الأربعاء، 22 يونيو 2011

حكم الجاسوس في الفقه الإسلامي



التجسس وسيلة لتحصيل المعلومات الخفية عن الغير. والوسائل لها حكم المقاصد فان كان المقصد هو اجتياح الغير والسطو عليه كان التجسس عدواناً. وان كان المقصد هو الوقاية من ظلم الغير وعدوانه كان التجسس دفاعاً.
ويقع التجسس العدواني اما بالخيانة الداخلية أو الوطنية. واما بالاندثاث الخارجي أو الاجنبي. وقد تكلم الفقهاء عن هذين النوعين بما يظهر عظمة الفقه الاسلامي وسعته للآفاق الحضارية.
أما التجسس العدواني الداخلي فيعتمد علي تجنيد بعض ضعاف الضمير من ابناء الوطن لصالح قوة معادية أجنبية وهو أشنع انواع التجسس» لقيامه علي الخيانة من ابن الوطن الذي ينتظر منه الحماية فاذا به يغدر ويخون. كما انه أقوي انواع التجسس لكونه جزءاً من الحقيقة.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلي أن هذا الجاسوس الداخلي لا يختلف حكمه بين كونه مسلماً أو غير مسلم بحكم المواطنة. حيث كما قالوا ان المسلم يخضع لاحكام دينه التي تلزمه بحماية غير المقيم معه في دينه وعرضه وماله. ويعد هذا من النظام العام الاسلامي.. أما المسلم فانه قد التزم بالعهد ان يحمي المواطن المسلم في دينه وعرضه وماله.
وقد تطور هذا التكييف الفقهي القديم إلي صورة العهد الدستوري الذي يجمع المواطنين باختلاف عقائدهم علي التناصر والحماية المشتركة.
وقد اختلف هؤلاء الجمهور في تقدير عقوبة هذا الجاسوس الداخلي من المواطنين. مسلماً كان أو غير مسلم. علي قولين.
القول الأول: يري تعزير الجاسوس الداخلي من أبناء الوطن لصالح الاجنبي بالاشد دون القتل.. وهو قول محمد بن الحسن الشيباني وبعض المالكية والمشهور عند الشافعية
وحجتهم: "1" انه انما حمله علي ما فعل الطمع وليس خبث الاعتقاد او التنكر للمواطنة. وهذا أحسن الوجهين الذي أمرنا به في قوله تعالي: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" "الزمر: 18"
"2" ما أخرجه الشيخان من حديث حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب إلي قريش أن رسول الله صلي الله عليه وسلم يغزوكم فخذوا حذركم فأراد عمر قتله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "مهلا يا عمر. فلعل الله قد اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فلو كان هذا الجاسوس مستحقا للقتل حداً ما تركه رسول الله صلي الله عليه وسلم بدرياً كان أو غير بدري.
"3" ان غير المسلم يقاس علي المسلم» لان المسلم لو ارتكب تلك الجريمة لم يكن ناقضاً أمانة ولم يخرج بذلك عن ايمانه. فكذلك اذا فعلها غيره لم يكن ناقضاً أمانة ولم يخرج بذلك عن عهده. كما نص علي ذلك محمد بن الحسن الشيباني.
القول الثاني: يري تعزير الجاسوس الداخلي من ابناء الوطن لصالح الاجنبي بالقتل. سواء كان مسلما أو غير مسلم وهو المذهب عند الحنابلة.
وحجتهم: أن التجسس من ابناء الوطن لصالح الأعداء يفضي إلي هلاك الدولة ودمارها. وهذا الضرر لا يدفعه الا أشد العقوبات بالقتل ردعاً وزجراً.
هذا. وقد ذهب بعض الفقهاء منهم أبو يوسف من الحنفية وبعض المالكية والحنابلة إلي التمييز في الحكم بين ان يكون الجاسوس الداخلي مسلماً فأوجبوا عقوبته بالاشد دون القتل مع إطالة حبسه حتي يحدث توبة. وبين ان يكون غير مسلم فأوجب عقوبته بالقتل لسوء الظن في توبته. خاصة وان الثقافة العامة التي كانت في زمنه تؤكد عداوة غير المسلمين للمسلمين بصفتهم حديثي عهد في النشأة.
أما وقد طال الزمن بالمسلمين حتي استقر الاعتراف بهم. وانتهت فكرة اجتثاثهم. فلم يعد وجه لهذه التفرقة التي ذكرها الامام أبو يوسف ومن معه. ويكون حكم المواطن المسلم هو نفسه حكم المواطن غير المسلم في جريمة التجسس. فالخطر لا يفرق بين المواطنين في عقائدهم. فكذلك العقوبة لا تفرق بين المجرمين بحسب عقائدهم. 




المقصود بالتجسس العدواني الخارجي إندساس بعض الأجانب وسط المواطنين لجمع الأخبار والمعلومات التي تفيد الأعداء القاصدين الإضرار بالدولة. وهذا النوع من التجسس يمكن كشفه عن طريق المواطنين المخلصين. لكون الأجنبي معروفاً بلغته وهيئته وسمته. وفي حال قيامه بأفعال تثير الريب. أو عندما يتواجد في أماكن تثير الشك فمن اليسير علي عامة المواطنين التنبه والتتبع لأحواله المريبة وإبلاغ السلطات المختصة عنه عند اللزوم.
وقد تكون صفة الجاسوس الأجنبية ساترة لفعله القبيح. لما تعارف الناس علي حسن التعامل مع الأجانب وعدم التعرض لهم أو مضايقتهم من باب حسن الضيافة. فضلاً عن شدة حماية دولهم لهم. مما يجعل تجسس هذا الأجنبي في الوطن أشد خطراً من الجاسوس الداخلي.
وفي جميع الأحوال فإنه إذا تم الإمساك بمثل هذا الجاسوس الأجنبي داخل وطننا فإن القانون يتخذ مجراه. ولأن القانون فرع عن الفقه فقد أجمع الفقهاء علي جواز تعزيره بأشد العقوبات حتي القتل. لأنه وافد الأعداء وهو أحدهم. فإن ثبت أنه ليس من الأعداء وإنما فعل فعلته طمعاً في دنيا جاز العفو عن قتله؟ لما أخرجه أبوداود والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم آتي بعين للمشركين اسمه "فرات بن حيان" فأمر به ان يقتل. فصاح: يا معشر الأنصار أقتل وأنا أشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فأمر به النبي صلي الله عليه وسلم وخلي سبيله. ثم قال: "إن منكم من أكله إلي إيمانه منهم" فرات بن حيان.
وانما استحق الجاسوس من الأعداء عقوبة القتل؟ لأسباب من أهمها ما يلي:
"1" أنه صار حربياً قد استباح أعراضنا وأموالنا وأنفسنا ان لم يكن بالمباشرة والسلاح المادي فبالتسبب والسلاح العلمي. والله تعالي يقول: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" "البقرة: 190".
"2" انه خان عهد الأمان. فما دخل ديارنا إلا لغرض سلمي. إذ يستحيل ان يكون دخوله بلادنا لغرض الجاسوسية. وإنما تخفي بتأشيرة سياحية أو تجارية أو ثقافية أو نحوها. ثم أتي بفعله القبيح فاستحق جزاء الخائنين الذي يبلغ القتل. كما قال تعالي: "وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم" "الأنفال: 71". وقال تعالي: "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ان الله لا يحب من كان خواناً أثيما" "النساء: 107".
"3" ان الأعداء يقتلون الجاسوس في بلادهم غالباً. فكانت قاعدة المعاملة بالمثل تقتضي ان يقتل الجاسوس منهم في بلادنا. كما قال تعالي: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" "الشوري: 40" وقال تعالي: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" "النحل: 126".
"4" ان مبدأ الردع والزجر في فقه العقوبة يقتضي إنزال أشد العقوبات علي من يرتكب مثل هذه الجرائم الخطيرة الشأن والكارثية علي النظام. كما قال تعالي: "من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" "المائدة: 32". 

هناك 6 تعليقات:

اخبار سياسية يقول...

حقا ان دين الاسلام يسر وليس عسر وحق فى كل مل يدور فى مجتمعنا

تطبيقات يقول...

افضل مقالتين
د. سعد الدين هلالي
مجهود رائع

أخبار - أهرام يقول...

اين القوة السياسية او القوة المخربة فى صفقة الجاسوس ، لان هذا من مصالحتهم الشخصية صح

Umzug Wien يقول...

حسبى الله ونعم الوكيل

توب موفيز يقول...

تسلم ايديك

أخبار اليوم يقول...

رااااائع