‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحكمة. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات الحكمة. إظهار كافة الرسائل

الأربعاء، 22 يونيو 2011

حكم الجاسوس في الفقه الإسلامي



التجسس وسيلة لتحصيل المعلومات الخفية عن الغير. والوسائل لها حكم المقاصد فان كان المقصد هو اجتياح الغير والسطو عليه كان التجسس عدواناً. وان كان المقصد هو الوقاية من ظلم الغير وعدوانه كان التجسس دفاعاً.
ويقع التجسس العدواني اما بالخيانة الداخلية أو الوطنية. واما بالاندثاث الخارجي أو الاجنبي. وقد تكلم الفقهاء عن هذين النوعين بما يظهر عظمة الفقه الاسلامي وسعته للآفاق الحضارية.
أما التجسس العدواني الداخلي فيعتمد علي تجنيد بعض ضعاف الضمير من ابناء الوطن لصالح قوة معادية أجنبية وهو أشنع انواع التجسس» لقيامه علي الخيانة من ابن الوطن الذي ينتظر منه الحماية فاذا به يغدر ويخون. كما انه أقوي انواع التجسس لكونه جزءاً من الحقيقة.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلي أن هذا الجاسوس الداخلي لا يختلف حكمه بين كونه مسلماً أو غير مسلم بحكم المواطنة. حيث كما قالوا ان المسلم يخضع لاحكام دينه التي تلزمه بحماية غير المقيم معه في دينه وعرضه وماله. ويعد هذا من النظام العام الاسلامي.. أما المسلم فانه قد التزم بالعهد ان يحمي المواطن المسلم في دينه وعرضه وماله.
وقد تطور هذا التكييف الفقهي القديم إلي صورة العهد الدستوري الذي يجمع المواطنين باختلاف عقائدهم علي التناصر والحماية المشتركة.
وقد اختلف هؤلاء الجمهور في تقدير عقوبة هذا الجاسوس الداخلي من المواطنين. مسلماً كان أو غير مسلم. علي قولين.
القول الأول: يري تعزير الجاسوس الداخلي من أبناء الوطن لصالح الاجنبي بالاشد دون القتل.. وهو قول محمد بن الحسن الشيباني وبعض المالكية والمشهور عند الشافعية
وحجتهم: "1" انه انما حمله علي ما فعل الطمع وليس خبث الاعتقاد او التنكر للمواطنة. وهذا أحسن الوجهين الذي أمرنا به في قوله تعالي: "الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه" "الزمر: 18"
"2" ما أخرجه الشيخان من حديث حاطب بن أبي بلتعة الذي كتب إلي قريش أن رسول الله صلي الله عليه وسلم يغزوكم فخذوا حذركم فأراد عمر قتله. فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "مهلا يا عمر. فلعل الله قد اطلع علي أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" فلو كان هذا الجاسوس مستحقا للقتل حداً ما تركه رسول الله صلي الله عليه وسلم بدرياً كان أو غير بدري.
"3" ان غير المسلم يقاس علي المسلم» لان المسلم لو ارتكب تلك الجريمة لم يكن ناقضاً أمانة ولم يخرج بذلك عن ايمانه. فكذلك اذا فعلها غيره لم يكن ناقضاً أمانة ولم يخرج بذلك عن عهده. كما نص علي ذلك محمد بن الحسن الشيباني.
القول الثاني: يري تعزير الجاسوس الداخلي من ابناء الوطن لصالح الاجنبي بالقتل. سواء كان مسلما أو غير مسلم وهو المذهب عند الحنابلة.
وحجتهم: أن التجسس من ابناء الوطن لصالح الأعداء يفضي إلي هلاك الدولة ودمارها. وهذا الضرر لا يدفعه الا أشد العقوبات بالقتل ردعاً وزجراً.
هذا. وقد ذهب بعض الفقهاء منهم أبو يوسف من الحنفية وبعض المالكية والحنابلة إلي التمييز في الحكم بين ان يكون الجاسوس الداخلي مسلماً فأوجبوا عقوبته بالاشد دون القتل مع إطالة حبسه حتي يحدث توبة. وبين ان يكون غير مسلم فأوجب عقوبته بالقتل لسوء الظن في توبته. خاصة وان الثقافة العامة التي كانت في زمنه تؤكد عداوة غير المسلمين للمسلمين بصفتهم حديثي عهد في النشأة.
أما وقد طال الزمن بالمسلمين حتي استقر الاعتراف بهم. وانتهت فكرة اجتثاثهم. فلم يعد وجه لهذه التفرقة التي ذكرها الامام أبو يوسف ومن معه. ويكون حكم المواطن المسلم هو نفسه حكم المواطن غير المسلم في جريمة التجسس. فالخطر لا يفرق بين المواطنين في عقائدهم. فكذلك العقوبة لا تفرق بين المجرمين بحسب عقائدهم. 




المقصود بالتجسس العدواني الخارجي إندساس بعض الأجانب وسط المواطنين لجمع الأخبار والمعلومات التي تفيد الأعداء القاصدين الإضرار بالدولة. وهذا النوع من التجسس يمكن كشفه عن طريق المواطنين المخلصين. لكون الأجنبي معروفاً بلغته وهيئته وسمته. وفي حال قيامه بأفعال تثير الريب. أو عندما يتواجد في أماكن تثير الشك فمن اليسير علي عامة المواطنين التنبه والتتبع لأحواله المريبة وإبلاغ السلطات المختصة عنه عند اللزوم.
وقد تكون صفة الجاسوس الأجنبية ساترة لفعله القبيح. لما تعارف الناس علي حسن التعامل مع الأجانب وعدم التعرض لهم أو مضايقتهم من باب حسن الضيافة. فضلاً عن شدة حماية دولهم لهم. مما يجعل تجسس هذا الأجنبي في الوطن أشد خطراً من الجاسوس الداخلي.
وفي جميع الأحوال فإنه إذا تم الإمساك بمثل هذا الجاسوس الأجنبي داخل وطننا فإن القانون يتخذ مجراه. ولأن القانون فرع عن الفقه فقد أجمع الفقهاء علي جواز تعزيره بأشد العقوبات حتي القتل. لأنه وافد الأعداء وهو أحدهم. فإن ثبت أنه ليس من الأعداء وإنما فعل فعلته طمعاً في دنيا جاز العفو عن قتله؟ لما أخرجه أبوداود والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ان النبي صلي الله عليه وسلم آتي بعين للمشركين اسمه "فرات بن حيان" فأمر به ان يقتل. فصاح: يا معشر الأنصار أقتل وأنا أشهد ان لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فأمر به النبي صلي الله عليه وسلم وخلي سبيله. ثم قال: "إن منكم من أكله إلي إيمانه منهم" فرات بن حيان.
وانما استحق الجاسوس من الأعداء عقوبة القتل؟ لأسباب من أهمها ما يلي:
"1" أنه صار حربياً قد استباح أعراضنا وأموالنا وأنفسنا ان لم يكن بالمباشرة والسلاح المادي فبالتسبب والسلاح العلمي. والله تعالي يقول: "وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم" "البقرة: 190".
"2" انه خان عهد الأمان. فما دخل ديارنا إلا لغرض سلمي. إذ يستحيل ان يكون دخوله بلادنا لغرض الجاسوسية. وإنما تخفي بتأشيرة سياحية أو تجارية أو ثقافية أو نحوها. ثم أتي بفعله القبيح فاستحق جزاء الخائنين الذي يبلغ القتل. كما قال تعالي: "وإن يريدوا خيانتك فقد خانوا الله من قبل فأمكن منهم والله عليم حكيم" "الأنفال: 71". وقال تعالي: "ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم ان الله لا يحب من كان خواناً أثيما" "النساء: 107".
"3" ان الأعداء يقتلون الجاسوس في بلادهم غالباً. فكانت قاعدة المعاملة بالمثل تقتضي ان يقتل الجاسوس منهم في بلادنا. كما قال تعالي: "وجزاء سيئة سيئة مثلها" "الشوري: 40" وقال تعالي: "وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به" "النحل: 126".
"4" ان مبدأ الردع والزجر في فقه العقوبة يقتضي إنزال أشد العقوبات علي من يرتكب مثل هذه الجرائم الخطيرة الشأن والكارثية علي النظام. كما قال تعالي: "من أجل ذلك كتبنا علي بني إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا" "المائدة: 32". 

الأحد، 3 أكتوبر 2010

مقال محمد سليم العوا الممنوع من النشر في المصري اليوم

http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=40174
الكنيسة.. والوطن (2)
دكتور محمد سليم العوَّا   |  03-10-2010 00:14

• منذ سنين ناقشنا، في الفريق العربي للحوار الإسلامي المسيحي، سبل التعايش بين المسلمين وغير المسلمين في الوطن الواحد وفي أوطان شتى. وانتهينا يومئذ إلى إصدار وثيقة سميناها (العيش الواحد) أصبحت هي دستور عمل الفريق، ووصفت في تصديرها ـ بحق ـ بأنها «دعوة للناس، وشهادة بينهم، وميثاق للعمل العربي الإسلامي ـ المسيحي».

• وكان مما قررته تلك الوثيقة أن الحوار ينطلق «من احترام حق الآخر في اعتقاده، وتعزيز الأسس الدينية للعيش الواحد في وطن واحد» وهذا الحوار لا يستقيم «بغير احترام الخصوصيات والمشاعر والرموز والمقدسات الدينية الإسلامية والمسيحية. ولا يقتصر ذلك على سلوك أهل كل من الدينين تجاه أهل الدين الآخر، وإنما يعبر عن نفسه كذلك في وقوف الطرفين معًا ضد أي امتهان لمقدسات أيِّ منهما أيًا كان مصدره» [الفريق العربي للحوار الإسلامي ـ المسيحي، الحوار والعيش الواحد، بيروت 2001].

• وفي سنة 2008 أصدر الفريق العربي نفسه وثيقته الثانية بعنوان «وثيقة الاحترام المتبادل بين أهل الأديان». وقد نصت هذه الوثيقة في فقرتها رقم (7) على أنه: «ينبغي على أهل كل دين ألا يخوضوا في خصوصيات دين آخر. وينطبق هذا على أهل المذاهب المختلفة والفرق المتعددة في الدين الواحد... وإشاعة أمر التعارض أو التناقض، بين عقيدة وغيرها من العقائد، لا يؤدي إلا إلى البغضاء والشحناء وإغراء الناس بعضهم ببعض...».

• ونصت الوثيقة نفسها في فقرتها رقم (9) على أنه: «من حق أهل كل دين أو عقيدة أن يتوقعوا من مخالفيهم تصحيح ما يرتكب في حقهم من خطأ، والاعتذار عما يصدر من هؤلاء المخالفين أو بعضهم من إساءة أو إهانة أو قول أو فعل لا يليق. ولا يجوز لمن وقع منه الخطأ: غفلة أو هفوة أن يستكبر عن تصحيحه أو يبحث عن تأويله وتبريره» [الفريق العربي للحوار الإسلامي ـ المسيحي، وثيقة الاحترام المتبادل بين أهل الأديان، بيروت 2008].

• وهذه المبادئ التي صاغها الفريق العربي للحوار الإسلامي ـ المسيحي للتعبير عما تراه جموع المؤمنين بالدينين حافظًا لوحدتها الوطنية، وعاصمًا لها من الفرقة، وحائلا بينها وبين التعصب الممقوت، لو اتبعها رجال الكنيسة المصرية في تناولهم للمسائل المتعلقة بالإسلام والمسلمين لما وقعت فتن كثيرة اصطلى بنارها المصريون جميعًا أقباطًا ومسلمين. والفتن، وحوادث التعصب وما يصاحبها من تطورات حمقاء من أيِّ من الطرفين، مهما خمد أورُاها وأطفأت جهود (المصالحة) نارَها، واعتذر المتسبب فيها، أو من يتحدث باسم جهة ينتمي إليها، عما كان منه ــ مهما وقع ذلك كله فإن الفتن المتوالية تتراكم آثارها في النفوس، وينشأ على ذكريات كل منها جيل أو أجيال من أبناء الوطن وبناته يفتقدون صفاء النفس نحو المخالف لهم في الدين، وينظرون إليه نظرة العدو المتربص لا نظرة الشريك في الدار، ولا نظرة الأخ في الوطن.

• فإذا تكلم الأنبا بيشوي أسقف دمياط وكفر الشيخ والبراري (المصري اليوم: 15/9/2010) عن الجزية ضاربًا عُرض الحائط بكل ما انتهت إليه الدراسات الإسلامية في شأنها، وكأن شيئًا منها لم يكن، فإن هذا الحديث لا يؤدي إلى شيء إلا إلى إثارة ضغائن الأقباط على إخوانهم المسلمين، وبعث فتنة لا مسوغ لها، تعمل عملها في هدم بناء الوطن بتحطيم علاقات الأخوة فيه. سيذكر الأقباط كلام الأنبا بيشوي عن الجزية وهم لم يدفعوها ـ ولا هو دفعها ـ قط، وسينسون كل العلاقات الوادة الراحمة بينهم وبين المسلمين المعاصرين لهم وهم لم يقبضوا الجزية قط!! فما الذي يستفيده نيافة الأنبا من هذه المسألة؟ وما الذي يعود على الشعب المصري من ذكرها؟

• وعندما يتحدث عن الاستشهاد، ويؤيده فيما قال رأس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، البابا شنودة، مفسرًا الاستشهاد بأنه في المفهوم المسيحي الموت في سبيل المبدأ أو العقيدة دون قتال لأن الاستشهاد في القتال موت وقتل وليس استشهادًا بالمعنى المسيحي. (حديثه مع الإعلامي عبد اللطيف المناوي، الحلقة الثانية، 27/9/2010).

أقول عندما يتحدث أنبا موقر والبابا نفسه عن هذا المفهوم فإن من واجبهما أن يراعيا، مع المفهوم المسيحي الذي يقولان به، المعنى العربي اللغوي، والمعنى الإسلامي، للاستشهاد، وهو الموت في سبيل الله؛ الذي قد يكون في قتال وقد لا يكون، كما في الرجل يقول كلمة حق عند سلطان جائر فيقتله، وقد سمي في الحديث النبوي (سيد الشهداء) وقرن بحمزة بن عبد المطلب ، فكيف غاب هذا عن الرجلين، وغيرهما، وهما يتحدثان عن الاستشهاد.

ثم إن هذا الذي يموت في سبيل العقيدة، بغير قتال، يموت بلا شك مظلومًا مضطهدًا، فأين هي مظاهر هذا الاضطهاد الذي سيصل بمن يقع عليهم إلى حد القتل في سبيل مبدئهم؟؟ إن الاعتذار عن التهديد بالاستشهاد بإيراد معناه في المسيحية لا يزيد الطين إلا بلة لأنه يتضمن اتهامًا للمسلمين باضطهاد الأقباط، وهو اتهام باطل قطعًا فلا المسلمون في مصر يضطهدون الأقباط ولا الأقباط يضطهدون المسلمين، لكنه التلاسن السياسي الذي لم يستطع أحد أن يدرك ماذا أراد منه الأنبا بيشوي عندما أورده خارج سياق حديث (المصري اليوم) معه، وعندما نبهته الصحفية التي كانت تحاوره إلى السياق الصحيح للسؤال ذكرنا بأحداث سبتمبر 1981 ولم يصحح جوابه عن سؤالها.

• وأحداث سبتمبر 1981، فيما يخص الكنيسة القبطية، قطع كل قول فيها حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوى رقم 934 لسنة 36ق التي كانت مقامة من البابا شنودة الثالث ضد رئيس الجمهورية وآخرين، والعودة إلى أوراق هذه الدعوى، وأسباب حكمها، لا تفيد نيافة الأنبا بيشوي ولا تفيد البابا. والحكم منشور في مصادر كثيرة يستطيع الرجوع إليها من شاء، إذ ليس المقام هنا مقام تذكير بأخطاء الماضي، لكنه مقام تصويب لما لا يصح من مقولات الحاضر.

• كما أقحم الأنبا بيشوي أسقف دمياط وكفر الشيخ والبراري، سكرتير المجمع المقدس في حديثه مع (المصري اليوم) حكاية (الضيوف) وذكر أحداث 1981، أقحم في بحثه المعنون (الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة) فقرة من 4 صفحات كاملة تتحدث عن القرآن الكريم، ومعاني بعض آياته، ومدى تناسق ما تذكره بعضها مع ما تذكره آيات أخرى. والبحث أعده صاحبه ليلقيه في مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 13 الذي عرف إعلاميًا باسم مؤتمر تثبيت العقيدة. واعترض على كلمة (تثبيت) البابا شنودة في حديثه مع الأستاذ عبد اللطيف المناوي (26/9/2010).

• ومما اتخذتُه سبيلا في علاقتي بإخواني غير المسلمين جميعًا ألا أدخل معهم في نقاش حول ديني أو دينهم، لأنني أعتقد أن الأديان والمذاهب مُطْلقاتٌ عند أصحابها، لا تحتمل التبديل ولا التغيير، ولا يقبل المؤمنون بها احتمال خطئها، صغيرًا كان الخطأ أم كبيرًا. إن الجائز بين أهل الأديان هو الإجابة عن سؤال أو شرح مسألة لمن لم يعرفها، إذا وُجِّه ذلك السؤال أو طُلِبَ هذا الشرح. وما سوى ذلك لا يجوز. وهذا هو مضمون ما تقرره وثيقتا: العيش الواحد، والاحترام المتبادل اللتين ذكرتهما آنفًا.

لذلك لن أعيد ما قاله الأنبا بيشوي في بحثه المذكور عن القرآن الكريم، فاعتقادي أنه ليس من حقه مناقشة القرآن ولا الجدل في شأن كيفية تفسيره، ولا محاولة التوفيق بين معاني بعض آياته ومعاني العقيدة المسيحية كما يؤمن بها هو ومن يتبعون مذهبه.

• غير أن كلام الأنبا بيشوي عن القرآن الكريم فيه مسائل تحتاج إلى بيان. ولست أوجه هذا البيان له وحده، ولكنني أوجهه إلى كل من قرأ بحثه أو استمع إليه، أو تابع ما نشرته الصحف وأذاعته وسائل الإعلام عنه.

- المسألة الأولى: أن الأنبا بيشوي نقل كلامًا نسبه إلى الفخر الرازي (أبو الفضل محمد فخر الدين بن عمر بن الحسين الرازي المتوفى سنة 606) في كتابه: التفسير الكبير، قال الأنبا بيشوي إن الفخر الرازي يقول عن تفسير قوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم} [النساء:157] بأن المصلوب شخص غير عيسى بن مريم عليه السلام: «إنها إهانة لله أن يجعل شخصًا شبهه يصلب بدلا منه، لأن هذا يعني أن الله غير قادر على أن ينجيه. وهكذا فقد أورد لنا أدلة لم نذكرها نحن من قبل... وقال أيضًا ما ذنب الذي صلب في هذه الحالة إن هذا يعتبر ظلم (كذا)....» [ص43 من بحث الأنبا بيشوي والنقاط الثلاث من أصل نصه].

- ولا يقتضي الأمر أكثر من الرجوع إلى التفسير الكبير ليتبين القارئ الكريم أمرين: الأول، أن الألفاظ التي زعم الأنبا بيشوي أنها من كلام الفخر الرازي لا توجد في كلامه قط. الثاني، أن الفخر الرازي أورد الأقوال في شأن قوله تعالى {ولكن شبه لهم} وردَّ عليها، واختار أصحها في نظره، وأنه لما ناقش كيفية إلقاء شبه المسيح عليه السلام على الشخص الذي صلبه اليهود والرومان ذكر أربعة أقوال في شرح تلك الكيفية وانتهى إلى أن «الله أعلم بحقائق الأمور». ولم يرد في كلامه في أي موضع تعبير (إن هذا يعتبر ظلمًا) ولا تعبير (أن هذا يعني أن الله غير قادر على أن ينجيه). [تفسير الفخر الرازي، ج11، ط المطبعة المصرية، القاهرة 1938، ص 99. ورقم الآية من سورة النساء هو 157 وليس 156 كما ذكره الأنبا بيشوي].

وأنا أترك للقارئ أن يحكم على هذا الصنيع ومدى صلته بالعلم، الذي من بركته عندنا الدقة في نسبة كل قول إلى قائله، ومدى صلته بواجب الأحبار والرهبان في حفظ أمانة الكلمة وتأديتها إلى الذين يتحدثون إليهم.



- المسألة الثانية: أن الأنبا بيشوي يحكي قصة حوار بينه وبين الملحق العسكري المصري في منزل سفير مصر في قبرص (لم يذكر اسم السفير ولا اسم الملحق العسكري) وينتهي منها إلى أن الملحق العسكري وافقه على تفسيره لقول الله تعالى {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح عيسى بن مريم قل فمن يملك من الله شيئًا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعًا ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء والله على كل شيء قدير} [المائدة:17].

ودون دخول في تفصيلات الحوار الذي ذكره الأنبا بيشوي، أقول إنه حوار لا معنى له ولا جدوى منه، ودار ـ إن صحت الرواية ـ بينه وهو غير مختص ولا متخصص وبين رجال مثله غير مختصين ولا متخصصين، فكان حاصله صفرًا ، لا يقتضي تعقيبًا ولا يستحق ردًا. لكن المهم في الأمر كله أن محاولة إعادة فهم القرآن الكريم على خلاف ما فهم منه على مدى التاريخ الإسلامي كله محاولةٌ مآلها الإخفاق، ونتيجتها إثارة الفتنة بين الأقباط والمسلمين إذا ردد الأقباط فهم الأنبا بيشوي وفهم الملحق العسكري!! وقد كان حريًا بالأنبا بيشوي ألا يقتحم هذا المجال أصلا فليس هو من رجاله ولا أهله. ومما يحسُنُ بالمرء ألا يهرف بما لا يعرف وبخاصةٍ إذا ترتب على ذلك أن تحدث وقيعة بين أبناء الوطن الواحد يحمل وزرها الذين يجادلون فيما ليس لهم به علم.

- المسألة الثالثة: أن الأنبا بيشوي يتساءل عما إذا كانت الآية الكريمة (وصفها من عندي) «قيلت أثناء بعثة نبي الإسلام، أم أضيفت أثناء تجميع عثمان بن عفان للقرآن الشفوي وجعله تحريري(؟)، لمجرد وضع شيء ضد النصارى» ويتساءل قبل ذلك عما إذا «كانت قد قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن أم أنها أضيفت فيما بعد، في زمن متأخر».

والتساؤلان غير مشروعين، وفي غير محلهما، ووجها إلى من لا شأن له في الجواب عليهما.

فالنبي  لم (يقل) القرآن, إنما تنزل عليه القرآن من لدن عليم حكيم. وأنا لا أريد من نيافة الأنبا، ولا من أي مسيحي، أن يقر لي بنبوة محمد  لأنه إن فعل ذلك خرج من عقيدته الحالية، وليس هذا مطلبي. لكنني أتوقع منه أن لا يهين كتابنا الكريم (القرآن) وينسبه إلى مخلوق، ولو كان هو النبي نفسه، لأن في ذلك إهانةً لا تقبل، ومساسًا لا يحتمل بالإسلام نفسه.

والخليفة الثالث، عثمان بن عفان، لم يحوّل القرآن من شفهي إلى تحريري. بل كان القرآن الكريم يكتب فور نزوله على النبي  آية آية، وقطعة قطعة، وسورة سورة، وهذا كله مبسوط في كتب علوم القرآن التي لو طالعها أي ملمٍ بالقراءة والكتابة لم يقل مثل الكلام الذي كتبه الأنبا بيشوي في بحثه.

وأخشى ما أخشاه أن يفهم المسلمون الذين يقرأون كلام الأنبا بيشوي أن المقصود هو التسوية بين النص القرآني المتواتر بلا خلاف وبين نصوص دينية أخرى لم تدون إلا بعد أكثر من مئتي سنة من انتهاء عصر الأنبياء المنسوبة إليهم.

ومثل هذه المحاولة تعني التشكيك في تواتر القرآن. والتساؤل عما إذا كانت آية ما أضيفت إلى القرآن الكريم «في زمن متأخر» تكذيب لا يقبله مسلم، بقول الله تعالى {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر:9].

• ولذلك فقد أحسن البابا شنودة عندما قال في حديثه مع الأستاذ عبد اللطيف المناوي: «آسف إنه يحصل جرح لشعور المسلمين، ونحن مستعدون لأي ترضية» (الحلقة المذاعة في 26/9/2010).

والترضية الواجبة لا تكون إلا بأن يعتذر الأنبا بيشوي نفسه عما قال وفعل وكتب. إن البابا شنودة، وهو رأس الكنيسة لا يجوز أن يتحمل أوزار المنتسبين إليها. ولا يُسْتَغنى بأسفه الشخصي عن اعتذار المخطئ من رجال الكهنوت خطأً يثير الفتنة ويحتمل أن يدمر بسببه الوطن. والبابا شنودة أسِفَ وهو لم يقرأ كلام الأنبا بيشوي، ولا استمع إليه، ولا رأى الأنبا بيشوي نفسه منذ نشر كلامه المسيء إلى الإسلام والمسلمين (حلقة 26/9/2010 مع عبد اللطيف المناوي) فأسفه كان لمجرد مشاعر نقلها إليه، برقةٍ بالغةٍ ولطفٍ ملحوظٍ، الأستاذ عبد اللطيف المناوي، وهو أسَفٌ حسن لكنه لا يغني من المطلوب، الواجب، المستحق للمسلمين المواطنين عند الأنبا بيشوي نفسه، شيئًا. ولا يشك أحد في أن البابا بسلطته الروحية والإدارية على جميع رجال الكنيسة قادر على إلزام الأنبا بيشوي بإعلان اعتذاره بلا مواربة ولا التفاف حول الأمر بكلمات هي معاريض لا تسمن ولا تغني من جوع. وما لم يتم ذلك فإن الترضية التي أبدى البابا استعداده لها لا تكون قد تمت، ويبقى الجرح مفتوحًا حتى تتم فيلتئم، وتعود العلاقة مع الكنيسة سيرتها الأولى، ويتجنب الوطن زلزالا لا يبقي ولا يذر.

• فإذا أبى الأنبا بيشوي أسقف دمياط وكفر الشيخ والبراري، سكرتير المجمع المقدس ذلك، فإنه لا يبقى أمامنا إلا أن نطبق ما يأمرنا به قرآننا فنقول له:

{الحق من ربك فلا تكن من الممترين. فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [آل عمران: 60-61].

• لقد أحسن البابا شنودة ـ أيضًا ـ عندما قال للأستاذ المناوي: «الآية التي ذكرت كانت آية يعني مش أصول أن ندخل في مفهومها» (حلقة 26/9/2010) «مش عارف إزاي حصل سرد لحاجات زي دي، ربما كان المقصود أن يعرضوا آيات ليصلوا إلى حل للخلاف اللي فيها لكن ما كانش أصول إنها تعرض خالص، كما أنهم ظنوا أن هذا مؤتمر للكهنة فقط فكأنه ناس بيفحصوا بعض أمور جوه البيت مش للخارج. بعض الصحفيين حضروا وأخذوا الحاجات وبدأوا ينشروا» (الحلقة نفسها).

• وليس خفيًا أن الكهنة مهما علا كعبهم لا يستطيعون أن يصلوا إلى حلول للخلاف بين العقيدتين الإسلامية والمسيحية الذي تعبر عنه بعض آيات القرآن الكريم. فلا هم مؤهلون لهذا، ولا هو من علمهم أو شأنهم، ولن يستمع إلى ما يقولونه أحد من المسلمين. فلماذا يذكر القرآن أصلا في مثل هذا المؤتمر؟؟

والخلاف بين العقيدتين واقع أبدي لا يزول، فالبحث في التوفيق بينهما عبث يجب أن ينزه العقلاء أنفسهم عنه، ويصونوا أوقاتهم عن إضاعتها فيه.

وأن الأمر كان «داخل البيت» لا يسوغُ قبولُه مع ما نشرته الصحف التي ذكرت الموضوع من أن النص «وزع على الصحفيين».

وكم غضبت الكنيسة والأقباط كافة، من كلام كتب أو قيل داخل البيت الإسلامي، ومن كلام يقال داخل المساجد، بل من كلام قيل وكتب لمجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف (كلام الدكتور محمد عمارة في تقريره العلمي عن كتاب: مستعدون للمواجهة، الذي أحاله المجمع إليه لكتابة تقرير عنه فلما كتبه قامت الدنيا ولم تقعد ـ وكاتب هذا الكتاب ينتحل اسم سمير مرقس، وهو قطعًا لا علاقة له بهذا الاسم، فصاحبه المعروف هو صديقنا المهندس سمير مرقس، وهو رجل وحدة وطنية بامتياز).

لقد كان كلام الدكتور محمد عمارة داخل المجمع، ونشر ملحقًا بمجلة الأزهر، وكان ردًا ولم يكن كلامًا مبتدأً، ومع ذلك كله فقد ثارت الكنيسة على نشره وطلبت سحبه من التداول وفعل الأزهر ذلك، محافظة على مشاعر الأقباط، وحرصًا على وحدة أبناء الوطن. فهل يأمر البابا شنودة الأنبا بيشوي بأن يفعل مثل ما فعلت القيادة الدينية الرسمية للمسلمين؟ أرجو مخلصًا أن يفعل.

• سأل الإعلامي المعروف الأستاذ عبد اللطيف المناوي ضيفه البابا شنودة الثالث عما سبب تغيير الأجواء، التي كانت سائدة بين المسلمين والأقباط، من الحوار والأخوة الوطنية ونحوهما إلى التوتر والاحتقان الحاليين؟ وكان جواب البابا: «المسألة الأولى بدأت من مشكلات كاميليا... هل سيدة معينة يمكن توجد خلافًا على مستوى البلد كله... لماذا هذا الضجيج كله من أجل موضوع يمكن يكون شخصي خاص بها وبزوجها... المسألة تطورت من فرد معين إلى هياج كبير جدًا جدًا، استخدمت فيه شتائم وكلام صعب إلى أبعد الحدود، ونحن لم نتكلم وسكتنا... حدثت مظاهرات تؤذي مشاعر كل مسيحي.. لم تحدث مظاهرات من جانبنا» وعندما حاول الأستاذ المناوي تلطيف الجو بقوله «كان هناك جرح متبادل» رد عليه البابا بحزم: «الجرح مش متبادل.. أرجوك».

• والواقع أن الإجابة عن سؤال: ما الذي حدث فأدى إلى تغيير الأجواء؟ بأن المسألة «بدأت من مشكلات كاميليا» إجابة غير صحيحة جملة وتفصيلا. كاميليا وقصتها كانت آخر ما أثار مشاعر الجماهير المسلمة التي انفعلت لما أشيع من أنها أسلمت وأنها سُلِّمت إلى الكنيسة كسابقاتٍ لها في السنين السبع الأخيرة.

وأول هؤلاء اللاتي سلِّمن إلى الكنيسة كانت السيدة/ وفاء قسطنطين زوجة كاهن كنيسة (أبو المطامير) آنئذٍ. وواقعة السيدة وفاء قسطنطين حدثت في سنة 2004 وهي سلِّمت إلى الكنيسة التي أودعتها دير الأنبا مقار بوادي النطرون (حسبما أعلن في الشهر الحالي، سبتمبر 2010، الأسقف الأنبا باخوميوس أسقف البحيرة ومطروح والمدن السبع الغربية). وهي لا تزال تحيا فيه حبيسة ممنوعة من مغادرته حتى اليوم. وقد ثار شباب ورجال أقباط على بقاء السيدة/وفاء قسطنطين في حماية الدولة من أن تقع في قبضة من يقيد حريتها بغير سند من القانون، وتظاهروا في مقر الكاتدرائية بالعباسية، وألقوا حجارة على رجال الأمن فأصيب منهم (55) من بينهم خمسة ضباط، واعتُديَ بالضرب على الصحفي مصطفى سليمان، من صحيفة الأسبوع وانتُزِعَتَْ منه بطاقته الصحفية وآلة تصوير، واعتديَ بالتهديد على الصحفية نشوى الديب، من صحيفة العربي، ولولا حماية رجل قبطي، ذي مروءة، لها لكان نالها مثل ما نال زميلها. وقد نشرتْ تفاصيل مسألة وفاء قسطنطين منذ إسلامها إلى تسليمها جميع وسائل الإعلام المصرية، وكثير من وسائل الإعلام العربية والعالمية [كتابنا: للدين والوطن ص 207-275].

• وقد تزامن مع تسليم وفاء قسطنطين تسليم السيدة/ ماري عبد الله التي كانت زوجة لكاهن كنيسة بالزاوية الحمراء إلى الكنيسة، بعد أن أسلمت. وفي أعقاب هاتين الحادثتين المخزيتين سلمت إلى الكنيسة (مارس 2005) طبيبتي الامتياز ماريا مكرم جرجس بسخريوس، وتيريزا عياد إبراهيم في محافظة الفيوم وأعلن الأنبا أبرام وكيل مطرانية سمالوط أن الفتاتين «هما الآن تحت سيطرتنا» [المصدر السابق ص 277].

• وتبع هاتين الحادثتين تسليم بنات السيدة ثناء مسعد، التي كانت مسيحية وأسلمت ثم قتلت خطأ في حادث مرور، إلى زوجها المسيحي، بقرار من النيابة العامة ليس له سندٌ من صحيح القانون [التفاصيل في كتابنا سالف الذكر ص 258].

• كان تسليم المسْلِمات إلى الكنيسة، وإصرارها على ذلك، والمظاهرات العنيفة التي قامت في القاهرة والبحيرة والفيوم (وليتأمل القارئ كلام البابا شنودة لعبد اللطيف المناوي الذي يصطنع فيه تفرقة بين المظاهرات، التي يقوم بها المسلمون، والتجمعات الاحتجاجية التي يقوم بها الأقباط. ولمن شاء أن يسأل هل كان الاعتداء على رجال الشرطة، وجرح 55 منهم بينهم 5 ضباط، مجرد تجمع احتجاجي!!). كان ذلك التسليم هو بداية الاحتقان المستمر، حتى اليوم، بين الكنيسة من جانب وأهل الإسلام في مصر من جانب آخر.

• وهذا الاحتقان له سببه المشروع عند المسلمين. فذلك التسليم تم للمرة الأولى في تاريخ الإسلام (1444سنة)، لم يُسْبَقْ إليه شعب ولا دولة ولا حكومة. والقرآن الكريم ينهى عنه نهيًا قاطعًا {يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن...} [الممتحنة:10].

• وقد طالب المسلمون، بألسنة مفكريهم وعلمائهم وأقلام كتابهم، بتصحيح هذه الأخطاء فلم يستمع إليهم أحد!! وأحدث هذا الإهمال لما يوجبه الدين تأثيره في جماهير المسلمين، وهو تأثير مستمر حتى اليوم، يزداد الشعور به كلما وقعت حادثة جديدة، أو أشيعت شائعة عن وقوعها، أو اتخذ موقف أو قيل كلام من جانب رجال الكنيسة يحرك حفيظة المسلمين.

فما يقوله البابا شنودة عن أن أصل المسألة هو موضوع كاميليا شحاتة كلام غير صحيح. إن أصل المسألة هو انتهاز الكنيسة فرصة ضعف الدولة بإزائها، وتغولها على النطاق المحفوظ بغير جدال لسلطاتها الرسمية، واتخاذها محابس لمن لا ترضى عنهم من الناس بغير سند من القانون، وبالمخالفة للدستور، مع سكوت الجهات المختصة في الدولة كافة على هذا السلوك العجيب. ويزداد الأمر شدة وصعوبة كلما ادعت الكنيسة على لسان قياداتها أن ما حدث، ويحدث، هو ممارسة لحقوقها وحماية لمن أسلمن ـ بزعم عودتهن عن هذا الإسلام ـ ممن قد يصيبهن بأذى!!

• لقد كان بيان هذا الأمر لازمًا لوضع الأمور في نصابها، ولتذكير الحَبر الجليل البابا شنودة الثالث بدور الكنيسة، تحت قيادته، في إحداث الاحتقانات المتتالية بين المسلمين وغير المسلمين. وقد كان آخر فصول هذا الدور هو تصريحات الأنبا بيشوي، ومن تبعه من الكهنة ذوي الرتب الكهنوتية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة عن مسألة (ضيافة) الأقباط للمسلمين، وعن مسألة (الجزية) ثم تصريحات الأنبا بيشوي ـ التي نفى البابا شنودة علمه بها ـ عن تفسير آيات القرآن الكريم بما يوافق العقيدة المسيحية كما يعتنقها الأنبا بيشوي، وحديثه عما إذا كانت بعض آيات القرآن قد أضيفت في زمن متأخر في عهد الخليفة عثمان بن عفان .

* * * * *

• إن حياة المسلمين والمسيحيين على أرض مصر قدر لا فكاك منه لأحد الفريقين. والعمل من أجل تأكيد معاني العيش الواحد الذي يجمع بينهم في وطنهم الواحد، والتوعية بها، هو المخرج الوحيد من الفتن المتتالية التي نعاني منها منذ نحو أربعة عقود.

إن معنى العيش الواحد في الوطن الواحد أن يكون بين المختلفين، دينًا أو ملة أو طائفة أو أصلا عرقيًا أو هوية ثقافية، نوع احتمال لما لابد منه من الاختلاف بين الناس، ومعيار هذا الاحتمال الواجب أن ينزل كل طرف عن بعض حقه، الواجب له، رعاية لمرضاة أخيه في الوطن.

وفرق ما بين ذلك وما بين العيش المشترك الذي يضم المختلفين دينًا أو ملة أو طائفة أو أصلا عرقيًا أو هوية ثقافية ويعيشون في مناطق مختلفة من العالم، أن معيار التعامل في العيش المشترك هو الحقوق وحدها، تُطلب وتُؤدى على ما توجبه العقود أو الاتفاقات أو القوانين.

في العيش الواحد ليس بين الناس كرامات، وإنما بينهم أخوة وتعاون، ينزل هذا عن بعض ما يريد ويترك ذاك بعض ما يستحق، لأن الناس في العيش الواحد عائلة واحدة يحمل بعضها بعضًا، ويعين بعضها بعضًا، وينصر بعضها بعضًا. لكن في العيش المشترك يتقاسم الناس خيرات الأرض، وما خلق الله لهم فيها مما يسعهم جميعًا، فإذا زاحم أحدهم الآخر في حقه أو ملكه أو سيادته لم يقبل ذلك منه.

في العيش الواحد علاقات مودة وأخوة مصدرها قول الله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين} [الممتحنة:8].

وفي العيش المشترك واجبات تؤدى وحقوق تُستأدى معيارها قول الله تبارك وتعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} [البقرة:29]، وقوله تعالى: {الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعًا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الجاثية: 12-13].

* * * * *

• والذي ندعو إليه إخواننا المسلمين والأقباط جميعًا هو إدراك هذه الحقيقة الأزلية: أننا للعيش على أرض هذا الوطن الواحد خلقنا.

• وأن أحدًا منا لن يستطيع أن ينفي الآخر مهما كان له من القوة، أو ظن بنفسه من البأس، أو استشعر من مناصريه التصميم على ما يحرضونه عليه، أو يدفعونه إليه، أو يستحسنونه من قوله وفعله.

• والدين الحق حائل بين صاحبه وبين العدوان على غيره.

• والإمساك عن العدوان باللسان واجب كالإمساك عن العدوان بالسنان.

• والعود إلى داعي العقل أحمد.

• والعمل بموجب الرشد أسَدُّ.

• ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، ومن أوفى بعهده فله الحسنيان، في الأولى والآخرة.

والله من وراء القصد.

الجمعة، 5 مارس 2010

المرأة والولاية العامة وولاية القضاء


د. حياة بنت سعيد با أخضر*
 
الحمد لله رب العالمين الذي خلقنا على نعمة الإسلام والحب فيه ولأجله، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
لقد كثرت المقالات واللقاءات حول موضوع المرأة والدفاع عن قضاياها في أشكال عدة ومن الجنسين، وكل يدلي بدلوه ويطرح ما في جعبته من معلومات تتضارب أحياناً وتتشعب حتى تصل إلى حد التعصب الممقوت، والذي يدفع بصاحبه إلى المراء والرغبة في الانتصار للذات بليّ أعناق الأدلة واستدلالات العلماء، مما أوجد مناخاً خصباً لتفتيت الجهود وصرف الهمم عن الأَوْلى في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التمسك بديننا بقوة في الوقت الذي نرى أعداءنا مستمسكين بدينهم في حربنا فأشعلوا همم شعوبهم شيباً وشباباً بأرواحهم وأموالهم.
وكامرأة مسلمة تعتز دائماً وأبداً بخصائصها التي ميزها الخالق الحكيم بها عن باقي نساء العالمين خاصة وعن الرجال عامة، وإنني كامرأة مسلمة تفتخر بأنها ولدت وتربت وتنتسب لهذه البلاد المباركة مهبط الوحي والموطن الذي احتضن السلفية ومجددها، ووقف حكامها دائماً معه ومع علماء هذه الدعوة المباركة والمنهج الصحيح، أكتب هذه الورقات لا أخص بها أحداً بعينه بل أبتغي بها أن تقف على الحق الذي يسعى إليه الجميع من خلال قضية المرأة التي أنا وغيري من الغيورات على الدين أولى من يطرحها مع تقديري التام لكل علمائنا ودعاتنا الأفاضل الذين نافحوا وما زالوا عن المرأة المسلمة التي يريدها الله تعالى ورسوله –صلى الله عليه وسلم- وأتمنى ممن سيقرأ ورقاتي أن يعلم بل يتيقن أنني أقف من المسلم المخالف موقف الائتلاف الواجب بين المسلمين وأدعو الله له ولنفسي ولكافة المسلمين أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن من أسس مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يُخطَّئون ولا يُكفَّرون، ويرحمون المخطئ ولا يستخفون أو يشتمون به.
وسأجعل كلامي مرتباً على تمهيد ومقدمة وتفصيل، فأقول وبالله التوفيق:
أولاًالتمهيد: من المعلوم بداهة لدى كل المتابعين لأحداث العالم من حولنا أن هناك قضيتين أساسيتين هما قطبا الرحى التي يدور حولها أعداؤنا لتجفيف منابع الإسلام وإبقائه صورة لا حقيقة لها في واقع الحياة
وهما: دعوى القضاء على الإرهاب، ومن خلاله يتم تمييع المناهج والمؤسسات الدعوية والثوابت الدينية.
 والقضية الثانيةالمرأة، وقد انتهوا تقريباً من جميع النساء المسلمات، وبقيت نساء بلادنا الطاهرة، فطفقوا يشعلون حولها نيران وأبواق دعاوى سابقة أشعلت من قبل في ديار مسلمة فأحالت نساءها رماداً احترق من شدة احتكاكه بشياطين الإنس والجن، إنها دعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فهم يرددون ذات الدعاوى التي طرحها الغربيون على قاسم أمين وأمثاله، والتي ترجموها إلى لغات عدة من رفع الظلم عن المرأة وأنها مهضومة الحقوق مغيبة عن التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، ومناقشة قضايا شرعية حُسمت من قبل كبار العلماء وجمهورهم على مر العصور الإسلامية كوجوب تغطية الوجه وعدم سفر المرأة إلا بمحرم وحرمة الاختلاط بين الجنسين... وغيرها من القضايا.
وها نحن نقرأ ونسمع من يدعو وبقوة لفتح باب الفتن والرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول:
((تعوذوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن)).
لنقرأ معاً مقاطع من كتابات قاسم أمين ولننظر كيف تطابقت مع كتابات المعاصرين.
يقول في كتابه تحرير المرأة: (هل يظن المصريون أن رجال أوروبا مع أنهم بلغوا من كمال العقل والشعور مبلغاً مكنهم من اكتشاف قوة البخار والكهرباء واستخدامها على ما نشاهده بأعيننا، وأن تلك النفوس التي تخاطر كل يوم بحياتها في طلب العلم والمعاني، وتفضل الشرف على لذة الحياة هل يظنون أن تلك العقول وتلك النفوس التي نعجب بآثارها يمكن أن يغيب عنها معرفة الوسائل لصيانة المرأة وحفظ عفتها؟ هل يظنون أن أولئك القوم يتركون الحجاب بعد تمكنه عندهم لو رأوا خيراً؟ كلا، وإنما الإفراط في الحجاب من الوسائل التي تبادر عقول السذج، وتركن إليها نفوسهم، ولكنها يمجها كل عقل مهذب وكل شعور رقيق... متى ما تهذّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل عرف أن الحجاب إعدام لشخصها فلا تسمح له نفسه بعد ذلك أن يرتكب هذه الجريمة توسلاً إلى راحة بال واطمئنان قلب).
ويقول في كتابه المرأة الجديدة: (لو لم يكن في الحجاب عيب إلا أنه مناف للحرية الإنسانية لكفى وحده في مقته، وفي أنه ينفر منه كل طبع غرز فيه الميل إلى احترام الحقوق والشعور بلذة الحرية، ولكن الضرر الأعظم للحجاب -فوق ما سبق- هو أنه يحول بين المرأة واستكمال تربيتها).
ويقول في موضع آخر من كتابه: (أما الحجاب فضرره أنه يحرم المرأة من حريتها الفطرية"،ويقول: "بلغ من أمر احترام الرجل الغربي لحرية المرأة أن بنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن أو مع خادمة، ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى آخر، ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما... أول جيل تظهر فيه حرية المرأة تكثر الشكوى منها، ويظن الناس أن بلاء عظيماً قد حل بهم؛ لأن المرأة تكون في دور التمرين على الحرية ثم مع مرور الزمن تتعود المرأة على استعمال حريتها وتشعر بواجباتها شيئاً فشيئاً وترقى ملكاتها العقلية والأدبية وكلما ظهر عيب في أخلاقها يداوى بالتربية حتى تصير إنساناً شاعراً بنفسه)، بل يقول: (بل الكل متفقون على أن حجاب النساء هو سبب انحطاط الشرق، وأن عدم الحجاب هو السر في تقدم الغرب... توجد وسيلة تخرجكم من الحالة السيئة التي تشتكون منها، وتصعد بكم إلى أعلى مراتب المدن كما تشتهون وفوق ما تشتهون ألا وهي تحرير نسائكم من قيود الجهل والحجاب).
 ويقول في مسألة تربية المرأة: (لا تجد من الصواب أن تنقص تربية المرأة عن تربية الرجل أما من جهة التربية الجسمية فلأن المرأة محتاجة إلى الصحة كالرجل، فيجب أن تتعود على الرياضة كما تفعل النساء الغربيات اللائي يشاركن أقاربهن الرجال في أغلب الرياضات البدنية، ويلزم أن تعتاد على ذلك من أول نشأتها وتستمر عليه من غير انقطاع، وإلا ضعفت صحتها وصارت عرضة للأمراض). [ثم نجده وبعد عدة أسطر يناقض نفسه لما يذكر تميز المرأة الريفية على المرأة المدنية، لأن المرأة الريفية متعودة على العمل البدني وتتعرض لأشعة الشمس والهواء النقي إذن لا دخل للرياضة في تفوقها].
ونجده يواصل حربه على دين الله –تعالى- فيقول عن أساليب تربية المرأة التي يلزم اتخاذها للمرأة: "ولابد هنا من استلفات النظر إلى وجوب الاعتناء بتربية الذوق عند المرأة وتنمية الميل في نفسها إلى الفنون الجميلة، وإني على يقين من أغلب القراء لا يستحسنون أن تتعلم بناتهم الموسيقى والرسم؛ لأن منهم من يعدها من الملاهي التي تنافي الحشمة والوقار، أو أنها لا فائدة منها، وقد ترتب على هذا الوهم الفاسد انحطاط درجة هذه الفنون في بلادنا إلى حد يأسف عليه كل من عرف مالها من الفائدة في ترقية أحوال الأمم".
هذا ما قاله كبيرهم الذي علمهم السحر، وهو قول متناقض متهافت لدى كل ذي بصيرة ولا أدل على ذلك من منعه زوجته من ممارسة كل ما سبق.
هذا هو كلام من ينفخ في نار هذه الفتن صباح مساء، بدلاً من إيضاح الضوابط الشرعية للرجال، وإقامة العقوبات الربانية على المقصرين منهم. والكلام في هذا يطول ولكن أختم هذا التمهيد بالدعوة إلى التبصر عامة والفقه لواقعنا والعلم التام بما يدور في العلن من خطط لسحق ثوابتنا نحو المرأة، والتي منها الحجاب الصحيح الذي ارتضته أمهات المؤمنين والصحابيات القائم على الفقه الحقيقي لنصوصه الصحيحة، ولو سمعتم مدى الغبطة التي تشعرها الطالبات الوافدات بجامعة أم القرى نحو النعم التي امتن الكريم –سبحانه- بها علينا والتي منها نعمة يسر الالتزام بالحجاب الصحيح بدون أي عقبات لتمسكت نساؤنا بحجابهن ودينهن.
إننا أمام ملامح حرب جديدة على المرأة المسلمة لتفكيك البنية الأساسية للمجتمع، فالمرأة هي نصف المجتمع وتلد وتربي النصف الآخر، فهي للمجتمع كله بل هو مخطط لتدمير الأسرة عامة والمسلمة على وجه الخصوص، من خلال ادعاء حقوق المرأة والطفل وحتمية الصراع بين الرجل والمرأة، وكم من المصائب ترتكب باسمك يا حقوق المرأة!
ثانياً: المقدمة: وسأتناول فيها موضوعين:
الموضوع الأول: التعالم:
يقول الإمام الشافعي –رحمه الله-: "فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة -إن شاء الله- .
وقال ابن عبد البر –رحمه الله- (لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف).
والمتعالم إنما هو ضعف ظاهر ودعوى عريضة؛ لأن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، وإذا كثر الملاحون غرقت السفينة، والحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان، فإن التعالم في الفتوى هي القاصمة لقوة الدين، ومن أفسدها تفسير كتاب الله وشرح السنة بلا زاد الفقه بأقوال الصحابة واللغة العربية وقواعد العلم بالصحيح من الضعيف، وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة لدى الحاذقين بهذه العلوم، قال ابن القيم –رحمه الله- قال بعض العلماء: (قل من يتجاسر على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أمره) ودخل رجل على ربيعة –رحمه الله- فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ وارتاع لبكائه، فقال: (لا ولكن استفتي من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم)، وقال: (ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالحبس من السراق) فكيف لو رأى ربيعة زماننا وتجرؤ الكثيرين على الفتيا بغير علم من الرجال والنساء، حتى تبارت الصحف والقنوات في عرض صنائع المتعالمين ويكفينا قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا".
وخلاصة القول: إن التعالم هو عتبة الدخول على القول على الله تعالى بلا علم، والقول على الله تعالى بلا علم هو أصل الشرك والكفران، وأساس البدع والعصيان، وما هو أغلظ منها ومن جميع الفواحش والآثام والبغي والعدوان، والدليل قوله تعالى في سورة الأعراف "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" يقول ابن قيم الجوزية –رحمه الله- في التعليق على الآية في كتابه: أعلام الموقعين (ج1ص31).
فرتب الله تعالى المحرمات على أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه.
الموضوع الثاني: تتبع زلات العلماء وإظهارها على أنها أصل مذهبهم ومعتمده، وترك باقي علمهم مع عدم التحقق من نسبة هذه الأقوال لهم، أو فهمها على الوجه الذي أرادوه من هوادم الدين، فقد قال –صلى الله عليه وسلم- "أخاف على أمتي ثلاثاً: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر" ورحم الله الإمام الصنعاني لما قال: "وليس لأحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب"، وقال أبو هلال العسكري: "ولا يضع من العالم الذي برع في علمه زلة إن كان على سبيل السهو والإغفال، فإنه لم يعف من الخطأ إلا من عصمه الله جل ذكره، وليتنا أدركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم".
ثالثاً: التفصيل: في قضية ولاية المرأة للولاية العامة أو القضاء، فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المناداة بأن للمرأة حقوقاً سياسية يعني أنها حُرمت منها وأخذت ظلماً وأن ذلك الظلم عليها مطرد منذ عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- فداه أبي وأمي وحاشاه عن الظلم –والصحابة –رضي الله عنهم- حاشاهم ذلك- ومن جاء بعدهم، حيث لم تتقلد المرأة أي منصب قيادي في كل الأزمنة الماضية، فهل يقول عاقل بذلك، وهل أهل هذا العصر من المسلمين وغيرهم أكثر عدلاً وإنصافاً ممن سبقهم؟ فلا يجوز بالتالي تأثيم الأمة بأنها مقصرة في حق المرأة.
ثانياً: حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- صحيح البخاري (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ففي هذا الحديث ورد لفظ (قوم) و(امرأة) بصيغة العموم؛ ليدخل فيهما كل قوم ولو أمرهم امرأة، فهو عام يشمل كل الأقوام. ولم يثبت قط أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولى امرأة واحدة في أي ولاية، ولا أمر بأن تولى أي ولاية ولو في مستقبل الزمان.
ثالثاً: إذا كنتم تريدون إخراج المرأة لتعمل رئيسة دولة وقاضية وسائقة للسيارة ومهندسة وفي كل مجالات الرجل، فماذا بقي للرجال ليقوموا به وليحققوا القوامة الفطرية على نسائهم؟ أو ماذا بقي لنا معشر النساء من حقيقتنا الفطرية؟ فنحن نتحمل الحمل والولادة والرضاعة والاهتمام بشئون الأسرة، فإذا كنا سنخرج لكل الأعمال فمن سيرعى شئون المنزل؟ الرجال أم الخادمات؟!
رابعاًلا يصح القياس على حال النساء غير المتزوجات بأنهن لا مسؤوليات لديهن كالمتزوجات؛لأن هذا قياس على غير الأصل، ثم إن المسلمة غير المتزوجة مأمورة بالقرار في بيتها وبالعناية بوالديها إن كانا على قيد الحياة، أو الانشغال بطلب العلم النافع من قرآن وتفسير وحديث وفقه وتوحيد وسيرة، أو القيام على شئون الأيتام والأرامل في مدينتها في حدود استطاعتها بدون أن تكلف نفسها ما لا تطيق.
خامساً: دلت الإحصائيات على أن عدد النساء اللاتي تمكن من شغل منصب الولاية العامة كالرئاسة والمحافظة والنيابة العامة وقيادة الشرطة والمصانع والشركات في المجتمعات التي تمنح لهن هذا الحق وتضعهن على قدم المساواة مع الرجال يبدو ضئيلاً مقارنة بالرجال مع أن النسبة السكانية للنساء أكثر من الرجال فتكاد النسبة لا تزيد عن 1%، أما في الوزراء والمحافظين فلا تزيد على 5%، ورواتب النساء العاملات في هذه الدول أقل من رواتب الرجال، ولا يمكن أن نعزو هذا إلى القوانين والتربية، فإن القوانين والتربية في تلك البلاد لا تقيم اعتباراً لاختلاف الجنسين إنما يرجع السبب إلى الاختلاف الفطري بين الرجال والنساء والذي يتجاهله الكثير اتباعاً للأهواء أو مكابرة للفطرة التي أرغمتهم على التسليم بحقائقها ثم حتى النساء اللاتي تقلدن الحكم فإن حكمهن صوري فهن يملكن ولا يحكمن بل إن بعضهن وفي أثناء حكمها ظهر ضعفها الأنثوي الفطري لما ضاع ولدها في صحراء الجزائر أخذت تبكي، وأوقفت عملها لحين العثور عليه، والأخرى رئيسة الدولة لما تم القضاء على الانقلاب العسكري عليها خرجت من تحت السرير وأول ما طلبته إصلاح هندامها وشعرها لتظهر أمام الصحفيين، وهذا كله أوردته وسائل الإعلام.
سادساً: لا ينبغي طلب ولاية القضاء لما في ذلك من الخطر العظيم من أن يخطئ القاضي في الحكم فيكون في النار –نعوذ بالله- فقد ورد في الحديث: "القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة" فإذا كان هذا حال القضاء فلماذا نقاتل للحصول عليه ألا تكفينا ذنوبنا؟
سابعاً الرد على شبهاتهم:
(1) النقل غير الصحيح لأقوال العلماء، يقول الشيخ الجليل بكر أبو زيد –شفاه الله- في كتابه القيم (التعالم): كما يُزجر عن الفتوى بالشاذ فكذلك يُزجر عن الأقاويل المغلوطة على الأئمة لعدم صحة النقل أو انقلاب الفهم، ومن أمثلة ذلك:
* شهرة النسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة –رحمه الله تعالى- من القول بجواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود، وهذا غلط عليه في مذهبه وصحة قوله: أن الإمام إذا ولى المرأة القضاء أثم ونفذ قضاؤها إلا في الحدود والقصاص فأصل التولية عنده المنع.
وقوله هذا إنما قيل على باب الافتراض والنظرية، وما أكثر ذلك في كتب الفقه ولم تطبق على أرض الواقع أبداً لا في عهد من سبقهم من العهود الزاهرة ولا في عهد المؤلف أو من جاء بعده.
وتفصيل مذهب الأحناف أنهم انقسموا في هذه المسألة إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء مطلقاً، وإلى هذا ذهب زفر بن الهذيل وهو بذلك يوافق الجمهور.
الفرقة الثانية: ترى أن المرأة يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء فيما تجوز شهادتها فيه وهو ما عدا الحدود والقصاص وإليه ذهب بعض الحنفية.
الفرقة الثالثة: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء وأن الذكورة شرط في القاضي، لكنها إن وليت ممن له السلطة أو حكمها شخصان في نزاع بينهما فحكمت نفذ قضاؤها ضرورة وأثم مُوَلِّيهَا.
وهذا هو المذهب عند الحنفية الذي نصت عليه كتبهم المعتمدة في تأثيم مولي المرأة القضاء ولا إثم إلا بارتكاب المحظور.
 ومما يدل على ذلك أن قاضي القضاء في أكثر العصور حنفياً، وكان إليه تقليد القضاة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية، ولم يؤثر عنه أنه قلد امرأة قط منصب القضاء.
* أما ما نقل عن ابن جرير الطبري في جواز تولي المرأة القضاء فموضوع، ولم يصح ذلك عنه خاصة، ولم يرو ذلك عنه بسند من الأسانيد، ومذهب الطبري مندثر لم يكتب له البقاء ولم يدونه عنه تلاميذه، وفي تفسيره المتواجد بين أيدينا لم نجد قوله المنسوب إليه كما أن كتبه في الفقه لم يُعثر عليها.
1- يقول المفسر الإمام ابن العربي –468-543 في تفسيره (أحكام القرآن م/3/ص/1457) [ونقل عن محمد بن جرير الطبري وإمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة، قاضية ولم يصح ذلك عنه، ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه المرأة وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة في الحكم إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة، بدليل قوله –صلى الله عليه وسلم- "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير.
2- جزم بعدم صحة ذلك لابن جرير الطبري المفسر القرطبي –رحمه الله- حيث قال: ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح عنه ذلك.
3- إن صاحب الرأي دائماً ينافح عنه ويقدم عليه الأدلة كلما ناسبته الفرصة لذلك، وقد ناسب ذلك ابن جرير –رحمه الله- العديد من الفرص سواء في تفسيره أو في تاريخه لما تكلم عن قصة سليمان –عليه السلام- وعن توليه ابنة كسرى لما مات أبوها ولما ذكر حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ورغم ذلك لم يشر لولاية المرأة للقضاء أو عدمها كما هي عادة العلماء.
وخلاصة ما سبق أن الخلاف بين الفقهاء حول تولية المرأة القضاء لم يتعد مجرد إبداء الرأي، فلم يرشدنا تاريخ القضاء الإسلامي من عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى نهاية الخلافة العثمانية أن المرأة تقلدت ولاية.
(2) الاعتماد على قصة تعيين عمر –رضي الله عنه- للشفاء –رضي الله عنها- محتسبة في السوق:
1- ابن حزم –رحمه الله- لما ذكر الرواية في كتابه المحلى لم يسندها على خلاف صنيعه وذكرها بصيغه التمريض (رُوي) وهذا يدل على عدم صحتها، ثم إنه من العجب أن يستدل ابن حزم بفعل عمر –رضي الله عنه- مع أنه ينفي حجية رأي الصحابي، وأعجب من هذا أنه يستأنس بقول أبي حنيفة مع أنه أوسعه في غير هذا الموضع تشنيعاً وتجريحاً، والأعجب أنه يرى أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها، ثم يرى جواز تقليدها القضاء لتزوج غيرها بمقتضى ولاية القضاء.
انظر الاختصاص القضائي د. ناصر الغامدي.
2- يقول ابن العربي –رحمه الله- وقد رُوي أن عمر –رضي الله عنه- قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه فإنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث.
3- الأثر المروي عن الشفاء –رضي الله عنها- ذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر وابن عبد البر في الاستيعاب وتبعه ابن حجر في الإصابة كلهم بدون إسناد ولا عزو لأحد ولم يذكره ابن سعد في ترجمتها ولا ابن الأثير في أسد الغابة ولا الطبراني في المعجم الكبير، كما أنه ورد بصيغة التمريض كما أسلفت (رُوي).
4- لا تقبل هذه الرواية لأن عمر –رضي الله عنه- المعروف بغيرته على الإسلام والمسلمين وخاصة النساء، فكيف يولي امرأة ولاية تدعوها إلى الاختلاط مع الرجال ومزاحمتهم.
(3) الاحتجاج بقصة بلقيس ملكة سبأ، والرد على ذلك بالآتي:
1- أن الهدهد وهو طير استنكر من شأنها وقومها أمرين عظيمين: كون امرأة تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله؛ ولذلك عمل سليمان –عليه السلام- على إزالة هذين المنكرين العظيمين جميعاً، ولو كان متولي أمرهم رجلاً لأمرهم بالإسلام فقط وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته وشريعة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- وسليمان –عليه السلام- لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ملكة على قومها؛ لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه لذلك دعاها وقومها إلى الإسلام وأن تأتي بنفسها مع قومها متجردة من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها، ولما علم بإعلام الله تعالى له بأنهم سيأتون إليه مسلمين نقل عرشها إليه لينهي وجود هذا المنكر، ولو لم يكن هذا منكراً لما حل له أن يأخذ عرشها غنيمة وهي مسلمة، كيف والغنائم لم تحل إلا لأمة محمد –صلى الله عليه وسلم-.
2- هل كان في القرآن إقرار لتملكها وترؤسها؟ لا بل إن هدهداً مؤمناً مع سليمان –عليه السلام- استنكر ملكها على قومها قبل أن يستنكر كفرها وسجودها للشمس، فقال لسليمان –عليه السلام- "وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون" (النمل:22-24) فالعجب أن يتخذ هذا الدليل الصريح من القرآن على منع المرأة من الولاية العامة دليلاً عند المعاصرين على جواز أن تكون المرأة ملكة وأن تولى ولاية عامة.
3- كيف نتخذ من شرائع الكفار دليلاً في ديننا الخاتم؟! وهذا السؤال موجه لمن اتخذ من حكم بلقيس -وهي على الكفر- دليلاً ولم يتخذ من فعلها بعد إسلامها وهو ترك الحكم دليلاً.
(4) الاستدلال بخروج أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- في موقعة الجمل: وبيان ذلك:
1- نقول لهؤلاء هل اقتديتم بأم المؤمنين في حجابها وحرصها على طلب العلم والعمل بالإسلام في كل حياتها والبعد عن مواطن الرجال وهي أمهم التي لا يحل لهم الزواج بها أبداً؟ فقد ورد في صحيح البخاري –رحمه الله- كتاب الحج أنها كانت –رضي الله عنها- تطوف معتزلة عن الرجال فدعتها امرأة إلى استلام الركن فأبت.
بل هي زجرت بشدة مولاة لها لما أخبرتها أنها استلمت الحجر الأسود مرتين أو ثلاثاً أثناء الطواف، فقالت لها: لا آجرك الله، لا آجرك الله، أتدافعين الرجال ألا كبرت ومررت؟ بل هي –رضي الله عنها- من أنكرت على المرأة التي تشبهت بالرجال بلبسها النعلين، فقالت: لعن رسول الله الرَّجلة من النساء.
فبعد كل هذا الإنكار يقول من يقول: إنها –رضي الله عنها- قد خرجت في أمور سياسية تؤدي إلى اختلاطها بالرجال؟!
2- أن عائشة –رضي الله عنها- لم تخرج ملكة ولا أميرة ولا متولية شئون هذه الجماعة وكان هؤلاء الصحابة قد بايعوا علياً –رضي الله عنه- بالخلافة، ولم يدعُ إلى خلافة أو ولاية غير ولاية أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه- وقد عمد الزبير وطلحة –رضي الله عنهما- إلى إخراج أم المؤمنين –رضي الله عنها- لعله أن يسمع لها الناس، فهي أمهم والتي توفي عنها الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنها، بل هي أحب الناس إليه فقد توفي ورأسه الشريفة بين حجرها ونحرها، وقد ظنا –رضي الله عنهما- أن الجميع سيسمع كلامهما وتجتمع الأمة ولا تتفرق، فقد كانت كما وصفها علي –رضي الله عنه- [أطوع الناس في الناس] ولكن كان ما لم يكن في الحسبان، وهو إشعال قتلة عثمان الحرب بين الفريقين حتى لا يصطلحا على قتلهم، فإذن لم يكن خروجها –رضي الله عنها- قط متولية شئون المسلمين، وإنما كان خروجها معنوياً لمنزلتها ومكانتها بين الجميع، ثم هي قد ندمت على خروجها.
(5) الاستدلال بشجرة الدر وغيرها من النساء
1- هذا من أقبح الأدلة؛ فإن الحجة الشرعية في كتاب الله تعالى وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- الصحيحة وفعل الصحابة والخلفاء الراشدين –رضي الله عنهم- وإجماع الأمة، وليس الاستدلال بالأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة.
2- أما أروى الصليحية فهي من أتباع المذهب الباطني الفاطمي، وزوجها قد كان في الأصل سنياً ثم تشيع على يد أحد أتباع الدولة الفاطمية التي كانت تسيطر على مصر وغيرها، فكيف تكون قدوة هي أو غيرها؟!
3- أما شجرة الدر أم خليل التركية فقصتها معلومة، فهي في الأصل كانت مملوكة محظية للملك الصالح نجم الدين أيوب –رحمه الله تعالى- وكانت لا تفارقه سفراً ولا حضراً من شدة محبته لها، ومات ولدها منه وهو صغير، وبعد مقتل ابنه توران شاه على أيدي المماليك بعد شهرين من توليه الحكم تولت الديار المصرية مدة ثلاثة أشهر، فكان يخطب لها وتضرب السكة باسمها، وقد تزوجت عز الدين التركماني وصار هو الملك، ولما علمت أنه يريد الزواج عليها بابنة صاحب الموصل أمرت جواريها أن يمسكنه لها فما زالت تضربه بقباقيبها والجواري يعركن في بطنه حتى مات وهو كذلك، ولما سمع مماليكه أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز فقتلوها وألقوها على مزبلة. انظر البداية والنهاية/م/13/ص/208-209 فامرأة مثل هذه تتخذ قدوة لنا؟!
4- الاعتماد على كتب الأعلام التي تذكر الجميع بدون نقد وتمحيص لا يعد دليلاً، فهذه الكتب لا تحل حراماً أبداً.
(6) الاستدلال بما حدث في مصر وهو تولي المرأة القضاء.
1- والصحيح أنها فقط تولت وظيفة إدارية، ولم تقف على منصة قضاء أو تتولى ذلك بأي صورة.
2- رئاسة المرأة للحكم في مصر مرفوضة باتفاق عقلاء مصر -حرسها الله تعالى- فقد صرح المستشار د. البيومي محمد البيومي نائب رئيس مجلس الدولة بأنه في ضوء المادة الثانية من الدستور القائمة على الإسلام هو الدين الرسمي للدولة فإنه لابد أن يكون المرشح لرئاسة الدولة ذكراً؛ لأن المرأة بإجماع الفقهاء قديمهم وحديثهم لا تصلح للإمامة العظمى قديماً أو رئاسة الدولة حديثاً. وما قلناه ينطبق على منصب نائب رئيس الدولة.
3- القانون المصري يسير على عدم تولي المرأة القضاء [سواء الإداري أو العادي] فهذه المهمة قاصرة على الرجال فقط، كذلك لا تتولى مهمة النيابة العامة؛ لأنها تعتبر من الهيئات القضائية.
انظر تولية المرأة القضاء شرعاً وقانوناً. د. كامل شطيب الرأوي.
(7) الاستدلال ببعض الدول الإسلامية في تولي نسائها رئاسة دولهن ، والرد على ذلك:
1- أن هذه الدول بعضها يعلن صراحة أنها علمانية فلا دين رسمي لها، فكيف نتخذ أمثال هؤلاء قدوة لنا؟ ثم هؤلاء النسوة مخالفات للهدي النبوي، فهل نتبع أهل العصور الحاضرة أم نتبع ما كان عليه الرسول –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؟!
2- لا يجوز الاستدلال بالواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية في زماننا؛ لأن أمر تولية المرأة قد حدث في غياب الإسلام عن واقع المجتمعات وعدم استفتاء العلماء الراسخين في العلم.
3- الفيصل في هذا الأمر الشرعي لا يكون في الإتيان بأمثلة من أناس مخالفين للهدي النبوي.
(8) الاستدلال بأن المرأة يصح أن تكون مفتية وتؤخذ عنها الفتوى:
قضية أن المرأة يصح أن تكون مفتية لا يردها عاقل، وهي تستطيع أن تفعل ذلك وهي في بيتها بدون خروج أو اختلاط بالرجال، وفرق بين الإفتاء وبين الخروج للقضاء الذي يقتضي الاختلاط والاستماع للخصوم ووضع مساعدين، والتعرف على ما يحدث في الخارج والسفر وغير ذلك.
والإفتاء ليس من باب الولايات؛ لأنه إخبار عن حكم شرعي ولا إلزام فيه .. أما القضاء فهو إخبار مع إلزام.
ثامناً: السبب في كل هذا التخبط هو الميل إلى ما عند غيرنا من الأمم الأخرى، والتشبه بهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: [إن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تشابها وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد نفسه في نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة يجد نفسه في نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعهم متقاضياً لذلك...
إن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد له الحس والتجربة.... فالمشابهة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي...والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان فمشابهتهم –يقصد اليهود والنصارى- في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة بل في الاعتقادات. ثم يضرب مثالاً من واقع الناس، فيقول: لو اجتمع رجلان في سفر أو في بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو في الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد في أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضا ما يألفون غيرهم حتى أن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة... ثم يقول: فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من المولاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان] كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم تحقيق د. ناصر العقل /1/ص79/488-489.
الخاتمة :
وأختم ما سبق بأقوال للإمام ابن قيم الجوزية –رحمه الله- يقول في كتابه الفوائد: طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيرة إلا بحبسين: حبس قلبه في طلبه ومطلوبه، وحبسه عن الالتفات إلى غيره، وحبس لسانه عما لا يفيد وحبسه عن ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات، فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن إلى أوسع فضاء وأطيبه. ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما إلى قضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا، فكل خارج من الدنيا إما متخلص من الحبس وإما ذاهب إلى الحبس.
وقال: عشرة لا ينتفع بها، وذكر منها: وفكر يجول فيما لا ينفع.
وكما قلت في البداية ما قصدت بكتابتي إلا توضيح الحق الذي نحبه جميعاً، وأوصي نفسي والمسلمين بهذا الدعاء المأثور: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في شرحه لهذا الدعاء: الرسول –صلى الله عليه وسلم- يسأل الله عز وجل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق، وهل نحن نسأل هذا؟ قليل، فيجب علينا ألا نعتد بأنفسنا وألا نغتز بعلومنا، ونسأل الله دائماً أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
كما نوصي أنفسنا بقفل باب الفتن والالتفاف حول علمائنا، وكفانا انشغالا بأمور قد كفلها لنا الشرع الحنيف، ولنلتفت لتنمية مجتمعنا والأخذ بأيدي شبابنا نحو معالي الأمور، ونكون نحن قدوة لغيرنا في التمسك القوي بديننا ذلك التمسك القائم على الأدلة الصحيحة المجمع عليها، فمن شذ فقد شذ في النار.
ــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى



السبت، 16 يناير 2010

الشريعة الإسلامية





الشريعة الإسلامية - بقلم أبو العلا ماضي
جرى في الفترة الأخيرة ومازال جدل كبير حول "الشريعة الإسلامية" ، ساهم فيه كثير من الناس ولكن المتجادلون أنواع فمنهم من دافع بحق عن الشريعة الغراء وكيفية فهمها وتطبيقها في حياة الناس باجتهاد يناسب العصر ، ومنهم من دافع عنها بفهم ضيق الأفق ويرفض الاجتهاد ، والفريق الثالث وهو الذي يعنينا في هذا المقال من هاجم "الشريعة" أو انتقدها أو طالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري الدائم التي تنص على أن ( دين الدولة الرسمي هو الإسلام ولغتها هي اللغة العربية ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ) ، وأغلب المنادين بإلغاء هذه المادة أو تعديلها بطريقة فيها قدر من السذاجة أكثر ما فيها من الجدية يحملون شعوراً معادياً للدين وخاصة الإسلام ولشريعته أكثر مما يحملون من قلق موضوعي من بعض تطبيقات للشريعة الإسلامية في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي ، ولذلك كان نقدهم للشريعة ومطالبتهم بإلغاء هذا النص مستفز للأغلبية الكاسحة من المصريين المسلمين ولكل العقلاء في هذا الوطن ، والمادة الثانية في الدستور تعني بثلاث قضايا وهي دين الدولة وهو الإسلام ، ولغتها الرسمية وهي العربية ، والشريعة المصدر الرئيسي للتشريع.
دين الدولة الإسلام
ولنبدأ بدين الدولة وهو الإسلام لقد كان دين الدولة ونظامها مستمد من الإسلام منذ الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص وبعد التحول السلمي لغالبية المصريين من المسيحية إلى الإسلام برضاء تام ، وظل الأمر على ما هو عليه دون كتابة دستور حيث لم يوجد دستور وحتى ومصر تحت الاحتلال الإنجليزي كان الإسلام هو محور الدولة والمجتمع حتى كتابة أول دستور في العصر الحديث وهو دستور عام 1923 ، الذي صاغته لجنة من المسلمين والمسيحيين وكان منصوص فيه على دين الدولة هو الإسلام ، والحقيقة أن هذا النص موجود بشكل مباشر وبأشكال غير مباشرة في دساتير الدنيا ومنها دول في أوربا الغربية يُشار إليها كنموذج في الحضارة والديمقراطية تنص على ديانة الدولة ، ويكفي كمثال ما ورد في دراسة الدكتور/ خالد القاضي رئيس المحكمة والمنشورة في أهرام الجمعة 23 فبراير 2007 وهذا نصه "فنجد على سبيل المثال في المادة رقم (1) من دستور اليونان: (المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية) ، وفي المادة رقم (47) ( كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية )، أما دستور الدنمارك فينص في المادة رقم (1) بند (5) (على أن يكون الملك من أتباع الكنيسة

الإنجيلية اللوثرية) وفي المادة (1) بند (3) (أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدنمارك) بينما تنص المادة (9) من الدستور الأسباني على أنه ( يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية) وفي المادة (6) (على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها) ، وفي الدستور السويدي المادة (4) (يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص ) ، كما ينص على ذلك بالنسبة لأعضاء المجلس الوطني ، وبالنسبة لانجلترا نجد في المادة (3) من قانون التسوية ( على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا ، ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستانتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات " أنتهى الاقتباس للدكتور خالد القاضي ، فلقد وجدنا في الأمثلة السابقة نص على دين الدولة بل ومذهبها الديني وكلها أمثلة مسيحية سواء أرثوذكسية أو كاثوليكية أو برتستانتية ، وهناك دول أخرى تنص على دينها ولن نضرب المثل بإسرائيل كدولة دينية ولكن مملكة نيبال هناك في الشرق تنص على أن البوذية هي دين الدولة فلهذا في بلد كمصر تاريخياً منذ الفتح الإسلامي وحتى الآن لا توجد مبرر للنقاش حول دين الدولة بكل المعايير.
اللغة العربية هي اللغة الرسمية :
وكذلك الجزء الخاص باللغة العربية فمنذ دخول العرب مع الإسلام إلى مصر تحول اللسان المصري إلى العربية وأتقنها وظهر بلغاء للعربية من مصر وصارت مصر جزء لا يتجزأ بل والقلب للوطن العربي الكبير ، واللسان العربي هو لسان القرآن والقرآن الدستور المعبر عن الإسلام فتلازم الجميع للتعبير عن الكل ، وأيضاً لم ينازع أحد قديماً منذ الفتح الإسلامي ولا حديثاً حول اللغة العربية كونها هي اللغة الرسمية.
مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع :
هذه هي الجزئية الثالثة من نص المادة الثانية من الدستور ، وهذه المادة كُتبت بهذا النص بغير حروف التعريف (ال) في دستور عام 1971 ، ثم عدلها الرئيس السادات في مايو عام 1981 ليضيف لها حروف "ال" ، فقد كانت "مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع" فجعلها بعد التعديل "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" ، ولقد كانت مصر تحكم وتنظم قوانينها من الشريعة الإسلامية الغراء طوال قرون من غير نص حيث لم تكن هناك نصوص دستورية كما هو الحال بالنسبة لدين الدولة الرسمي وهو الإسلام والذي كُتب كما ذكرت في دستور عام 1923 ، الذي صاغته لجنة من ثلاثين عضواً منهم حوالي

20 % أقباط وواحد يهودي وأغلب المسلمين لم يكونوا ممن يمكن وصفهم الآن بالتيار الإسلامي السياسي كما ذكر المؤرخ العظيم المستشار طارق البشري في مقاله حول هذا

الموضوع في أهرام الأربعاء الماضي 28 فبراير 2007 ، وكون دين الدولة الرسمي الإسلام يتضمن كون الشريعة الإسلامية مصدراً "التشريع" كما ذكر المستشار طارق البشري في مقال الخميس 1/3/2007 في الأهرام حول نفس الموضوع حيث قال نصاً "معنى أن يكون دين الدولة الرسمي أن تكون مرجعيتها الفكرية إسلامية ، وأن تكون هذه المرجعية إنما تترجح من داخلها الأراء والاجتهادات كما أورده الدستور من مبادئ أخرى تتعلق بالمساواة والحقوق والحريات ، وذلك كله في إطار ما تسميه المرجعية الشرعية ، وما تتقبله بأي من وجوه الاجتهاد والفقه المعتبر مما يلائم أوضاع الزمان والمكان وتغير المصالح العامة للأمة . ومعناه أيضاً أن يكون النظام العام الذي تشير إليه القوانين مشمولاً بهذه المبادئ والقيم وما تتوافق عليه الجماعة . وسنلاحظ تاريخياً أن النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، إنما يتضمن إقرار اً بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع ، ومصدرية التشريع تعني مرجعيته وتشير إلى المورد الذي تستقى منها الأحكام ، لأن دين الهيئة إنما يعني مصدريتها ، وإلا كان النص لغواً " انتهى نص المستشار طارق البشري ، وهو يقصد بتعبير دين الهيئة أنه دين الدولة وكان قد رد في المقال الأول على الذين يقولون كيف يكون للدولة وهي شخص معنوي دين وأثبت أن لها دين وهوية ، وقد نقلنا نحن في بداية هذا المقال عن أن دولاً عدة مسيحية في أوربا تنص على دين الدولة ، بل على مذهبها المسيحي فالأمر ليس بدعاً في عالم الدول المتحضرة !!
السؤال المحير لماذا هذه الحملة الآن على المادة الثانية للدستور وخاصة الجزء الخاص بالشريعة الإسلامية ، لماذا صمت كل هؤلاء هذه السنين إن كان هناك مشكلة تثير حفيظتهم ، وما هي هذه المشكلة ؟ وهل استجدت هذه المشاكل بعد كل هذه السنين أو قل القرون إن شئت !!!
هل الأمر يتعلق بشعور عند البعض أن هناك ضغط أوربي وأمريكي للتدخل في ثقافتنا وهويتنا، والدولة في حالة ضعف ، فظنوا أن الوقت مناسب لطمس هوية هذه الأمة واستفزاز مشاعرها ، وإظهار العداء غير المبرر للإسلام كهوية للدولة المصرية وللشريعة كمصدر كان وظل وسيظل بإذن الله مصدراً للتشريع ؟ وكم حجم هؤلاء في الشعب المصري؟ أليس عجيباً أن مسئولي الدولة المصرية رغم سوء تصرفهم في مواد كثيرة من الدستور

يرفضون بشدة المساس بهذه المادة ؟ بالطبع بحكم قرون استشعار الدولة للخطر هم يعلمون أن هذا الأمر هو لعب بالنار ، وقد يلهب فتنة تقضي على الأخضر واليابس.
ولعل تصريح رمز من الكتاب الذي احترمه وهو الدكتور محمد السيد سعيد بإعادة صياغة المادة الثانية من الدستور لتكون (الشريعة الإسلامية والشريعة المسيحية ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي المصدر الرئيسي للتشريع) أصابني بالدهشة فأنا أظن أن

الدكتور محمد يعلم أنه لا توجد شريعة مسيحية حتى يطالب بوضعها في الدستور ، والأغرب من ذلك تلقف قيادة كنسية كبيرة لهذه المقولة وإعادتها مرة أخرى منسوبة للدكتور محمد السيد سعيد ، فإذا كان د. محمد - وأنا أستبعد ذلك - لا يعرف أنه لا توجد شريعة مسيحية فهل هذه القيادة الكنسية لا تعرف ذلك أيضاً ؟ !! ثم عودة لكلام د. محمد فهو يعلم بيقين حيث أنه نائب مدير مركز لحقوق الإنسان أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة دولية للدول التي تصدق عليها أن تقرها إذا أرادت بقرار من برلمانها أو حكومتها ليكون في أحسن الدرجات قانون ، ويعلم أيضاً أن كل الدول العربية والإسلامية حينما صدقت على هذا الاعلان أضافت عبارة بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، لأن هذا الإعلان به بعض النصوص التي تتعارض مع الشريعة ، وهو يعلم أيضاً أن الترتيب التشريعي لأي دولة يبدأ بالدستور وهو أبو القوانين وأن المواد الأولى من أي دستور هي مبادئ تهيمن حتى على باقي الدستور وأن الدستور كله أعلى من القانون وأن القانون أعلى من اللائحة .... إلخ.
فكيف يريد أن يجعل اتفاقية دولية عليها تحفظ من كل الدول العربية والإسلامية فإن يجعلها ليس فقط في الدستور ولكن في مادته الثانية التي هي بمثابة مبدأ دستوري ، مهيمن على باقي نصوص الدستور وموجهة له .
كنت أفهم لو أن البعض طرح تساؤلات أو تخوفات من مواد محددة تؤدي إلى شكوك في أي موقف سواء كانت من ناحية المواطنة أو التساوي في الحقوق والواجبات ، بين أبناء الوطن جميعاً بغير تفرقة على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو المذهب وحيث أن مادار كله بعيد كل البعد عن ذلك فإن هذه الحملة تثير الشك في نوايا من يقف وراءها ، بالرغم من يقيني بأنهم لن يصلوا إلى شيء ، لكنهم يخسرون الأغلبية الساحقة من الرأي العام المصري .




الجمعة، 20 مارس 2009

الاغتيال الاقتصادى للأمم (اعترافات قرصان اقتصاد )


صدرت (أخيرا) فى أواخر العام الماضى الطبعة العربية للكتاب الرائج عالميا ( confession of an economic hitman ) لمؤلفه جون بيركنز ، ورغم أن النسخة الانجليزية صدرت فى عام 2004 وحققت ضجة عالمية ، الا أن يد الترجمة العربية الصادرة عن دار الطنانى لم تمتد له الا مؤخرا على وقع الأزمة المالية العالمية .

الكتاب لخبير اقتصادى أمريكى عمل فى عدة مؤسسات اقتصادية دولية ، وساهم بتقديم المشورة الاقتصادية لعشرات الدول والمؤسسات ، ويكشف فيه المؤلف عن أسرار خطيرة لحقيقة عمل هذه المؤسسات ودورها لخدمة أهداف ومصالح الدول الكبرى ، ورغم أن كثيرا مما فيه كثيرا ما صرح به بعض خبراء الاقتصاد الوطنيين والمناهضين للعولمة الا أن أهميته تنبع من كونه يأتى من رجل (Insider ) أى ( شهد شاهد من أهلها ) ، مع عرض الكتاب من الجزيرة نت .

( ملحوظة الكتاب متوافر بمكتبة مدبولى )

---------------------------------

الاغتيال الاقتصادي للأمم" .. كتاب هام لجون بيركنز

حين صدر الكتاب الذي بين أيدينا في نسخته الإنجليزية وصفته نيويورك تايمز بالكتاب الأكثر مبيعا، وتسابقت دور النشر العالمية على ترجمته إلى لغاتها، وكان من بين أهم هذه اللغات الفرنسية والألمانية والروسية. وصدرت مؤخرا ترجمة الكتاب إلى العربية في وقت يتناسب مع الرغبة في تفسير أسباب وآثار الأزمة المالية العالمية. مؤلف الكتاب جون بيركنز، وهو خبير اقتصادي دولي جاءت اعترافاته في كتابه (Confessions of an Economic Hit Man)، لتلقي الضوء على ممارسات نخبة رجال الأعمال والسياسة في الولايات المتحدة لبناء إمبراطورية عالمية تسيطر عليها "الكوربورقراطية Corporatocracy" أي سيطرة منظومة الشركات الكبرى على اقتصاد العالم. 

خيوط اللعبة

يقول المؤلف إنه مع الخبراء الاقتصاديين قاموا بتطويع اللغة لتغليف إستراتيجيتهم في النهب الاقتصادي، وذلك باستخدام مفاهيم مثل "الحكم الرشيد وتحرير التجارة وحقوق المستهلك" بحيث لا تصبح السياسات الاقتصادية جيدة إلا من خلال مخططات الشركات الكبرى. وعلى الدول التي تقبل هذه المفاهيم خصخصة الصحة والتعليم وخدمات المياه والكهرباء أي أن تبيعها للشركات الكبرى وهي مضطرة بعد ذلك إلى إلغاء الدعم وجميع القيود التجارية التي تحمي الأعمال الوطنية، بينما عليها القبول باستمرار أميركا وشركائها من الدول الصناعية الكبرى في تقديم الدعم لقطاعات أعمالها وفرض القيود لحماية صناعاتها!.

ولا تريد النخبة الأميركية بالفعل قيام الدول بسداد ديونها، لأن ذلك هو السبيل إلى تحقيق أهدافها بعد ذلك من خلال مفاوضات سياسية واقتصادية وعسكرية، ويفترض بيركنز 
"أن حرية طبع النقد الأميركي دون أي غطاء هي التي تعطي لإستراتيجية النهب الاقتصادي قوتها، لأنها تعني الاستمرار في تقديم قروض بالدولار لن يتم سدادها.
يحدد المؤلف دوره في استخدام المنظمات المالية الدولية لخلق ظروف تؤدي إلى خضوع الدول النامية لهيمنة النخبة الأميركية التي تدير الحكومة والشركات والبنوك. فالخبير يقوم بإعداد الدراسات التي بناء عليها توافق المنظمات المالية على تقديم قروض للدول النامية المستهدفة بغرض تطوير البنية الأساسية وبناء محطات توليد الكهرباء والطرق والموانئ والمطارات والمدن الصناعية، بشرط قيام المكاتب الهندسية وشركات المقاولات الأميركية بتنفيذ هذه المشروعات. 

وفي حقيقة الأمر فإن الأموال بهذه الطريقة لا تغادر الولايات المتحدة حيث تتحول ببساطة من حسابات بنوك واشنطن إلى حسابات شركات في نيويورك أو هيوستن أو سان فرانسيسكو، ورغم أن هذه الأموال تعود بشكل فوري إلى أعضاء في "الكوربورقراطية" فإنه يبقى على الدولة المتلقية سداد أصل القرض والفوائد. أما المثير في اعترافات المؤلف فهو تأكيده بأن مقياس نجاح الخبير يتناسب طرديا مع حجم القرض بحيث يجبر المدين على التعثر بعد بضع سنوات! 
وعندئذ تفرض شروط الدائن التي تتنوع مثل الموافقة على تصويت ما في الأمم المتحدة أو السيطرة على موارد معينة في البلد المدين أو قبول إقامة قاعدة عسكرية على أراضيه. 
يحدد المؤلف نماذج التنبؤ التي يستعين بها الخبير لدراسة تأثير استثمار مليارات الدولارات في بلد ما على النمو الاقتصادي المتوقع لسنوات قادمة ولتقويم المشروعات المقترحة، كاشفا عن خداع الأرقام، فنمو الناتج الإجمالي القومي -على سبيل المثال- قد يكون نتيجة استفادة أقلية من المواطنين النخبة على حساب الأغلبية بحيث يزداد الثري ثراءً ويزداد الفقير فقراً. ورغم ذلك فإنه من الناحية الإحصائية البحتة يعتبر تقدماً اقتصادياً.

وفي هذا المقام يكشف المؤلف عن
 الجانب غير المرئي في خطة القروض والمشروعات، وهي تكوين مجموعة من العائلات الثرية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي داخل الدولة المدينة تشكل امتدادا للنخبة الأميركية ليس بصفة التآمر، ولكن من خلال اعتناق نفس أفكار ومبادئ وأهداف النخبة الأميركية، وبحيث ترتبط سعادة ورفاهية الأثرياء الجدد بالتبعية طويلة المدى للولايات المتحدة. 
ويدلل المؤلف على ذلك بأن مديونية العالم الثالث وصلت إلى 2.5 تريليون دولار، وأن خدمة هذه الديون بلغت 375 مليار دولار سنويا في عام 2004، وهو رقم يفوق ما تنفقه كل دول العالم الثالث على الصحة والتعليم، ويمثل عشرين ضعف ما تقدمه الدول المتقدمة سنوياً من مساعدات خارجية. 


أميركا اللاتينية مرة أخرى

يقتفي مؤلف الكتاب خطى المفكر اليساري الأميركي نعوم تشومسكي في البحث عن كل شرور النظام الاقتصادي الحالي في "الحديقة الخلفية" للولايات المتحدة التي تمثلها دول أميركا اللاتينية. 
يعترف المؤلف أنه وزملاءه توصلوا إلى دفع الإكوادور نحو الإفلاس، ففي ثلاثة عقود ارتفع حد الفقر من 50% إلى 70% من السكان، وازدادت نسبة البطالة من 15% إلى 70%، وارتفع الدين العام من 240 مليون دولار إلى 16 مليار دولار، وتخصص الإكوادور اليوم قرابة 50% من ميزانيتها لسداد الديون. 
لم يكن أمام الإكوادور لشراء ديونها سوى بيع غاباتها إلى شركات البترول الأميركية حيث يكشف المؤلف أن هذا الهدف كان السبب الرئيسي في التركيز على الإكوادور وإغراقها بالديون نظراً لكون مخزون غابات الأمازون من النفط يحتوي على احتياطي منافس لنفط الشرق الأوسط. 

لكن المؤامرات الاقتصادية في أميركا اللاتينية ليست كلها نفطا. فقد أنشئت شركة الفواكه المتحدة "يونايتد فروت" الأميركية في أواخر القرن التاسع عشر، ونمت لتصبح من القوى المسيطرة على أميركا الوسطى بما لها من مزارع كبرى في كولومبيا ونيكاراغوا وكوستاريكا وجامايكا والدومينيكان وغواتيمالا وبنما. وحين حاول بعض الزعماء الوطنيين المساس بهذه الشركة لقوا حتفهم في ظروف غامضة. يسرد بيركنز بالتفصيل كيف ارتبط عملهم في الاغتيال "الاقتصادي" بالتصفية الجسدية للرؤساء المعارضين، فعندما فشل هو وزملاؤه في استمالة الرؤساء الوطنيين في عدد من دول أميركا اللاتينية، تدخل فريق آخر من القراصنة، وهم ثعالب المخابرات المركزية الأميركية، لينفذوا مهامهم بالقتل والاغتيال وتدبير حوادث إسقاط الطائرات الرئاسية واغتيال المعارضين على نحو ما حدث في غواتيمالا وبنما وفنزويلا.

وعلى سبيل السخرية يشير المؤلف إلى أن رئيس فنزويلا هوغو شافيز الذي شق خطًا اقتصاديًا وطنيُا مدين بالفضل لصدام حسين في إنقاذه من الغزو والتدمير لأن الولايات المتحدة انشغلت في العراق في 2003 ولم تتمكن من إكمال انقلابها المدبر بإبعاد شافيز عن البلاد، فعاد بمساندة الجيش بعد أقل من 72 ساعة. 

المملكة العربية السعودية


تبدأ قصة المؤلف مع السعودية في عام 1974، حين عرض عليه أحد دبلوماسيي المملكة صورا فوتوغرافية لمدينة الرياض، ومن بينها صور لقطيع من الأغنام يرعى بين أكوام القمامة خارج مبنى حكومي. وحين سأل بيركنز ذلك الدبلوماسي عنها، صدمته إجابته حين قال "إنها وسيلة التخلص من القمامة إذ لا يمكن لمواطن سعودي كريم الأصل أن يجمع القمامة. نحن نتركها لقطعان الأغنام".
بهذه الطريقة يعرف المؤلف قراءه على أكبر منتج للنفط والحليف الأول للولايات المتحدة في العالم العربي، لكنه لا ينسى أن يستعير بعضا من طرق الاستشراق القديمة، فيعرج على ما يسميه مشاهد قطع الرؤوس والأيدي في ساحات القصاص ووضع المرأة في السعودية، والفكر السلفي -ملحًا على الحركة الوهابية- المؤسس للدولة والظروف التي نشأت فيها أفكار أسامة بن لادن، وحظر النفط السعودي إبان حرب 1973.

يعتقد المؤلف أن العائدات الإضافية التي حصلت عليها السعودية من ارتفاع أسعار البترول كانت نعمة أكثر شبها بالنقمة. فقد امتلأت خزائن الدولة بمليارات الدولارات، ما أدى إلى تقويض بعض المعتقدات السلفية الصارمة. فقد سافر أثرياء السعودية حول العالم والتحقوا بالمدارس والجامعات في أوروبا والولايات المتحدة، اشتروا سيارات فارهة وأثثوا منازلهم على الطرز الغربية. فحل شكل جديد من الانغماس الدنيوي بدلا من المعتقدات الدينية المحافظة. 

قدمت هذه النزعة الاستهلاكية الحل للمخاوف المتعلقة بتكرار أزمة حظر البترول مستقبلاً. فقد بدأت واشنطن -تقريبا بعد نهاية عملية الحظر مباشرة- بالتفاوض مع السعوديين، فعرضت عليهم مقايضة المساعدة التقنية والمعدات والتدريبات العسكرية مقابل دولارات البترول، وأهم من ذلك مقابل ضمان عدم تكرار حظر البترول مطلقا.
أسفرت المفاوضات عن إنشاء وكالة التنمية الأكثر غرابة في التاريخ، وهي اللجنة الأميركية السعودية للتعاون الاقتصادي التي اشتهرت اختصارا بـ(JECOR). أنفقت هذه اللجنة سنويا مليارات الدولارات، دون رقابة من الكونغرس. لأن الموضوع لم يكن به أموال حكومية أميركية، فلم يكن للكونغرس أية سلطة للتدخل في الأمر، رغم دور وزارة الخزانة كوسيط. وبدأت رحلة طويلة من تحويل عائدات النفط السعودية إلى الشركات الأميركية. 

غسيل الأدمغة والاحتواء

أدى تركيز سلطة اتخاذ القرار في أيدي القطاع الخاص في الحياة الأميركية إلى استخدام آليات السوق لتوجيه وضبط الأفكار والمشاعر العامة بحيث اقتصر دور رجل الشارع في كونه مستهلكاً ومتفرجاً وليس مشاركاً، وحيث إن صوت الشعب يجب أن يسمع في المجتمعات الديمقراطية فلقد تمكن أصحاب المصالح الأميركية من تجاوز هذه الإشكالية من خلال غسيل أدمغة مستمر. تؤدي عملية غسيل الأدمغة إلى أن يصبح حديث المواطن العادي متمشياً تماماً مع مفاهيم النخبة الاقتصادية والسياسة، ضمن ما عرف باسم "هندسة الموافقة" فعمليات السيطرة على العقل العام الأميركي تتم بشكل مستمر ومتكرر وتصل إلى ذروتها في فترات الأزمات بحيث يساق الشعب بشكل دائم إلى إدراك أن الحرب لم تنته وبأن بلاده تحارب (وهي بالأحرى ترتكب مجازر) من أجل قضية نبيلة. 

ويقابل غسيل الأدمغة في الداخل عملية "الاحتواء" في الخارج، وهما عمليتان متكاملتان ومتشابكتان حيث يلزم تعبئة المواطنين بالداخل لدفع فاتورة سياسة الاحتواء الخارجية. وإلى جانب الاحتواء تسعى الإدارة الأميركية إلى تقسيم العالم إلى مناطق اقتصادية نوعية تخدم كل منها أغراض الشركات الأميركية: فنزويلا والمكسيك والخليج العربي لشفط النفط، أميركا الوسطى والكاريبي لاستعباد العمالة الرخيصة وتجميع المنتجات، الصين للاستهلاك وترويج المنتجات الأميركية. 


وعلى هذا النحو فإن ما يريده النظام الأميركي في حقيقة الأمر ليس التجارة الحرة، بل احتكار المستقبل لصالح منظمة "الشركة الأميركية" في حرية دخول الأسواق واستغلال الموارد واحتكار التكنولوجيا والاستثمار والإنتاج العالمي، فهي تطالب لشركاتها بحقوق الملكية في مجال الدواء والزراعة (البذور، المبيدات ... الخ) والتي سيدفع ثمنها الفقراء في الدول النامية متجاهلة الأرباح التي تحققها شركاتها من خلال الحصول "مجاناً" على أسرار أدوية الأعشاب وطرق العلاج الطبيعية الأخرى التي تراكمت خبراتها لدى العالم النامي عبر مئات السنين.


متناسية أن الدول المتقدمة لم تطبق نظم براءة الاختراع في مجال الدواء إلا حديثاً (إيطاليا في عام 1982 واليابان في عام 1976 وألمانيا في عام 1966) بل إن الولايات المتحدة نفسها رفضت في القرن التاسع عشر دعاوى حقوق الملكية بحجة أنها ستعوق التطور الاقتصادي. وفي النهاية فإن حالة من الإحباط قد تتسرب إلى نفس القارئ من تلك الشبكة العالمية المهيمنة على مستقبله ومن التآمر الذي يحيق به من كل جانب، غير أن هذا لا يمنع من أهمية الكتاب وما به من معلومات تكشف عن كثير من التفاصيل، ربما تفيد لتجنب ما هو مقبل من أحداث. 

ملحوظة أرى أن هذا العرض مهم جدا فى ظل ما يحدث فى غزة حاليا ، للتأكيد على أن ماهو موجه للعالم الاسلامى هو جزء من مؤامرة (حقيقية ) أشمل وأكبر ضد العالم الفقير بعامة لانتهاكه واغتصاب ثرواته ، وأن مواجهاتها لا يكون بالشعارات والعواطف وحدها ، ولكن بعد الاستعانة بالله يكون بالتكاتف ووضع الخطط العملية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أيضا طويلة الأمد لتكون لنا كلمة مسموعة ونخرج من حالة الهوان التى نحن فيها حاليا ، ونحن لسنا بأقل من تركيا أو ايران ، والله المستعان . 

PART I : 1963—197 

1 An Economic Hit Man Is Born 3
2 "In for Life" 12
3/ Indonesia: Lessons for an EHM 2 0
4 Saving a Country from Communism 2 3
5 Selling My Soul 2 8

PART II : 1971—197 5
6 My Role as Inquisitor 3 7
7 Civilization on Trial 4 2
8 Jesus, Seen Differently 47
9 Opportunity of a Lifetime 5 2
10 Panama's President and Hero 5 8
11 Pirates in the Canal Zone 6 3
12 Soldiers and Prostitutes 6 7
13 Conversations with the General 7 1
14 Entering a New and Sinister Period in
Economic History 76
15 The Saudi Arabian Money-laundering Affair 8 1
16 Pimping, and Financing Osama bin Laden 9 3

PART III : 1975—198 1
17 Panama Canal Negotiations and Graham Greene 101
18 Iran's King of Kings 108
19 Confessions of a Tortured Man 113
20 The Fall of a King 117
21 Colombia: Keystone of Latin America 120
22 American Republic versus Global Empire 124
23 The Deceptive Resume 131
24 Ecuador's President Battles Big Oil 141
25 I Quit 146

PART IV : 1981—PRESEN T
26 Ecuador's Presidential Death 153
27 Panama: Another Presidential Death 158
28 My Energy Company, Enron, and George W. Bush 162
29 I Take a Bribe 167
30 The United States Invades Panama 173
31 An EHM Failure in Iraq 182
32 September 11 and its Aftermath for Me, Personally 189
33 Venezuela: Saved by Saddam 196
34 Ecuador Revisited 203
35 Piercing the Veneer 211

Epilogue 221
John Perkins Personal History 226
Notes 230
Index
240
About the Author 248

روابط مباشرة لتحميل الكتاب pdf


من هنا 

http://rapidshare.com/files/158859560/Confessions_of_An_Economic_Hitman.pdf

أو هنا

http://rapidshare.com/files/92660817/confessions_of_an_economic_hitman_-_john_perkins_www.softarchive.net.rar

أو هنا

http://mediafire.com/?buiu2v2bjo0