قرآن وسنة بقلم :د. سعد الدين هلالي dr.saadhelaly@hotmail.com | ||
ويقع التجسس العدواني اما بالخيانة الداخلية أو الوطنية. واما بالاندثاث الخارجي أو الاجنبي. وقد تكلم الفقهاء عن هذين النوعين بما يظهر عظمة الفقه الاسلامي وسعته للآفاق الحضارية. أما التجسس العدواني الداخلي فيعتمد علي تجنيد بعض ضعاف الضمير من ابناء الوطن لصالح قوة معادية أجنبية وهو أشنع انواع التجسس» لقيامه علي الخيانة من ابن الوطن الذي ينتظر منه الحماية فاذا به يغدر ويخون. كما انه أقوي انواع التجسس لكونه جزءاً من الحقيقة. وقد ذهب جمهور الفقهاء إلي أن هذا الجاسوس الداخلي لا يختلف حكمه بين كونه مسلماً أو غير مسلم بحكم المواطنة. حيث كما قالوا ان المسلم يخضع لاحكام دينه التي تلزمه بحماية غير المقيم معه في دينه وعرضه وماله. ويعد هذا من النظام العام الاسلامي.. أما المسلم فانه قد التزم بالعهد ان يحمي المواطن المسلم في دينه وعرضه وماله. وقد تطور هذا التكييف الفقهي القديم إلي صورة العهد الدستوري الذي يجمع المواطنين باختلاف عقائدهم علي التناصر والحماية المشتركة. وقد اختلف هؤلاء الجمهور في تقدير عقوبة هذا الجاسوس الداخلي من المواطنين. مسلماً كان أو غير مسلم. علي قولين. القول الأول: يري تعزير الجاسوس الداخلي من أبناء الوطن لصالح الاجنبي بالاشد دون القتل.. وهو قول محمد بن الحسن الشيباني وبعض المالكية والمشهور عند الشافعية وحجتهم: "1" انه انما حمله علي ما فعل الطمع وليس خبث الاعتقاد او التنكر للمواطنة. وهذا أحسن الوجهين الذي أمرنا به في قوله تعالي: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" "الزمر: 18" "2" ما أخرجه الشيخان من حديث حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب إلي قريش أن رسول الله صلي الله عليه وسلم يغزوكم فخذوا حذركم فأراد عمر قتله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "مهلا يا عمر. فلعل الله قد اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فلو كان هذا الجاسوس مستحقا للقتل حداً ما تركه رسول الله صلي الله عليه وسلم بدرياً كان أو غير بدري. "3" ان غير المسلم يقاس علي المسلم» لان المسلم لو ارتكب تلك الجريمة لم يكن ناقضاً أمانة ولم يخرج بذلك عن ايمانه. فكذلك اذا فعلها غيره لم يكن ناقضاً أمانة ولم يخرج بذلك عن عهده. كما نص علي ذلك محمد بن الحسن الشيباني. القول الثاني: يري تعزير الجاسوس الداخلي من ابناء الوطن لصالح الاجنبي بالقتل. سواء كان مسلما أو غير مسلم وهو المذهب عند الحنابلة. وحجتهم: أن التجسس من ابناء الوطن لصالح الأعداء يفضي إلي هلاك الدولة ودمارها. وهذا الضرر لا يدفعه الا أشد العقوبات بالقتل ردعاً وزجراً. هذا. وقد ذهب بعض الفقهاء منهم أبو يوسف من الحنفية وبعض المالكية والحنابلة إلي التمييز في الحكم بين ان يكون الجاسوس الداخلي مسلماً فأوجبوا عقوبته بالاشد دون القتل مع إطالة حبسه حتي يحدث توبة. وبين ان يكون غير مسلم فأوجب عقوبته بالقتل لسوء الظن في توبته. خاصة وان الثقافة العامة التي كانت في زمنه تؤكد عداوة غير المسلمين للمسلمين بصفتهم حديثي عهد في النشأة. أما وقد طال الزمن بالمسلمين حتي استقر الاعتراف بهم. وانتهت فكرة اجتثاثهم. فلم يعد وجه لهذه التفرقة التي ذكرها الامام أبو يوسف ومن معه. ويكون حكم المواطن المسلم هو نفسه حكم المواطن غير المسلم في جريمة التجسس. فالخطر لا يفرق بين المواطنين في عقائدهم. فكذلك العقوبة لا تفرق بين المجرمين بحسب عقائدهم.
|
الأربعاء، 22 يونيو 2011
حكم الجاسوس في الفقه الإسلامي
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)