنى الذي قامت به إسرائيل بالطيران في العالم الماضي في منطقة دير الزور ، كان مخصصاً لهذا الغرض ، وأن هناك صوراً ملتقطة تفيد وجود خبراء كوريين شماليين في ذلك المبنى ، وبصرف النظر عن صحة هذه الادعاءات من عدمها فإن المعنى الواضح هنا أن الولايات المتحدة قررت فتح موضوع اتهام سوريا بمحاولة امتلاك سلاح نووي ، وهو أمر يمكن أن يتطور إلى مشكلة بالنسبة إلى سوريا مع الولايات المتحدة ، بالإضافة إلى المشاكل الأخرى حول محاكمة قتلة الحريري ، واحتمال توجيه اتهام إلى شخصيات سورية قريبة من القيادة السورية في هذا الصدد ، وكل هذه الأمور يمكن ترجمتها إلى نوع من الضغط الأمريكي على سوريا .

من ناحية إسرائيل ، فإنها فسرت الرسالة بأنها صحيحة وأنها تقصد الانسحاب إلى الحدود الدولية وليس إلى خط الهدنة لعام 1948 ، ومن ثم يمكنها الاحتفاظ ببعض الأراضي السورية في هضبة الجولان والتي كانت بيد سوريا وفقاً لاتفاقية خط الهدنة لعام 1948 . وأنها أي إسرائيل تريد من سوريا مقابل ذلك أن تتوقف تماماً عن دعم حركات المقاومة حماس والجهاد ، وأن تتخلى عن حزب الله ، وأن توقف تحالفها الاستراتيجي مع إيران وقد يرى البعض أن المبادرة أو العرض الصهيوني تم بدون التشاور مع الولايات المتحدة ، على أساس أن الولايات المتحدة لا تريد تحريك المسار السوري الآن ، وأنها راغبة فقط في تحريك المسار الفلسطيني حسب وعود جورج بوش نفسه ، ومن ثم فإن إسرائيل تريد التخلص من الضغط الأمريكي على المسار الفلسطيني باتجاه تحريك المسار السوري ، ولكن هذا الاستنتاج لا يرقى إلى الحقيقة لأنه من الصعب فهم أن تتصرف إسرائيل بدون موافقة ورغبة الولايات المتحدة ، وألا يكون هناك تنسيق بين الطرفين في هذا الصدد .

توقيت العرض وطريقته يمكن أن يقود إلى الاستنتاج بأن هناك نوع من التلويح لسوريا بالتخلي عن التحالف مع إيران ومن ثم انفراد الولايات المتحدة بالأخيرة في مجال المشكلة النووية ، وكذا التخلي عن دعم واحتضان حركات المقاومة ومن ثم تخفيف الضغط على إسرائيل من تلك الحركات ، التي فشلت إسرائيل وأمريكا في تصفيتها رغم عشرات العمليات العسكرية والحصار والجوع والإظلام .

بالطبع لا يمكن أن نتصور أن تقبل سوريا بهذا العرض بسهولة لأن معنى تخليها عن التحالف مع إيران والتخلي عن دعم حركات المقاومة أن تفقد مصداقيتها حول أنها تمثل عنصر الممانعة في الواقع العربي ، ومن ثم تفقد تعاطف كل المقتنعين بذلك من الميديا والقوى الثورية العربية ، ثم تفاجئ في النهاية بأن إسرائيل غير صادقة في وعودها ، ومن ثم تخسر الأمرين معاً ، وحتى لو انسحبت إسرائيل مثلاً من الجولان ، فمن يضمن أنها بعد النجاح في إخراج سوريا من المعادلة ، ومن ثم حل المشكلات مع حركات المقاومة الفلسطينية بتصفيتها أو إضعافها ، وكذلك حل المشكلة اللبنانية لصالح أمريكا والقوى الموالية لها في لبنان على حساب حزب الله والقوى الموالية لإيران هناك ، أنها بعد ذلك تعود وتحتل الجولان أو أكثر أو أقل منه في سوريا ، في وقت تكون سوريا لا تمتلك أي أوراق ردع ضد إسرائيل وأمريكا مثل حزب الله وحماس والجهاد الفلسطيني .

المسألة بالطبع تبدو بعيدة ، ولكن إسرائيل حين طرحت تلك الفكرة ، فإنها في الواقع أرادت تخفيف الحماس السوري لإيران على الأقل ، وتقليل الدعم السوري لحركات المقاومة ، ومن ثم تحسين الظروف الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة شيئاً .

في كل الأحوال فإن على حركات المقاومة أن تدرك دائماً أن عليها ألا تلقي أوراقها كلها في السلة السورية أو الإيرانية ، تحسباً لإمكانية حدوث صفقة مع الأمريكان والإسرائيليين تكون على حسابهم أساساً وهذا أمر وارد جداً في السياسة كما هو معلوم .

وأذكر بهذه المناسبة ، أن المرحوم الشهيد – نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً – الدكتور فتحي الشقاقي مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني وأمينها العام الأول الذي اغتالته إسرائيل في مالطا عام 1996 ، أذكر أن الرجل كان موجود في أحد المؤتمرات بطرابلس بليبيا عام 1993 وكنت حاضراً ذلك المؤتمر والتقيت به ، وأخبرني أن هناك عرض لديه بإقامة قاعدة عسكرية لحركته داخل سوريا ، وأن هناك من سيمول هذا العرض ، وأذكر أنني قلت له وقتها ، لا بد دائماً ألا تمتلك أشياء كثيرة داخل أي بلد ، لأن وجود قواعد ومباني ومؤسسات في أي بلد يرهن قرار حركتك لهذا البلد ، ويمكن أن يكون موقف هذا البلد الآن جيد ومقبول ، ولكن من يضمن استمرار ذلك ، فإذا حدث ما تخشاه ودخل هذا البلد في تسوية ما ، فإما أن تضحي بكل ما تمتلكه وترفض أو تشارك في تلك التسوية ، وإما أن تقبل وتفقد كل مصداقيتك التاريخية كحركة وكتوجه وكأمل للمستقبل ، واقتنع المرحوم الدكتور فتحي الشقاقي بذلك يومها ، وقرر دائماً أن يكون خفيف الأحمال في أي مكان بحيث يحافظ على مصداقيته الثورية دائماً ، لأنه لن يكون لديه ما يخاف عليه .  

     د. محمد مورو 

ليست هناك تعليقات: