‏إظهار الرسائل ذات التسميات فكر. إظهار كافة الرسائل
‏إظهار الرسائل ذات التسميات فكر. إظهار كافة الرسائل

الخميس، 13 يناير 2011

مشكلة الأقباط

هذا مقال لأبراهيم عيسى بعد حذف الأجزاء الخائبة :

كلام فى سرادق العزاء10.01.2011

كل الحقوق التى يطالب بها الأقباط ........
لكنهم لن يحصلوا على هذه الحقوق عن طريق نفاق حسنى مبارك ولا نفاق نجله كما أنهم لن يحصلوا على أى حق طالما بقى هذا البلد مستبدا وديكتاتوريا ومزورا للانتخابات ومحتكرا للسلطة!

جريمة الإسكندرية لم تصنع فتنة ولا احتقانا لكنها كشفت عنه ، أظهرت المدى العميق والبالغ من الاحساس بالظلم الذى يشعر به الأقباط ، وتفجرت مع شظايا قنبلة الإرهابى الاحتياج لاعلان الصوت القبطى عاليا وشجاعا لأول مرة بمطالبه ، لكن سرعان ما سلم الأقباط حناجرهم وشجاعتهم للكنيسة!

يتخيل الأقباط نتيجة سيطرة كاملة وشاملة من الكنيسة على العقل القبطى أن مشاكلهم التى صنعها النظام سوف يحلها نفس النظام ، ويتصور الأقباط أن نظام مبارك الذي لايكفون لحظة عن اتهامه بتمييزهم وتخوينهم ومنعهم من حقوقهم –وهذا صحيح- سوف يتحول فجأة إلى ملاك بجناحين ويوافق على رد هذه الحقوق لأصحابها عن طريق ضغط البابا وحكمة الرئيس !

والحقيقة أن مشكلة مصر كلها أن حكمة الرئيس وحدها هى التى تحكم البلد ومشكلة الأقباط أنهم صاروا يتحدثون باعتبارهم شعب الكنيسة اكثر مما يتحدثون بصفتهم شعب مصر !

مشهد ذهاب المسئولين لتعزية البابا فى الكنيسة كان إعلانا مزريا على أن مصر ليست دولة مدنية وقد فرح الأقباط جدا بأن الحكام والمسئولين والشيوخ ذهبوا لتعزية البابا ونسوا أن هذا إعلان بأننا دولة دينية وليست مدنية على الإطلاق فلو قتل مصريون فى جامع هل كان أحد سيذهب لتعزية شيخ الآزهر ؟

ربما يقول الأقباط أنهم دينيا شعب الكنيسة وهذه هى تعاليمهم لكن ربما هى كذلك فى الإطار الروحى والعقيدى لكن فى إطار دولة مدنية لا يمكن أن يكون البابا هو ولى أمر الأقباط أو رئيس حزبهم أو رئيسهم السياسى ورافع مطالبهم ! فإن استشهد منهم شهداء ذهب الجميع لتعزية البابا، إذن مطالب الأقباط المدنية والحقوقية مسئولية البابا و لمن يصوتون فى الانتخابات مسئولية البابا و المرشح الرئاسى الذين يؤيدونه يحصلون على أسمه من الكنيسة والبابا فالبابا يعرف أكثر!

أليست هذه هى الدولة الدينية التى يكرهها الأقباط ويرفضونها أم أنهم يرفضون الدولة الدينية المسلمة بينما يتمسكون بالدولة الدينية القبطية!

........... لم نسمع الأقباط ولا الكنيسة تتحدث عن حقوق الانتخابات الحرة والنزيهة وتداول السلطة والعدالة والمساواة ورفض الأحكام العسكرية والوقوف أمام استمرار قانون الطوارئ والمطالبة بحق تشكيل الأحزاب وإصدار الصحف والمحطات التليفزيونية والتصدى للتعذيب فى السجون والأقسام بينما كل الذين يطالبون بهذه المطالب يطالبون بحقوق الأقباط معها وفيها!

الأقباط يتحدثون للأسف عن قبطيتهم فقط
ثم يهللون ويزمرون ويطبلون للرئيس مبارك الذى يتهمون نظامه ليل نهار بإضطهادهم!

الأقباط لايريدون شيوخا متعصبين يروجون لكراهية الأقباط لكنهم يدافعون جدا عن قساوستهم الذين يتبادلون التعصب بتطرف ويردون على الجهل بماهو أجهل !

خرج الأقباط بعد العملية الإرهابية فى غضب حقيقى ومفهوم ومستحق لكن خرجوا بشكل عشوائى وفوضوى فقالت الدولة للكنيسة سكتيهم فسكتتهم الكنيسة وسكتوا، إذن هى حسبة بين الدولة والكنيسة وليست بين مواطنين ووطن!
الأقباط يطلبون المواطنة لكنهم يتصرفون كأقباط وليس كمواطنين !

أسأل وجه الله تعالى حين أؤكد أن شيئا حقيقيا لم يتغير منذ لحظة جريمة الإسكندرية البشعة والتى يدينها الجميع كأن الإدانة فضل وتفضل منهم وكأن من الممكن ألا يدينها ضمير أو عقل !!، فأغلب ردود الفعل الإيجابية كانت عاطفية ولعل بعض الأقباط رصدوا فى المترو والأتوبيس والميكروباص ملامح من تغير عاطفى منشود يردم التشققات ويرمم الخدوش التى أصابت صلابة العيش المشترك لكن ماهو أبعد من العواطف –على أهميتها- لم يتحقق!

المبادرة والفعل جاء من جمهور الفيس بوك الذى عودنا على أنه أشرف ظاهرة مصرية الآن فجماعات الفيس بوك التى يكرها النظام ويسبها الاعلام الحكومى ويتهمها بالإنحراف هى التى قادت فكرة زيارات الكنائس فى العيد وهم الذين علقوا صور الهلال مع الصليب على صفحاتهم وأغلب هؤلاء (إن لم يكونوا كلهم) من مثقفى وشباب مصر الذى يعلن تأييده للدكتور محمد البرادعى على الفيس بوك أو يهاجم الاستبداد والتزوير ويفضح ممارسات الاعلام المهجن أو الحكومى وهو الجمهور نفسه الذى خاض نضالا مدنيا رائعا فى قضية الراحل خالد سعيد ، إذن لاجديد من عالم الفيس بوك سوى تأكيد شرف ونبل هذه الظاهرة واتساقها مع نفسها!

أما على الانترنت بشكله الأوسع حيث مواقع السلفيين والأقباط فلا أظن شيئا تغير ولو عاطفيا ربما بعض الهدوء أو الهدنة أو الخوف لكن بمرور الأيام بدا أنه لاشيئ جذرى ولا حتى ثانوى فى سبيله للتغير !

أما الانطباعات الجميلة عن التكاتف التى يرددها كثيرون فى النخبة فهى انطباعات حقيقية بالتأكيد لكنها ربما داخل دوائر محدودة لا هى ممثلة للقطاع الأوسع والأعرض ولا هى واصلة للأرياف والصعيد ، أو مشاعر قاهرية أغلبها وارد الجلسات النخبوية والمثقفة أو الصخب التليفزيونى الدعائى الفج الذى لم يخرج عن منهج الحشد والتعبئة والدعاية والكل يقول نفس الكلام الواحد الموحد المصاغ بطريقة إعلانات الحزب الوطنى فى حملته الانتخابية عن أن كل شيئ وردى فى بلد يغلبها عليها لون التراب والدخان!

من ناحية الأحزاب فهى تفهم دورها جيدا وهو الاستجابة للبروجى فورا عندما يزمر لها سادتها فى أمن الدولة ، فإجتماعات الأحزاب كانت آية فى التفاهة وقلة القيمة والكلام الفارغ حيث يجتمعون فى حزب يقول عن نفسه أنه حزب كبير ربما لأنه يملك المقر الكبير حيث يتحول بيت كان مفتوحا للأمة إلى بيت للإماء الذين يسمعون أوامر الدولة أن تضامنوا مع النظام والحكومة وسمعونا صلاة النبى فلا مطالبة بمحاسبة مقصر ولا علاج تقصير ولا إدانة لمهملين ولا تحميل لمسئولية بل لغو فارغ ، لكن يبقى أنها أحزاب تافهة لا تنجح فى انتخابات على كرسى معسل وليس على كرسى فى برلمان فلا اكثر من دور التجميل الذى تحتاجه الدولة فى مواقف مثل هذه حيث الوطنية من وجهة نظر المعارضة هى الوقوف جنب النظام المقصر والحكم المستبد لرفع البنطلون إن سقط !

...................................... ................ ..................

.......................  ، الدولة ستفعل ما تفعله دوما وهو اللعب بالأقباط وبالسلفيين الوهابيين فى نفس الوقت واستخدامهم فى معركة البقاء فى الحكم للأبد من اجل الفساد والاستبداد
ربما لأسباب لها علاقة بالاتحاد الأوروبى ورغبة الحزب الحاكم فى التجمل وتحضير بضاعة للتصدير فقد تحصل الكنيسة لا الأقباط على فتات حقوق أو عطايا قانونية فارغة المحتوى وسوف تشكر الكنيسة الرئيس وتقبل خد نجله !

كل حقوق الأقباط التى هى حق لهم لن يحصلوا عليها من نظام مستبد لكن الأقباط لايريدون أبدا أن يعرفوا هذا ويراهنون على المستبد لأن البابا قال لهم ذلك السؤال ما موقع البابا فى الدولة المدنية التى نريدها ؟

لكن أمانة تسلموا لنا على المواطنة! 






http://www.imbh.net/aldaftar/showarticle_ar.php?articleID=1323



الأحد، 9 يناير 2011

الطاقات المهدرة




القاهرة - أخبار مصر
قال الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ان قضايا الطلاق تكلف خزانة الدولة 7.75 مليار جنيه سنويا بعد أن ارتفعت نسبته إلي ‏40 %.
وقدر مركز قضايا المرأة المصرية في دراسة حديثة متوسط تكاليف قضية الطلاق الواحدة بنحو‏ 41‏ ألفا و‏195‏ جنيها مصريا.
وقالت ان التكلفة تشمل مصروفات التقاضي‏‏ ورواتب القضاة والنيابة الخبراء والمستشارين والعاملين بالنيابة العامة سكرتارية وموظفين‏‏ فضلا عن الحراسات الأمنية الضرورية للمحاكم في أثناء نظر هذه القضايا وتنفيذ الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية‏ خاصة بالمنقولات والنفقة وغيرهما.‏
وذكر الجهاز أن الزواج المندفع يترتب عليه من طلاق سريع ورصد في عام ‏2009‏ وقــوع نحو‏387‏ حالة طلاق في اليوم‏ بزيادة نحو ‏60 %‏ علي العام السابق‏ وقد بلغت الأحكـــام النهائيــة للطلاق ‏2815‏ حكما، وفقا لما ذكرته الاهرام.
وعن أسباب هذه الظاهرة يقول الدكتور محمد أحمد عويضة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر‏ إن زيادة نسبة الطلاق في الواقع قد تبدو أمرا بسيطا لكنها تخفي بداخلها دلائل كبيرة علي ثقافة مجتمعية قائمة علي عدم وجود ثقافة الاختلاف‏.‏



الجمعة، 5 مارس 2010

المرأة والولاية العامة وولاية القضاء


د. حياة بنت سعيد با أخضر*
 
الحمد لله رب العالمين الذي خلقنا على نعمة الإسلام والحب فيه ولأجله، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
لقد كثرت المقالات واللقاءات حول موضوع المرأة والدفاع عن قضاياها في أشكال عدة ومن الجنسين، وكل يدلي بدلوه ويطرح ما في جعبته من معلومات تتضارب أحياناً وتتشعب حتى تصل إلى حد التعصب الممقوت، والذي يدفع بصاحبه إلى المراء والرغبة في الانتصار للذات بليّ أعناق الأدلة واستدلالات العلماء، مما أوجد مناخاً خصباً لتفتيت الجهود وصرف الهمم عن الأَوْلى في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التمسك بديننا بقوة في الوقت الذي نرى أعداءنا مستمسكين بدينهم في حربنا فأشعلوا همم شعوبهم شيباً وشباباً بأرواحهم وأموالهم.
وكامرأة مسلمة تعتز دائماً وأبداً بخصائصها التي ميزها الخالق الحكيم بها عن باقي نساء العالمين خاصة وعن الرجال عامة، وإنني كامرأة مسلمة تفتخر بأنها ولدت وتربت وتنتسب لهذه البلاد المباركة مهبط الوحي والموطن الذي احتضن السلفية ومجددها، ووقف حكامها دائماً معه ومع علماء هذه الدعوة المباركة والمنهج الصحيح، أكتب هذه الورقات لا أخص بها أحداً بعينه بل أبتغي بها أن تقف على الحق الذي يسعى إليه الجميع من خلال قضية المرأة التي أنا وغيري من الغيورات على الدين أولى من يطرحها مع تقديري التام لكل علمائنا ودعاتنا الأفاضل الذين نافحوا وما زالوا عن المرأة المسلمة التي يريدها الله تعالى ورسوله –صلى الله عليه وسلم- وأتمنى ممن سيقرأ ورقاتي أن يعلم بل يتيقن أنني أقف من المسلم المخالف موقف الائتلاف الواجب بين المسلمين وأدعو الله له ولنفسي ولكافة المسلمين أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن من أسس مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يُخطَّئون ولا يُكفَّرون، ويرحمون المخطئ ولا يستخفون أو يشتمون به.
وسأجعل كلامي مرتباً على تمهيد ومقدمة وتفصيل، فأقول وبالله التوفيق:
أولاًالتمهيد: من المعلوم بداهة لدى كل المتابعين لأحداث العالم من حولنا أن هناك قضيتين أساسيتين هما قطبا الرحى التي يدور حولها أعداؤنا لتجفيف منابع الإسلام وإبقائه صورة لا حقيقة لها في واقع الحياة
وهما: دعوى القضاء على الإرهاب، ومن خلاله يتم تمييع المناهج والمؤسسات الدعوية والثوابت الدينية.
 والقضية الثانيةالمرأة، وقد انتهوا تقريباً من جميع النساء المسلمات، وبقيت نساء بلادنا الطاهرة، فطفقوا يشعلون حولها نيران وأبواق دعاوى سابقة أشعلت من قبل في ديار مسلمة فأحالت نساءها رماداً احترق من شدة احتكاكه بشياطين الإنس والجن، إنها دعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فهم يرددون ذات الدعاوى التي طرحها الغربيون على قاسم أمين وأمثاله، والتي ترجموها إلى لغات عدة من رفع الظلم عن المرأة وأنها مهضومة الحقوق مغيبة عن التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، ومناقشة قضايا شرعية حُسمت من قبل كبار العلماء وجمهورهم على مر العصور الإسلامية كوجوب تغطية الوجه وعدم سفر المرأة إلا بمحرم وحرمة الاختلاط بين الجنسين... وغيرها من القضايا.
وها نحن نقرأ ونسمع من يدعو وبقوة لفتح باب الفتن والرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول:
((تعوذوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن)).
لنقرأ معاً مقاطع من كتابات قاسم أمين ولننظر كيف تطابقت مع كتابات المعاصرين.
يقول في كتابه تحرير المرأة: (هل يظن المصريون أن رجال أوروبا مع أنهم بلغوا من كمال العقل والشعور مبلغاً مكنهم من اكتشاف قوة البخار والكهرباء واستخدامها على ما نشاهده بأعيننا، وأن تلك النفوس التي تخاطر كل يوم بحياتها في طلب العلم والمعاني، وتفضل الشرف على لذة الحياة هل يظنون أن تلك العقول وتلك النفوس التي نعجب بآثارها يمكن أن يغيب عنها معرفة الوسائل لصيانة المرأة وحفظ عفتها؟ هل يظنون أن أولئك القوم يتركون الحجاب بعد تمكنه عندهم لو رأوا خيراً؟ كلا، وإنما الإفراط في الحجاب من الوسائل التي تبادر عقول السذج، وتركن إليها نفوسهم، ولكنها يمجها كل عقل مهذب وكل شعور رقيق... متى ما تهذّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل عرف أن الحجاب إعدام لشخصها فلا تسمح له نفسه بعد ذلك أن يرتكب هذه الجريمة توسلاً إلى راحة بال واطمئنان قلب).
ويقول في كتابه المرأة الجديدة: (لو لم يكن في الحجاب عيب إلا أنه مناف للحرية الإنسانية لكفى وحده في مقته، وفي أنه ينفر منه كل طبع غرز فيه الميل إلى احترام الحقوق والشعور بلذة الحرية، ولكن الضرر الأعظم للحجاب -فوق ما سبق- هو أنه يحول بين المرأة واستكمال تربيتها).
ويقول في موضع آخر من كتابه: (أما الحجاب فضرره أنه يحرم المرأة من حريتها الفطرية"،ويقول: "بلغ من أمر احترام الرجل الغربي لحرية المرأة أن بنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن أو مع خادمة، ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى آخر، ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما... أول جيل تظهر فيه حرية المرأة تكثر الشكوى منها، ويظن الناس أن بلاء عظيماً قد حل بهم؛ لأن المرأة تكون في دور التمرين على الحرية ثم مع مرور الزمن تتعود المرأة على استعمال حريتها وتشعر بواجباتها شيئاً فشيئاً وترقى ملكاتها العقلية والأدبية وكلما ظهر عيب في أخلاقها يداوى بالتربية حتى تصير إنساناً شاعراً بنفسه)، بل يقول: (بل الكل متفقون على أن حجاب النساء هو سبب انحطاط الشرق، وأن عدم الحجاب هو السر في تقدم الغرب... توجد وسيلة تخرجكم من الحالة السيئة التي تشتكون منها، وتصعد بكم إلى أعلى مراتب المدن كما تشتهون وفوق ما تشتهون ألا وهي تحرير نسائكم من قيود الجهل والحجاب).
 ويقول في مسألة تربية المرأة: (لا تجد من الصواب أن تنقص تربية المرأة عن تربية الرجل أما من جهة التربية الجسمية فلأن المرأة محتاجة إلى الصحة كالرجل، فيجب أن تتعود على الرياضة كما تفعل النساء الغربيات اللائي يشاركن أقاربهن الرجال في أغلب الرياضات البدنية، ويلزم أن تعتاد على ذلك من أول نشأتها وتستمر عليه من غير انقطاع، وإلا ضعفت صحتها وصارت عرضة للأمراض). [ثم نجده وبعد عدة أسطر يناقض نفسه لما يذكر تميز المرأة الريفية على المرأة المدنية، لأن المرأة الريفية متعودة على العمل البدني وتتعرض لأشعة الشمس والهواء النقي إذن لا دخل للرياضة في تفوقها].
ونجده يواصل حربه على دين الله –تعالى- فيقول عن أساليب تربية المرأة التي يلزم اتخاذها للمرأة: "ولابد هنا من استلفات النظر إلى وجوب الاعتناء بتربية الذوق عند المرأة وتنمية الميل في نفسها إلى الفنون الجميلة، وإني على يقين من أغلب القراء لا يستحسنون أن تتعلم بناتهم الموسيقى والرسم؛ لأن منهم من يعدها من الملاهي التي تنافي الحشمة والوقار، أو أنها لا فائدة منها، وقد ترتب على هذا الوهم الفاسد انحطاط درجة هذه الفنون في بلادنا إلى حد يأسف عليه كل من عرف مالها من الفائدة في ترقية أحوال الأمم".
هذا ما قاله كبيرهم الذي علمهم السحر، وهو قول متناقض متهافت لدى كل ذي بصيرة ولا أدل على ذلك من منعه زوجته من ممارسة كل ما سبق.
هذا هو كلام من ينفخ في نار هذه الفتن صباح مساء، بدلاً من إيضاح الضوابط الشرعية للرجال، وإقامة العقوبات الربانية على المقصرين منهم. والكلام في هذا يطول ولكن أختم هذا التمهيد بالدعوة إلى التبصر عامة والفقه لواقعنا والعلم التام بما يدور في العلن من خطط لسحق ثوابتنا نحو المرأة، والتي منها الحجاب الصحيح الذي ارتضته أمهات المؤمنين والصحابيات القائم على الفقه الحقيقي لنصوصه الصحيحة، ولو سمعتم مدى الغبطة التي تشعرها الطالبات الوافدات بجامعة أم القرى نحو النعم التي امتن الكريم –سبحانه- بها علينا والتي منها نعمة يسر الالتزام بالحجاب الصحيح بدون أي عقبات لتمسكت نساؤنا بحجابهن ودينهن.
إننا أمام ملامح حرب جديدة على المرأة المسلمة لتفكيك البنية الأساسية للمجتمع، فالمرأة هي نصف المجتمع وتلد وتربي النصف الآخر، فهي للمجتمع كله بل هو مخطط لتدمير الأسرة عامة والمسلمة على وجه الخصوص، من خلال ادعاء حقوق المرأة والطفل وحتمية الصراع بين الرجل والمرأة، وكم من المصائب ترتكب باسمك يا حقوق المرأة!
ثانياً: المقدمة: وسأتناول فيها موضوعين:
الموضوع الأول: التعالم:
يقول الإمام الشافعي –رحمه الله-: "فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة -إن شاء الله- .
وقال ابن عبد البر –رحمه الله- (لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف).
والمتعالم إنما هو ضعف ظاهر ودعوى عريضة؛ لأن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، وإذا كثر الملاحون غرقت السفينة، والحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان، فإن التعالم في الفتوى هي القاصمة لقوة الدين، ومن أفسدها تفسير كتاب الله وشرح السنة بلا زاد الفقه بأقوال الصحابة واللغة العربية وقواعد العلم بالصحيح من الضعيف، وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة لدى الحاذقين بهذه العلوم، قال ابن القيم –رحمه الله- قال بعض العلماء: (قل من يتجاسر على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أمره) ودخل رجل على ربيعة –رحمه الله- فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ وارتاع لبكائه، فقال: (لا ولكن استفتي من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم)، وقال: (ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالحبس من السراق) فكيف لو رأى ربيعة زماننا وتجرؤ الكثيرين على الفتيا بغير علم من الرجال والنساء، حتى تبارت الصحف والقنوات في عرض صنائع المتعالمين ويكفينا قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا".
وخلاصة القول: إن التعالم هو عتبة الدخول على القول على الله تعالى بلا علم، والقول على الله تعالى بلا علم هو أصل الشرك والكفران، وأساس البدع والعصيان، وما هو أغلظ منها ومن جميع الفواحش والآثام والبغي والعدوان، والدليل قوله تعالى في سورة الأعراف "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" يقول ابن قيم الجوزية –رحمه الله- في التعليق على الآية في كتابه: أعلام الموقعين (ج1ص31).
فرتب الله تعالى المحرمات على أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه.
الموضوع الثاني: تتبع زلات العلماء وإظهارها على أنها أصل مذهبهم ومعتمده، وترك باقي علمهم مع عدم التحقق من نسبة هذه الأقوال لهم، أو فهمها على الوجه الذي أرادوه من هوادم الدين، فقد قال –صلى الله عليه وسلم- "أخاف على أمتي ثلاثاً: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر" ورحم الله الإمام الصنعاني لما قال: "وليس لأحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب"، وقال أبو هلال العسكري: "ولا يضع من العالم الذي برع في علمه زلة إن كان على سبيل السهو والإغفال، فإنه لم يعف من الخطأ إلا من عصمه الله جل ذكره، وليتنا أدركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم".
ثالثاً: التفصيل: في قضية ولاية المرأة للولاية العامة أو القضاء، فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المناداة بأن للمرأة حقوقاً سياسية يعني أنها حُرمت منها وأخذت ظلماً وأن ذلك الظلم عليها مطرد منذ عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- فداه أبي وأمي وحاشاه عن الظلم –والصحابة –رضي الله عنهم- حاشاهم ذلك- ومن جاء بعدهم، حيث لم تتقلد المرأة أي منصب قيادي في كل الأزمنة الماضية، فهل يقول عاقل بذلك، وهل أهل هذا العصر من المسلمين وغيرهم أكثر عدلاً وإنصافاً ممن سبقهم؟ فلا يجوز بالتالي تأثيم الأمة بأنها مقصرة في حق المرأة.
ثانياً: حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- صحيح البخاري (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ففي هذا الحديث ورد لفظ (قوم) و(امرأة) بصيغة العموم؛ ليدخل فيهما كل قوم ولو أمرهم امرأة، فهو عام يشمل كل الأقوام. ولم يثبت قط أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولى امرأة واحدة في أي ولاية، ولا أمر بأن تولى أي ولاية ولو في مستقبل الزمان.
ثالثاً: إذا كنتم تريدون إخراج المرأة لتعمل رئيسة دولة وقاضية وسائقة للسيارة ومهندسة وفي كل مجالات الرجل، فماذا بقي للرجال ليقوموا به وليحققوا القوامة الفطرية على نسائهم؟ أو ماذا بقي لنا معشر النساء من حقيقتنا الفطرية؟ فنحن نتحمل الحمل والولادة والرضاعة والاهتمام بشئون الأسرة، فإذا كنا سنخرج لكل الأعمال فمن سيرعى شئون المنزل؟ الرجال أم الخادمات؟!
رابعاًلا يصح القياس على حال النساء غير المتزوجات بأنهن لا مسؤوليات لديهن كالمتزوجات؛لأن هذا قياس على غير الأصل، ثم إن المسلمة غير المتزوجة مأمورة بالقرار في بيتها وبالعناية بوالديها إن كانا على قيد الحياة، أو الانشغال بطلب العلم النافع من قرآن وتفسير وحديث وفقه وتوحيد وسيرة، أو القيام على شئون الأيتام والأرامل في مدينتها في حدود استطاعتها بدون أن تكلف نفسها ما لا تطيق.
خامساً: دلت الإحصائيات على أن عدد النساء اللاتي تمكن من شغل منصب الولاية العامة كالرئاسة والمحافظة والنيابة العامة وقيادة الشرطة والمصانع والشركات في المجتمعات التي تمنح لهن هذا الحق وتضعهن على قدم المساواة مع الرجال يبدو ضئيلاً مقارنة بالرجال مع أن النسبة السكانية للنساء أكثر من الرجال فتكاد النسبة لا تزيد عن 1%، أما في الوزراء والمحافظين فلا تزيد على 5%، ورواتب النساء العاملات في هذه الدول أقل من رواتب الرجال، ولا يمكن أن نعزو هذا إلى القوانين والتربية، فإن القوانين والتربية في تلك البلاد لا تقيم اعتباراً لاختلاف الجنسين إنما يرجع السبب إلى الاختلاف الفطري بين الرجال والنساء والذي يتجاهله الكثير اتباعاً للأهواء أو مكابرة للفطرة التي أرغمتهم على التسليم بحقائقها ثم حتى النساء اللاتي تقلدن الحكم فإن حكمهن صوري فهن يملكن ولا يحكمن بل إن بعضهن وفي أثناء حكمها ظهر ضعفها الأنثوي الفطري لما ضاع ولدها في صحراء الجزائر أخذت تبكي، وأوقفت عملها لحين العثور عليه، والأخرى رئيسة الدولة لما تم القضاء على الانقلاب العسكري عليها خرجت من تحت السرير وأول ما طلبته إصلاح هندامها وشعرها لتظهر أمام الصحفيين، وهذا كله أوردته وسائل الإعلام.
سادساً: لا ينبغي طلب ولاية القضاء لما في ذلك من الخطر العظيم من أن يخطئ القاضي في الحكم فيكون في النار –نعوذ بالله- فقد ورد في الحديث: "القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة" فإذا كان هذا حال القضاء فلماذا نقاتل للحصول عليه ألا تكفينا ذنوبنا؟
سابعاً الرد على شبهاتهم:
(1) النقل غير الصحيح لأقوال العلماء، يقول الشيخ الجليل بكر أبو زيد –شفاه الله- في كتابه القيم (التعالم): كما يُزجر عن الفتوى بالشاذ فكذلك يُزجر عن الأقاويل المغلوطة على الأئمة لعدم صحة النقل أو انقلاب الفهم، ومن أمثلة ذلك:
* شهرة النسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة –رحمه الله تعالى- من القول بجواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود، وهذا غلط عليه في مذهبه وصحة قوله: أن الإمام إذا ولى المرأة القضاء أثم ونفذ قضاؤها إلا في الحدود والقصاص فأصل التولية عنده المنع.
وقوله هذا إنما قيل على باب الافتراض والنظرية، وما أكثر ذلك في كتب الفقه ولم تطبق على أرض الواقع أبداً لا في عهد من سبقهم من العهود الزاهرة ولا في عهد المؤلف أو من جاء بعده.
وتفصيل مذهب الأحناف أنهم انقسموا في هذه المسألة إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء مطلقاً، وإلى هذا ذهب زفر بن الهذيل وهو بذلك يوافق الجمهور.
الفرقة الثانية: ترى أن المرأة يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء فيما تجوز شهادتها فيه وهو ما عدا الحدود والقصاص وإليه ذهب بعض الحنفية.
الفرقة الثالثة: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء وأن الذكورة شرط في القاضي، لكنها إن وليت ممن له السلطة أو حكمها شخصان في نزاع بينهما فحكمت نفذ قضاؤها ضرورة وأثم مُوَلِّيهَا.
وهذا هو المذهب عند الحنفية الذي نصت عليه كتبهم المعتمدة في تأثيم مولي المرأة القضاء ولا إثم إلا بارتكاب المحظور.
 ومما يدل على ذلك أن قاضي القضاء في أكثر العصور حنفياً، وكان إليه تقليد القضاة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية، ولم يؤثر عنه أنه قلد امرأة قط منصب القضاء.
* أما ما نقل عن ابن جرير الطبري في جواز تولي المرأة القضاء فموضوع، ولم يصح ذلك عنه خاصة، ولم يرو ذلك عنه بسند من الأسانيد، ومذهب الطبري مندثر لم يكتب له البقاء ولم يدونه عنه تلاميذه، وفي تفسيره المتواجد بين أيدينا لم نجد قوله المنسوب إليه كما أن كتبه في الفقه لم يُعثر عليها.
1- يقول المفسر الإمام ابن العربي –468-543 في تفسيره (أحكام القرآن م/3/ص/1457) [ونقل عن محمد بن جرير الطبري وإمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة، قاضية ولم يصح ذلك عنه، ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه المرأة وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة في الحكم إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة، بدليل قوله –صلى الله عليه وسلم- "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير.
2- جزم بعدم صحة ذلك لابن جرير الطبري المفسر القرطبي –رحمه الله- حيث قال: ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح عنه ذلك.
3- إن صاحب الرأي دائماً ينافح عنه ويقدم عليه الأدلة كلما ناسبته الفرصة لذلك، وقد ناسب ذلك ابن جرير –رحمه الله- العديد من الفرص سواء في تفسيره أو في تاريخه لما تكلم عن قصة سليمان –عليه السلام- وعن توليه ابنة كسرى لما مات أبوها ولما ذكر حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ورغم ذلك لم يشر لولاية المرأة للقضاء أو عدمها كما هي عادة العلماء.
وخلاصة ما سبق أن الخلاف بين الفقهاء حول تولية المرأة القضاء لم يتعد مجرد إبداء الرأي، فلم يرشدنا تاريخ القضاء الإسلامي من عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى نهاية الخلافة العثمانية أن المرأة تقلدت ولاية.
(2) الاعتماد على قصة تعيين عمر –رضي الله عنه- للشفاء –رضي الله عنها- محتسبة في السوق:
1- ابن حزم –رحمه الله- لما ذكر الرواية في كتابه المحلى لم يسندها على خلاف صنيعه وذكرها بصيغه التمريض (رُوي) وهذا يدل على عدم صحتها، ثم إنه من العجب أن يستدل ابن حزم بفعل عمر –رضي الله عنه- مع أنه ينفي حجية رأي الصحابي، وأعجب من هذا أنه يستأنس بقول أبي حنيفة مع أنه أوسعه في غير هذا الموضع تشنيعاً وتجريحاً، والأعجب أنه يرى أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها، ثم يرى جواز تقليدها القضاء لتزوج غيرها بمقتضى ولاية القضاء.
انظر الاختصاص القضائي د. ناصر الغامدي.
2- يقول ابن العربي –رحمه الله- وقد رُوي أن عمر –رضي الله عنه- قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه فإنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث.
3- الأثر المروي عن الشفاء –رضي الله عنها- ذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر وابن عبد البر في الاستيعاب وتبعه ابن حجر في الإصابة كلهم بدون إسناد ولا عزو لأحد ولم يذكره ابن سعد في ترجمتها ولا ابن الأثير في أسد الغابة ولا الطبراني في المعجم الكبير، كما أنه ورد بصيغة التمريض كما أسلفت (رُوي).
4- لا تقبل هذه الرواية لأن عمر –رضي الله عنه- المعروف بغيرته على الإسلام والمسلمين وخاصة النساء، فكيف يولي امرأة ولاية تدعوها إلى الاختلاط مع الرجال ومزاحمتهم.
(3) الاحتجاج بقصة بلقيس ملكة سبأ، والرد على ذلك بالآتي:
1- أن الهدهد وهو طير استنكر من شأنها وقومها أمرين عظيمين: كون امرأة تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله؛ ولذلك عمل سليمان –عليه السلام- على إزالة هذين المنكرين العظيمين جميعاً، ولو كان متولي أمرهم رجلاً لأمرهم بالإسلام فقط وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته وشريعة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- وسليمان –عليه السلام- لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ملكة على قومها؛ لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه لذلك دعاها وقومها إلى الإسلام وأن تأتي بنفسها مع قومها متجردة من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها، ولما علم بإعلام الله تعالى له بأنهم سيأتون إليه مسلمين نقل عرشها إليه لينهي وجود هذا المنكر، ولو لم يكن هذا منكراً لما حل له أن يأخذ عرشها غنيمة وهي مسلمة، كيف والغنائم لم تحل إلا لأمة محمد –صلى الله عليه وسلم-.
2- هل كان في القرآن إقرار لتملكها وترؤسها؟ لا بل إن هدهداً مؤمناً مع سليمان –عليه السلام- استنكر ملكها على قومها قبل أن يستنكر كفرها وسجودها للشمس، فقال لسليمان –عليه السلام- "وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون" (النمل:22-24) فالعجب أن يتخذ هذا الدليل الصريح من القرآن على منع المرأة من الولاية العامة دليلاً عند المعاصرين على جواز أن تكون المرأة ملكة وأن تولى ولاية عامة.
3- كيف نتخذ من شرائع الكفار دليلاً في ديننا الخاتم؟! وهذا السؤال موجه لمن اتخذ من حكم بلقيس -وهي على الكفر- دليلاً ولم يتخذ من فعلها بعد إسلامها وهو ترك الحكم دليلاً.
(4) الاستدلال بخروج أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- في موقعة الجمل: وبيان ذلك:
1- نقول لهؤلاء هل اقتديتم بأم المؤمنين في حجابها وحرصها على طلب العلم والعمل بالإسلام في كل حياتها والبعد عن مواطن الرجال وهي أمهم التي لا يحل لهم الزواج بها أبداً؟ فقد ورد في صحيح البخاري –رحمه الله- كتاب الحج أنها كانت –رضي الله عنها- تطوف معتزلة عن الرجال فدعتها امرأة إلى استلام الركن فأبت.
بل هي زجرت بشدة مولاة لها لما أخبرتها أنها استلمت الحجر الأسود مرتين أو ثلاثاً أثناء الطواف، فقالت لها: لا آجرك الله، لا آجرك الله، أتدافعين الرجال ألا كبرت ومررت؟ بل هي –رضي الله عنها- من أنكرت على المرأة التي تشبهت بالرجال بلبسها النعلين، فقالت: لعن رسول الله الرَّجلة من النساء.
فبعد كل هذا الإنكار يقول من يقول: إنها –رضي الله عنها- قد خرجت في أمور سياسية تؤدي إلى اختلاطها بالرجال؟!
2- أن عائشة –رضي الله عنها- لم تخرج ملكة ولا أميرة ولا متولية شئون هذه الجماعة وكان هؤلاء الصحابة قد بايعوا علياً –رضي الله عنه- بالخلافة، ولم يدعُ إلى خلافة أو ولاية غير ولاية أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه- وقد عمد الزبير وطلحة –رضي الله عنهما- إلى إخراج أم المؤمنين –رضي الله عنها- لعله أن يسمع لها الناس، فهي أمهم والتي توفي عنها الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنها، بل هي أحب الناس إليه فقد توفي ورأسه الشريفة بين حجرها ونحرها، وقد ظنا –رضي الله عنهما- أن الجميع سيسمع كلامهما وتجتمع الأمة ولا تتفرق، فقد كانت كما وصفها علي –رضي الله عنه- [أطوع الناس في الناس] ولكن كان ما لم يكن في الحسبان، وهو إشعال قتلة عثمان الحرب بين الفريقين حتى لا يصطلحا على قتلهم، فإذن لم يكن خروجها –رضي الله عنها- قط متولية شئون المسلمين، وإنما كان خروجها معنوياً لمنزلتها ومكانتها بين الجميع، ثم هي قد ندمت على خروجها.
(5) الاستدلال بشجرة الدر وغيرها من النساء
1- هذا من أقبح الأدلة؛ فإن الحجة الشرعية في كتاب الله تعالى وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- الصحيحة وفعل الصحابة والخلفاء الراشدين –رضي الله عنهم- وإجماع الأمة، وليس الاستدلال بالأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة.
2- أما أروى الصليحية فهي من أتباع المذهب الباطني الفاطمي، وزوجها قد كان في الأصل سنياً ثم تشيع على يد أحد أتباع الدولة الفاطمية التي كانت تسيطر على مصر وغيرها، فكيف تكون قدوة هي أو غيرها؟!
3- أما شجرة الدر أم خليل التركية فقصتها معلومة، فهي في الأصل كانت مملوكة محظية للملك الصالح نجم الدين أيوب –رحمه الله تعالى- وكانت لا تفارقه سفراً ولا حضراً من شدة محبته لها، ومات ولدها منه وهو صغير، وبعد مقتل ابنه توران شاه على أيدي المماليك بعد شهرين من توليه الحكم تولت الديار المصرية مدة ثلاثة أشهر، فكان يخطب لها وتضرب السكة باسمها، وقد تزوجت عز الدين التركماني وصار هو الملك، ولما علمت أنه يريد الزواج عليها بابنة صاحب الموصل أمرت جواريها أن يمسكنه لها فما زالت تضربه بقباقيبها والجواري يعركن في بطنه حتى مات وهو كذلك، ولما سمع مماليكه أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز فقتلوها وألقوها على مزبلة. انظر البداية والنهاية/م/13/ص/208-209 فامرأة مثل هذه تتخذ قدوة لنا؟!
4- الاعتماد على كتب الأعلام التي تذكر الجميع بدون نقد وتمحيص لا يعد دليلاً، فهذه الكتب لا تحل حراماً أبداً.
(6) الاستدلال بما حدث في مصر وهو تولي المرأة القضاء.
1- والصحيح أنها فقط تولت وظيفة إدارية، ولم تقف على منصة قضاء أو تتولى ذلك بأي صورة.
2- رئاسة المرأة للحكم في مصر مرفوضة باتفاق عقلاء مصر -حرسها الله تعالى- فقد صرح المستشار د. البيومي محمد البيومي نائب رئيس مجلس الدولة بأنه في ضوء المادة الثانية من الدستور القائمة على الإسلام هو الدين الرسمي للدولة فإنه لابد أن يكون المرشح لرئاسة الدولة ذكراً؛ لأن المرأة بإجماع الفقهاء قديمهم وحديثهم لا تصلح للإمامة العظمى قديماً أو رئاسة الدولة حديثاً. وما قلناه ينطبق على منصب نائب رئيس الدولة.
3- القانون المصري يسير على عدم تولي المرأة القضاء [سواء الإداري أو العادي] فهذه المهمة قاصرة على الرجال فقط، كذلك لا تتولى مهمة النيابة العامة؛ لأنها تعتبر من الهيئات القضائية.
انظر تولية المرأة القضاء شرعاً وقانوناً. د. كامل شطيب الرأوي.
(7) الاستدلال ببعض الدول الإسلامية في تولي نسائها رئاسة دولهن ، والرد على ذلك:
1- أن هذه الدول بعضها يعلن صراحة أنها علمانية فلا دين رسمي لها، فكيف نتخذ أمثال هؤلاء قدوة لنا؟ ثم هؤلاء النسوة مخالفات للهدي النبوي، فهل نتبع أهل العصور الحاضرة أم نتبع ما كان عليه الرسول –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؟!
2- لا يجوز الاستدلال بالواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية في زماننا؛ لأن أمر تولية المرأة قد حدث في غياب الإسلام عن واقع المجتمعات وعدم استفتاء العلماء الراسخين في العلم.
3- الفيصل في هذا الأمر الشرعي لا يكون في الإتيان بأمثلة من أناس مخالفين للهدي النبوي.
(8) الاستدلال بأن المرأة يصح أن تكون مفتية وتؤخذ عنها الفتوى:
قضية أن المرأة يصح أن تكون مفتية لا يردها عاقل، وهي تستطيع أن تفعل ذلك وهي في بيتها بدون خروج أو اختلاط بالرجال، وفرق بين الإفتاء وبين الخروج للقضاء الذي يقتضي الاختلاط والاستماع للخصوم ووضع مساعدين، والتعرف على ما يحدث في الخارج والسفر وغير ذلك.
والإفتاء ليس من باب الولايات؛ لأنه إخبار عن حكم شرعي ولا إلزام فيه .. أما القضاء فهو إخبار مع إلزام.
ثامناً: السبب في كل هذا التخبط هو الميل إلى ما عند غيرنا من الأمم الأخرى، والتشبه بهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: [إن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تشابها وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد نفسه في نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة يجد نفسه في نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعهم متقاضياً لذلك...
إن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد له الحس والتجربة.... فالمشابهة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي...والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان فمشابهتهم –يقصد اليهود والنصارى- في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة بل في الاعتقادات. ثم يضرب مثالاً من واقع الناس، فيقول: لو اجتمع رجلان في سفر أو في بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو في الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد في أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضا ما يألفون غيرهم حتى أن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة... ثم يقول: فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من المولاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان] كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم تحقيق د. ناصر العقل /1/ص79/488-489.
الخاتمة :
وأختم ما سبق بأقوال للإمام ابن قيم الجوزية –رحمه الله- يقول في كتابه الفوائد: طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيرة إلا بحبسين: حبس قلبه في طلبه ومطلوبه، وحبسه عن الالتفات إلى غيره، وحبس لسانه عما لا يفيد وحبسه عن ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات، فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن إلى أوسع فضاء وأطيبه. ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما إلى قضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا، فكل خارج من الدنيا إما متخلص من الحبس وإما ذاهب إلى الحبس.
وقال: عشرة لا ينتفع بها، وذكر منها: وفكر يجول فيما لا ينفع.
وكما قلت في البداية ما قصدت بكتابتي إلا توضيح الحق الذي نحبه جميعاً، وأوصي نفسي والمسلمين بهذا الدعاء المأثور: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في شرحه لهذا الدعاء: الرسول –صلى الله عليه وسلم- يسأل الله عز وجل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق، وهل نحن نسأل هذا؟ قليل، فيجب علينا ألا نعتد بأنفسنا وألا نغتز بعلومنا، ونسأل الله دائماً أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
كما نوصي أنفسنا بقفل باب الفتن والالتفاف حول علمائنا، وكفانا انشغالا بأمور قد كفلها لنا الشرع الحنيف، ولنلتفت لتنمية مجتمعنا والأخذ بأيدي شبابنا نحو معالي الأمور، ونكون نحن قدوة لغيرنا في التمسك القوي بديننا ذلك التمسك القائم على الأدلة الصحيحة المجمع عليها، فمن شذ فقد شذ في النار.
ــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى



السبت، 16 يناير 2010

الشريعة الإسلامية





الشريعة الإسلامية - بقلم أبو العلا ماضي
جرى في الفترة الأخيرة ومازال جدل كبير حول "الشريعة الإسلامية" ، ساهم فيه كثير من الناس ولكن المتجادلون أنواع فمنهم من دافع بحق عن الشريعة الغراء وكيفية فهمها وتطبيقها في حياة الناس باجتهاد يناسب العصر ، ومنهم من دافع عنها بفهم ضيق الأفق ويرفض الاجتهاد ، والفريق الثالث وهو الذي يعنينا في هذا المقال من هاجم "الشريعة" أو انتقدها أو طالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري الدائم التي تنص على أن ( دين الدولة الرسمي هو الإسلام ولغتها هي اللغة العربية ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ) ، وأغلب المنادين بإلغاء هذه المادة أو تعديلها بطريقة فيها قدر من السذاجة أكثر ما فيها من الجدية يحملون شعوراً معادياً للدين وخاصة الإسلام ولشريعته أكثر مما يحملون من قلق موضوعي من بعض تطبيقات للشريعة الإسلامية في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي ، ولذلك كان نقدهم للشريعة ومطالبتهم بإلغاء هذا النص مستفز للأغلبية الكاسحة من المصريين المسلمين ولكل العقلاء في هذا الوطن ، والمادة الثانية في الدستور تعني بثلاث قضايا وهي دين الدولة وهو الإسلام ، ولغتها الرسمية وهي العربية ، والشريعة المصدر الرئيسي للتشريع.
دين الدولة الإسلام
ولنبدأ بدين الدولة وهو الإسلام لقد كان دين الدولة ونظامها مستمد من الإسلام منذ الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص وبعد التحول السلمي لغالبية المصريين من المسيحية إلى الإسلام برضاء تام ، وظل الأمر على ما هو عليه دون كتابة دستور حيث لم يوجد دستور وحتى ومصر تحت الاحتلال الإنجليزي كان الإسلام هو محور الدولة والمجتمع حتى كتابة أول دستور في العصر الحديث وهو دستور عام 1923 ، الذي صاغته لجنة من المسلمين والمسيحيين وكان منصوص فيه على دين الدولة هو الإسلام ، والحقيقة أن هذا النص موجود بشكل مباشر وبأشكال غير مباشرة في دساتير الدنيا ومنها دول في أوربا الغربية يُشار إليها كنموذج في الحضارة والديمقراطية تنص على ديانة الدولة ، ويكفي كمثال ما ورد في دراسة الدكتور/ خالد القاضي رئيس المحكمة والمنشورة في أهرام الجمعة 23 فبراير 2007 وهذا نصه "فنجد على سبيل المثال في المادة رقم (1) من دستور اليونان: (المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية) ، وفي المادة رقم (47) ( كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية )، أما دستور الدنمارك فينص في المادة رقم (1) بند (5) (على أن يكون الملك من أتباع الكنيسة

الإنجيلية اللوثرية) وفي المادة (1) بند (3) (أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدنمارك) بينما تنص المادة (9) من الدستور الأسباني على أنه ( يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية) وفي المادة (6) (على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها) ، وفي الدستور السويدي المادة (4) (يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص ) ، كما ينص على ذلك بالنسبة لأعضاء المجلس الوطني ، وبالنسبة لانجلترا نجد في المادة (3) من قانون التسوية ( على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا ، ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستانتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات " أنتهى الاقتباس للدكتور خالد القاضي ، فلقد وجدنا في الأمثلة السابقة نص على دين الدولة بل ومذهبها الديني وكلها أمثلة مسيحية سواء أرثوذكسية أو كاثوليكية أو برتستانتية ، وهناك دول أخرى تنص على دينها ولن نضرب المثل بإسرائيل كدولة دينية ولكن مملكة نيبال هناك في الشرق تنص على أن البوذية هي دين الدولة فلهذا في بلد كمصر تاريخياً منذ الفتح الإسلامي وحتى الآن لا توجد مبرر للنقاش حول دين الدولة بكل المعايير.
اللغة العربية هي اللغة الرسمية :
وكذلك الجزء الخاص باللغة العربية فمنذ دخول العرب مع الإسلام إلى مصر تحول اللسان المصري إلى العربية وأتقنها وظهر بلغاء للعربية من مصر وصارت مصر جزء لا يتجزأ بل والقلب للوطن العربي الكبير ، واللسان العربي هو لسان القرآن والقرآن الدستور المعبر عن الإسلام فتلازم الجميع للتعبير عن الكل ، وأيضاً لم ينازع أحد قديماً منذ الفتح الإسلامي ولا حديثاً حول اللغة العربية كونها هي اللغة الرسمية.
مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع :
هذه هي الجزئية الثالثة من نص المادة الثانية من الدستور ، وهذه المادة كُتبت بهذا النص بغير حروف التعريف (ال) في دستور عام 1971 ، ثم عدلها الرئيس السادات في مايو عام 1981 ليضيف لها حروف "ال" ، فقد كانت "مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع" فجعلها بعد التعديل "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" ، ولقد كانت مصر تحكم وتنظم قوانينها من الشريعة الإسلامية الغراء طوال قرون من غير نص حيث لم تكن هناك نصوص دستورية كما هو الحال بالنسبة لدين الدولة الرسمي وهو الإسلام والذي كُتب كما ذكرت في دستور عام 1923 ، الذي صاغته لجنة من ثلاثين عضواً منهم حوالي

20 % أقباط وواحد يهودي وأغلب المسلمين لم يكونوا ممن يمكن وصفهم الآن بالتيار الإسلامي السياسي كما ذكر المؤرخ العظيم المستشار طارق البشري في مقاله حول هذا

الموضوع في أهرام الأربعاء الماضي 28 فبراير 2007 ، وكون دين الدولة الرسمي الإسلام يتضمن كون الشريعة الإسلامية مصدراً "التشريع" كما ذكر المستشار طارق البشري في مقال الخميس 1/3/2007 في الأهرام حول نفس الموضوع حيث قال نصاً "معنى أن يكون دين الدولة الرسمي أن تكون مرجعيتها الفكرية إسلامية ، وأن تكون هذه المرجعية إنما تترجح من داخلها الأراء والاجتهادات كما أورده الدستور من مبادئ أخرى تتعلق بالمساواة والحقوق والحريات ، وذلك كله في إطار ما تسميه المرجعية الشرعية ، وما تتقبله بأي من وجوه الاجتهاد والفقه المعتبر مما يلائم أوضاع الزمان والمكان وتغير المصالح العامة للأمة . ومعناه أيضاً أن يكون النظام العام الذي تشير إليه القوانين مشمولاً بهذه المبادئ والقيم وما تتوافق عليه الجماعة . وسنلاحظ تاريخياً أن النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، إنما يتضمن إقرار اً بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع ، ومصدرية التشريع تعني مرجعيته وتشير إلى المورد الذي تستقى منها الأحكام ، لأن دين الهيئة إنما يعني مصدريتها ، وإلا كان النص لغواً " انتهى نص المستشار طارق البشري ، وهو يقصد بتعبير دين الهيئة أنه دين الدولة وكان قد رد في المقال الأول على الذين يقولون كيف يكون للدولة وهي شخص معنوي دين وأثبت أن لها دين وهوية ، وقد نقلنا نحن في بداية هذا المقال عن أن دولاً عدة مسيحية في أوربا تنص على دين الدولة ، بل على مذهبها المسيحي فالأمر ليس بدعاً في عالم الدول المتحضرة !!
السؤال المحير لماذا هذه الحملة الآن على المادة الثانية للدستور وخاصة الجزء الخاص بالشريعة الإسلامية ، لماذا صمت كل هؤلاء هذه السنين إن كان هناك مشكلة تثير حفيظتهم ، وما هي هذه المشكلة ؟ وهل استجدت هذه المشاكل بعد كل هذه السنين أو قل القرون إن شئت !!!
هل الأمر يتعلق بشعور عند البعض أن هناك ضغط أوربي وأمريكي للتدخل في ثقافتنا وهويتنا، والدولة في حالة ضعف ، فظنوا أن الوقت مناسب لطمس هوية هذه الأمة واستفزاز مشاعرها ، وإظهار العداء غير المبرر للإسلام كهوية للدولة المصرية وللشريعة كمصدر كان وظل وسيظل بإذن الله مصدراً للتشريع ؟ وكم حجم هؤلاء في الشعب المصري؟ أليس عجيباً أن مسئولي الدولة المصرية رغم سوء تصرفهم في مواد كثيرة من الدستور

يرفضون بشدة المساس بهذه المادة ؟ بالطبع بحكم قرون استشعار الدولة للخطر هم يعلمون أن هذا الأمر هو لعب بالنار ، وقد يلهب فتنة تقضي على الأخضر واليابس.
ولعل تصريح رمز من الكتاب الذي احترمه وهو الدكتور محمد السيد سعيد بإعادة صياغة المادة الثانية من الدستور لتكون (الشريعة الإسلامية والشريعة المسيحية ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي المصدر الرئيسي للتشريع) أصابني بالدهشة فأنا أظن أن

الدكتور محمد يعلم أنه لا توجد شريعة مسيحية حتى يطالب بوضعها في الدستور ، والأغرب من ذلك تلقف قيادة كنسية كبيرة لهذه المقولة وإعادتها مرة أخرى منسوبة للدكتور محمد السيد سعيد ، فإذا كان د. محمد - وأنا أستبعد ذلك - لا يعرف أنه لا توجد شريعة مسيحية فهل هذه القيادة الكنسية لا تعرف ذلك أيضاً ؟ !! ثم عودة لكلام د. محمد فهو يعلم بيقين حيث أنه نائب مدير مركز لحقوق الإنسان أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة دولية للدول التي تصدق عليها أن تقرها إذا أرادت بقرار من برلمانها أو حكومتها ليكون في أحسن الدرجات قانون ، ويعلم أيضاً أن كل الدول العربية والإسلامية حينما صدقت على هذا الاعلان أضافت عبارة بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، لأن هذا الإعلان به بعض النصوص التي تتعارض مع الشريعة ، وهو يعلم أيضاً أن الترتيب التشريعي لأي دولة يبدأ بالدستور وهو أبو القوانين وأن المواد الأولى من أي دستور هي مبادئ تهيمن حتى على باقي الدستور وأن الدستور كله أعلى من القانون وأن القانون أعلى من اللائحة .... إلخ.
فكيف يريد أن يجعل اتفاقية دولية عليها تحفظ من كل الدول العربية والإسلامية فإن يجعلها ليس فقط في الدستور ولكن في مادته الثانية التي هي بمثابة مبدأ دستوري ، مهيمن على باقي نصوص الدستور وموجهة له .
كنت أفهم لو أن البعض طرح تساؤلات أو تخوفات من مواد محددة تؤدي إلى شكوك في أي موقف سواء كانت من ناحية المواطنة أو التساوي في الحقوق والواجبات ، بين أبناء الوطن جميعاً بغير تفرقة على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو المذهب وحيث أن مادار كله بعيد كل البعد عن ذلك فإن هذه الحملة تثير الشك في نوايا من يقف وراءها ، بالرغم من يقيني بأنهم لن يصلوا إلى شيء ، لكنهم يخسرون الأغلبية الساحقة من الرأي العام المصري .




الثلاثاء، 7 أبريل 2009

عظماء تجاهلهم التاريخ : الشيخ سعيد بيران

ثورة الشيخ سعيد بيران



هدمت الخلافة الإسلامية على يد اليهودي كمال أتاتورك، وبقي أغلب المسلمين يتفرّجون، ولم يَدُرْ بخلدهم أن هدم الخلافة يعني هدم الإسلام وغيابه كلّية عن الحياة. لقد كانت مشكلة المسلمين في ذلك الزمن أنّهم لم يميّزا بين القضايا المصيرية التي يجب أن يتخذ في مواجهتها إجراء الحياة أو الموت وبين القضايا الفرعية، لذلك انشغل الخطابي في المغرب عن إعادة الخلافة واتّخذ منها موقفاً سلبياً، ولذلك أيضاً رفض سعيد النورسي مساعدة الشيخ سعيد بيران في ثورته مع أنّه صاحب نفوذ وقوة بتعلّة الاقتتال بين الإخوة.
ولكن الرجل الذي أدرك حقيقة القضية وبعدها المصيري هو الشيخ سعيد بيران رحمه الله، فقد اتّخذ إجراء الحياة أو الموت إزاءها، وطبّق الحكم الشرعي فنابذ الحاكم الذي أدخل الكفر على دار الإسلام، ولم ينشغل بالمؤتمرات والخطابات بل قاتل ودفع حياته وحياة رفاقه ثمناً للحكم الشرعي. فرحم الله الشيخ سعيد بيران ورفاقه.

تمهيد
في سنة 1340هـ - 1921م انسحب اليونان بعد حرب ضروس من أزمير التركية ودخلها العثمانيون. لم يكن هذا الحدث حدثاً عادياً في تاريخ الدولة الإسلامية، إذ أظهر شخصية سيكون لها الدور الأكبر في هدم الخلافة الإسلامية، ألا وهي شخصية مصطفى كمال أتاتورك (1880م – 1938م). فقد ضخّمت الدعاية الغربية بعامة، والإنجليزية بخاصة، الانتصارات المزعومة لأتاتورك، فانخدع به ملايين المسلمين، وتعلّقت به أمالهم لإصلاح أمر الخلافة وإعادة مهابتها، حتى إن الشاعر أحمد شوقي وصفه في قصيدة من قصائده بأنّه "خالد الترك" فجعله شبيهاً "بخالد العرب"، وهو سيف الله المسلول خالد بن الوليد (رضي الله عنه)، فقال:
الله أكبرُ كم في الفتحِ من عجبِِ يا خالدَ التُّركِ جَدِّدْ خـالدَ العربِِ
عاد أتاتورك بعد هذا النصر إلى أنقرة حيث كرّمه "المجلس الوطني الكبير" وخلع عليه رتبة "غازي"، واشتهر عند الناس، وغمرته برقيات الإكبار والتشريف من شتى البلاد الإسلامية، من أفغانستان والهند ومصر وغير ذلك. ثمّ بعد هذا التكريم، انتخبه "المجلس الوطني الكبير" رئيساً شرعياً للحكومة.
وفي سنة 1922م أرسل أتاتورك عصمت إينونو باشا إلى إنجلترا لمفاوضة الإنجليز على الاستقلال. فقال السفير البريطاني (كرزون) لعصمت إينونو باشا عند عقد مؤتمر الصلح في نوفمبر 1922م لما طالبه بمنح الاستقلال لتركيا: "إننا لا نستطيع أن ندعكم مستقلين؛ لأنكم ستكونون حينئذ نواة يتجمع حولها المسلمون مرة أخرى، فتعود المسألة الشرقية التي عانينا منها طويلا". فما كان من أتاتورك إلا أن تعهد للإنجليز بأن يزيل مخاوفهم، وأبلغهم بالموافقة على أي شروط يضعونها كضمانات تزيل تلك المخاوف، فاشترطوا عليه في اجتماع عقد في إبريل 1923م أربعة شروط على لسان السفير البريطاني كرزون، عرفت بعد ذلك بشروط كرزون، وهي:
1 - أن تقطع تركيا صلتها بالإسلام.
2 - أن تقوم بإلغاء الخلافة.
3 - أن تتعهد بالقضاء على كل حركة يمكن أن تقوم لإحياء الخلافة.
4 - أن تحل القوانين الوضعية محل الشريعة الإسلامية، وتضع لنفسها دستوراً علمانياً مدنياً بدلاً من الدستور العثماني المستمد من قواعد الإسلام.
وبموافقة أتاتورك على تلك الشروط عقدت اتفاقية (لوزان) وتركت له إنجلترا كل الأراضي التي كانت قد سلبت من العثمانيين ليظهروه بمظهر البطل صاحب الإنجازات والاستقلال.
نفذ أتاتورك ما أملته عليه إنجلترا من شروط، فاختار لتركيا الجديدة دستور سويسرا المدني، ونجح في إلغاء السلطنة وفصلها عن الخلافة، وبذلك لم يعد للخليفة أي سلطة أو نفوذ، ثمّ استغل أزمة وزارية ونصّب نفسه ضمن أجواء إرهابية قمعية أول رئيس للجمهورية التركية في (18ربيع أول 1342هـ/29 أكتوبر 1923م) وأصبح الحاكم في البلاد.
وفي (28 رجب 1342هـ/3 مارس 1924م) ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة رسمياً، وطرد الخليفة وأسرته من البلاد، وألغى وزارتي الأوقاف والمحاكم الشرعية، وحوّل المدارس الدينية إلى مدنية، وأعلن قيام الجمهورية التركية وإنشاء دولة علمانية، وشنّ حملة واسعة للقضاء على مظاهر الإسلام في البلاد باعتقال العلماء وإغلاق المساجد وغير ذلك.
الحكم الشرعي
خدع كمال أتاتورك العالم الإسلامي كلّه، وأعلن هدم الخلافة الإسلامية وإنشاء جمهورية تركية علمانية، أي ألغى الحكم بالإسلام وأعلن الحكم بالكفر، فما الذي يجب على المسلمين فعله في مثل هذه الحالة؟
الحكم الشرعي في هذه المسألة واضح صريح:
عن أُمّ سَلَمَةَ أنّ رسول اللّهِ (صلى الله عليه وآله وسلم) قَالَ: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لاَ، مَا صَلّوْا». (مسلم) وعَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللّهِ قَالَ: «خِيَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُحِبّونَهُمْ وَيُحِبّونَكُمْ، وَيُصَلّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمّتِكُمُ الّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللّهِ أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ: «لاَ، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ..». (مسلم) وعن عُبَادَةَ بْنِ الصّامِتِ قال: دَعَانَا رَسُولُ اللّهِ فَبَايَعْنَاهُ. فَكَانَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا، أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السّمْعِ وَالطّاعَةِ، فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا، وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا، وَأَثَرَةٍ عَلَيْنَا. وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ. قال: «إلاّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدَكُمْ مِنَ اللّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ». (رواه مسلم والبخاري)
إنّ النظر الدقيق في الأحاديث المذكورة يكشف لنا عن مناطها أي عن الواقع الذي تتنزل عليه الأحاديث لمعالجته. فمناط الأحاديث هو الحاكم بدار الإسلام، أي أن هذه النصوص منصبّة على معالجة مشكلة بدار الإسلام التي يحكم فيها بالإسلام وأمانها بأمان المسلمين.
فالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «سَتَكُونُ أُمَرَاءُ فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ عَرَفَ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ» قَالُوا: أَفَلاَ نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: «لاَ، مَا صَلّوْا» أي في المستقبل من أمركم سيأتي من الأمراء من يرتكب الحرام، فلا تقاتلوهم ما داموا على الحكم بالإسلام وإن فسقوا وأدخلوا من البدع ما يعرف منها وينكر، ولكن قاتلوهم إذا تركوا الحكم بالإسلام؛ لأن قوله «مَا صَلّوْا» وفي رواية «مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ» كناية عن الحكم بالإسلام.
وفي حديث عبادة (صلى الله عليه وآله وسلم): «وَأَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ» أي لا نخاصم أولي الأمر ونختلف معهم حول ولايتهم ووجوب طاعتهم، ولا ننابذهم أي نقاتلهم إلاّ إذا حكموا بكفر صراح لا شبهة فيه.
بناء عليه، فإنّ الحاكم في دار الإسلام إذا حكم بالكفر الواضح الصريح يجب الخروج عليه ومقاتلته حتى يزال منكره أو يتنحىّ. وهذا واضح من قوله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين سأله أصحابه: «أَفَلاَ نُنَابِذُهُمْ بِالسّيْفِ؟ فَقَالَ: «لا، مَا أَقَامُوا فِيكُمُ الصّلاَةَ..». وروي عن ثوبان عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: «استقيموا لقريش ما استقاموا لكم, فإذا لم يفعلوا فضعوا سيوفكم على عواتقكم فأبيدوا خضراءهم, فإن لم تفعلوا فكونوا حينئذ زارعين أشقياء تأكلوا من كد أيديكم1».
فالمسألة إذن واضحة صريحة، فقد كان على المسلمين وقتها أن يقاتلوا كمال أتاتورك ومن معه لأنّهم ألغوا الخلافة، وألغوا الحكم بالإسلام، وأدخلوا حكم الكفر في دار الإسلام.
تخبّط العالم الإسلامي
إنّه لمن المؤسف حقّا أن نقول: إن ردّة فعل العالم الإسلامي لم تكن في مستوى ذاك الحدث العظيم والخطب الجسيم. فبين أيدينا اليوم حقائق تاريخية تكشف لنا عن واقع مرير هو تخاذل أغلب المسلمين في القيام بواجبهم المناط بهم، ألا وهو منابذة من ألغى الخلافة وحكم بالكفر الصراح.
وهذه بعض الأمور التي توضّح حالة العالم الإسلامي قبيل إلغاء الخلافة وبعدها بقليل، وهي تكشف عن مدى التخبّط الذي كان فيه العالم الإسلامي، ومدى عدم وعي المسلمين بحقيقة المشكلة2:
 سبق إلغاء السلطنة وفصلها عن الخلافة دراسة أعدّها جمع من الفقهاء الأتراك تحت عنوان "الخلافة وسلطة الأمة" تضمّنت القول بأن الخلافة مسألة سياسية ولا علاقة لها بالدين، ونصحت الدراسة بتأجيل البحث فيها أو تحويلها إلى مجرد سلطة روحية. وهو ما اعتمد عليه كمال أتاتورك في تبرير موقفه من الخلافة.
 أيّد زعيم الحركة السنوسية (الشيخ أحمد الشريف السنوسي) كمال أتاتورك، وأقرّ الفصل بين السلطنة والخلافة بحجة أن الفصل في مصلحة الإسلام. وفي 28/9/1923م نشر في جريدة الأهرام المصرية بياناً ذهب فيه إلى أن نزع السلطة المدنية من يد الخليفة سيعزز نفوذه الإسلامي؛ لأنه سيصبح زعيماً عاماً وروحياً للأمة كلها!
 كتب الشاعر أحمد شوقي، أشعر الشعراء في تلك الفترة، قصيدة في تبجيل أتاتورك سماها (تكليل أنقرة وعزل الآستانة)، مدح فيها أتاتورك وأقرّ عزل السلطنة عن الخلافة.
 اغتر شيخ الإسلام ومفتي الدولة العثمانية مصطفى صبري بدعوى الإصلاح التي نادى بها الكماليون، فأقرّ عزل الخليفة عبد الحميد في مجلس "المبعوثان"، ثمّ لما تبيّن حقيقة الأمر بعد فوات الأوان قال: «أيدت خلع السلطان عبد الحميد، وبعد ستة أشهر تبين لي أن ثقله السياسي كان يساوي ثقل أعضاء مجلس المبعوثان جميعاً ويزيد».
 عارض عبد الكريم الخطابي (1881 - 1962م) قائد الجهاد ضد الإسبان والفرنسيين في المغرب الدعوة لإعادة الخلافة بعد إلغائها، وكانت تعليمات الخطابي لمندوبه في مؤتمر إعادة الخلافة ألا يؤيد أي مرشح لها.
 كتب عبد الحميد بن باديس (1889م-1940م) زعيم الحركة الإسلامية في الجزائر مقالاً بعنوان: «الفاجعة الكبرى أو جنايات الكماليين على الإسلام والمسلمين ومروقهم من الدين» نشرته جريدة النجاح عدد 152 بتاريخ 28 مارس 1924م، بيّن فيه حسرته على ما آلت إليه الأوضاع، وأن الأمل منصب على مؤتمر الخلافة في مصر. إلا أنّ موقف الشيخ باديس من الخلافة وأتاتورك يتّضح أكثر فأكثر في مقال له نشر في غرة رمضان 1357 هـ، نوفمبر 1938م، تحت عنوان: "مصطفى كمال رحمه الله "، ومما جاء فيه: «في السابع عشر من رمضان المعظم ختمت أنفاس أعظم رجل عرفته البشرية في التاريخ الحديث، عبقري من أعظم عباقرة الشرق، الذين يطلعون على العالم في مختلف الأحقاب فيحولون مجرى التاريخ ويخلقونه خلقاً جديداً، ذلك هو مصطفى كمال بطل غاليبولي في الدردنيل، وبطل سقاريا في الأناضول، وباعث تركيا من شبه الموت إلى حيث هي اليوم من الغنى والعز والسمو... لقد ثار مصطفى كمال حقيقة ثورة جامحة، ولكنه لم يثر على الإسلام وإنما على هؤلاء الذين يسمون بالمسلمين، فألغى الخلافة الزائفة، وقطع يد أولئك العلماء عن الحكم، فرفض مجلة الأحكام واقتلع شجرة زقوم الطرقية من جذورها، وقال للأمم الإسلامية عليكم أنفسكم، وعلي نفسي، لا خير لي في الاتصال بكم مادمتم على ما أنتم عليه... نعم إن مصطفى أتاتورك نزع عن الأتراك الأحكام الشرعية وليس مسؤولاً في ذلك وحده، وفي إمكانهم أن يسترجعوها متى شاءوا وكيفما شاءوا، ولكنه أرجع لهم حريتهم واستقلالهم وسيادتهم وعظمتهم بين أمم الأرض، وذلك ما لا يسهل استرجاعه لو ضاع، وهو وحده كان مبعثه ومصدره، ثم إخوانه المخلصون، فأما الذين رفضوا الأحكام الشرعية إلى (كود) نابليون فماذا أعطوا أمتهم ؟ و ماذا قال علماؤهم؟...»3.
 وفي سنة 1926م أصدر علي عبد الرازق في مصر كتاب "الإسلام وأصول الحكم" يبرّر فيه العلمانية ويقول بفصل الدين عن الدولة، وإن الإسلام لا يشمل نظم الحكم.
 وفي مصر ظهرت دعوة من خلال الأزهر لعقد مؤتمر إسلامي عام لمناقشة مسألة الخلافة الإسلامية، وكان وراء هذه الدعوة الملك فؤاد الذي أبدى رغبته في أن يصبح خليفة. وعقد المؤتمر في التاسع عشر من شعبان سنة 1343هـ الموافق 25/3/1924م أي بعد أيام من إعلان هدم الخلافة المشؤوم. وكانت أهم مقرّراته هي: أولاً: "بيَّن أن ذلك الفعل من المجلس الوطني التركي (بدعة) ما كان المسلمون يعرفونها من قبل، لكن التقرير نبه على أن خلافة عبد المجيد على هذا الشكل ليست شرعية، وأن البيعة له بشرط أن يكون معزولاً عن السياسة لم تكن صحيحة أصلاً، وحتى لو كانت صحيحة فإن عبد المجيد لم يكن يملك النفوذ والقوة المشترطة فيمن يتولى الخلافة، لهذا فإنه ليست له بيعة في أعناق المسلمين لزوال المقصود من تنصيبه شرعاً، واعتبر التقرير أنه (ليس من الحكمة ولا مما يلائم شرف الإسلام والمسلمين أن ينادوا ببقاء بيعة في أعناقهم لشخص لا يملك الإقامة في بلده، ولا يملكون هم تمكينه منها)". ثانياً: خلص المؤتمر الذي شارك فيه علماء الأمة إلى "أنّ العالم الإسلامي أصبح في أزمة بسبب الضجة التي أحدثها الكماليون في تركيا بإلغائهم منصب الخلافة، وجعلوا هذا الاضطراب سبباً في أن (لا يتمكن المسلمون معه من البت في تكوين رأي ناضج في مسألة الخلافة، ولا في من يصح أن يكون خليفة لهم). ومن أجل هذا دعا مؤتمر الأزهر إلى عقد مؤتمر أوسع: (لهذه الأسباب نرى أنه لا بد من عقد مؤتمر ديني إسلامي يُدعى إليه ممثلو جميع الأمم الإسلامية للبت فيما يجب أن تسند إليه الخلافة الإسلامية، وتكون بمدينة القاهرة، تحت رئاسة شيخ الإسلام بالديار المصرية، على أن يعقد في شهر شعبان من 1343هـ ـ مارس 1925م) أي بعد مرور عام كامل من المؤتمر الأول!".
"ولم ينسَ المؤتمرون قبل أن يطووا أوراقهم أن يوجهوا الشكر للأمم غير الإسلامية (الكافرة) التي "راعت" ظروف المسلمين في هذا الظرف العصيب، فلم تتدخل في شؤونهم: (نعلن شكرنا للأمم التي تدين بأديان أخرى غير الدين الإسلامي، ولدول تلك الأمم على ما أظهروه إلى الآن من ابتعادهم عن التدخل في شؤون الخلافة الإسلامية، ونرجو منهم أن يلاحظوا أن مسألة الخلافة مسألة إسلامية محضة لا يجوز أن تتعدى دائرتها، ولا يهتم بها أحد من غير أهلها)".
وعندما حان وقت انعقاد المؤتمر الثاني (1925م) المتمخَّض عن المؤتمر الأوّل (1924م) طفت الخلافات على السطح وادّعى كلّ من الحضور لنفسه الخلافة، فطالب بها الملك فؤاد، وطالب بها الشريف حسين، وطالب بها الملك عبد العزيز بن سعود، بل دبّ الخلاف حول شكل الخلافة ومضمونها وهل تحتاج إلى تعديل أم لا. وتمخّض الجبل فولد فأراً، وتمّ تأجيل المؤتمر إلى السنة القادمة (1926م) الذي فشل بدوره في معالجة المشكلة.
 رفض بديع الزمان سعيد النورسي (1876م-1960م) تقديم المساعدة للشيخ سعيد بيران في حربه لإعادة الخلافة سنة 1925م. وعندما جاءه حسين باشا مندوب الشيخ سعيد بيران يدعوه إلى المشاركة في الثورة ضد سياسة مصطفى كمال أتاتورك العلمانية ولإعادة الخلافة وتطبيق الشريعة قال له النورسي في حواره: ومن ستحارب؟
قال حسين باشا: سنحارب مصطفى كمال.
قال سعيد النورسي: ومن هم جنود مصطفى كمال؟
قال حسين باشا: إنهم جنود!
قال سعيد النورسي: إن جنوده أبناء هذا الوطن، هم أقرباؤك وأقربائي، فمن نقتل؟ ومن سيقتلون؟ فكر .. وافهم. إنك تريد أن يقتل الأخ أخاه4.
ثم أرسل النورسي رسالة إلي الشيخ بيران جاء فيها: «إن ما تقومون به من ثورة تدفع الأخ لقتل أخيه ولا تحقق أية نتيجة، فالأمة التركية قد رفعت راية الإسلام، وضحت في سبيل دينها مئات الألوف بل الملايين من الشهداء، فضلاً عن تربيتها ملايين الأولياء، لذا لا يُستل السيف على أحفاد الأمة البطلة المضحية للإسلام، الأمة التركية، وأنا أيضًا لا أستلُه عليهم».
هذه بعض الأمور التي تثبت مدى تخبّط الأمة في تلك الفترة، وفشلها في معالجة الأزمة بل المصيبة العظمى والطامة الكبرى التي حلّت بها.
مواقف مشرفة
رغم حالة التّخبط التي شهدتها الأمة الإسلامية قبيل هدم الخلافة وبعدها، فقد كان فيها من الرجال من انبرى للدفاع عن الخلافة والانتصار لها بالقلم والسيف.
فمن الرجال الذين ساندوا الخلافة الشيخ محمد الخضر حسين (1876م-1958م) حيث وقف قلمه ولسانه إلى جانب الدولة العثمانية، وظلّ وفيا لها إلى أخر لحظة. ولما أصدر علي عبد الرازق (1926م) كتاب "الإسلام وأصول الحكم" نهض الشيخ لتفنيد دعاوى هذا الكتاب فأصدر كتابه: "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم".
ومن الرجال أيضا الشيخ مصطفى صبري (1869 ـ 1954م) آخر شيوخ الإسلام المفتين في الدولة العثمانية الذي أصدر كتاباً بعنوان: (الرد على منكري النعمة من الدين والخلافة والأمة) فكان صوت صدق وحقّ في وجه أعداء الخلافة، كشف أتاتورك بعد أن خدعه وبيّن خبثه، كما كشف المؤامرات التي كانت تحاك ضدّ الدولة.
إلا أنّ الرجل الذي يستحقّ كلّ التبجيل والتكريم، هو الرجل الذي حمل سيفه في وجه أتاتورك ومن لفّ لفّه، وقاتل من أجل إعادة الخلافة، ألا وهو الشيخ سعيد بيران رحمه الله تعالى.
الشيخ سعيد بيران
ولد الشيخ سعيد بن الشيخ محمود بن الشيخ علي في قضاء (بالو) بولاية "آلازغ" الكردية سنة1865م، و كان جده الشيخ علي قد استقر في (بالو) ونسب إليها. تلقى الشيخ سعيد تعليمه الأولي على يد والده وبعض مريديه، حيث تعلم أصول القراءة والكتابة، ثم درس الفقه والشريعة الإسلامية والتاريخ، وبعد أن أنهى دراسته منح شهادات الإجازة والتدريس لطلاب العلم. وبعد وفاة والده انتقلت إليه الزعامة، وأصبح مرشداً للطريقة النقشبندية في (بالو)، وقد بلغ عدد مريديه وأتباعه أكثر من عشرة ألاف، كان من بينهم العديد من الترك، أما البقية فكانوا من الكرد.
لم يكن الشيخ شيخاً تقليدياً كما عهد عن المشايخ في ذلك الزمن، بل كان عالماً مجدداً بليغاً غير مؤمن بالخرافات التي كان الناس يرددونها عن المشايخ وقدراتهم وكراماتهم، فلم يقبل تقبيل يديه أو الانحناء له وتواضع للناس. وقد كان مجلسه العلمي يعج بالمثقفين والعلماء والرجال الشجعان، وبذل جهوداً جبارة في سبيل نشر العلم والمعرفة بين الناس. وقد مارس الشيخ سعيد النشاط السياسي منذ تأسيس الجمعيات والمنظمات الكردية بين أعوام 1908-1923م، وكانت له صلات وثيقة مع العائلات الكبيرة كعائلة بدرخان بك وعائلة الشيخ عبيد الله النهري، بالإضافة إلى الزعماء السياسيين المعاصرين له.
وقد اشتهر الشيخ باسم سعيد بيران نسبة إلى (بيران)، وهي قرية صغيرة تقع قريباً من (بالو) وفيها حدثت أوّل مواجهة بينه وبين جنود أتاتورك.
أحداث ثورة الشيخ سعيد
فيما يلي نذكر أهمّ الأحداث التي شهدتها ثورة الشيخ سعيد بيران5:
نوفمبر 1924م: سافر علي رضا، نجل الشيخ سعيد بيران، إلى حلب، عبر ديار بكر، للتنسيق، بصورة نهائية، مع القادة الأكراد الآخرين عن تنظيم انتفاضة، وانعقد هناك مؤتمر، شارك فيه عدد كبير من الشخصيات الكردية، في تركيا والعراق وسورية.
ديسمبر 1924: ألقت الحكومة التركية القبض على خالد جبرانلي، كما تم اعتقال حاجي موسى ويوسف ضيا، من جمعية آزادي (الاستقلال)، فرد الأكراد على ذلك، باختيار الشيخ سعيد بيران رئيساً لجمعية (استقلال كردستان)، كما تم تحديد موعد بدء انتفاضة للأكراد، تحت قيادة الشيخ سعيد، يوم العيد القومي للأكراد "النيروز" الموافق 21 مارس 1925.
8 فبراير 1925: بدأ الشيخ سعيد بالتحرك الميداني، فقام بزيارة للولايات الشرقية، وأثناء جولته التفقدية في بيران وزيارته لأخيه عبد الرحيم، وصلت قوة عسكرية تركية بقيادة الملازم أول حسني أفندي؛ للقبض على عدد من الأكراد، إلا أن أكراد بيران رفضوا تسليمهم، فوقع صدام مسلح، كان نتيجته قتل عدد من الجنود الأتراك، وأسر بعض الضباط، ومنهم حسني أفندي.
11 فبراير 1925: قام طاهر بيران، الشقيق الثاني للشيخ سعيد، بالاستيلاء على البريد، من ليجه إلى قرية سيردي، ووصل على رأس وحدة تضم 200 مقاتل إلى كينجو، وسلم الشيخ سعيد الوثائق والأموال، التي استولى عليها. وأصبحت هذه الأحداث هي البداية الحقيقية لحركة الشيخ سعيد بيران وبهذا بدأت الانتفاضة، قبل الموعد، الذي كان محدداً لها بحوالي 41 يوماً.
14 فبراير 1925: سيطر الثوار، على محافظة كينجو سيطرة تامة، ووقع المحافظ والموظفون الأتراك في الأسر، كما تولى فقه حسن، رئيس عشيرة مودان، محافظاً جديداً في كينجو، وتم إصدار قانون استثنائي، يحمل توقيع الشيخ سعيد، يقضي بأن تكون كينجو عاصمة مؤقتة لكردستان، وانتقلت السلطة الدينية والمدنية إلى الشيخ سعيد، وأرسلت جميع الضرائب والأسرى إلى كينجو، كما أصدر الثوار نداء أعلنوا فيه إلغاء ضريبة العُشر الصعبة، ودعوا السكان، بدلاً من ذلك، إلى تقديم المؤن للثوار، مما لاقى استحساناً واسع النطاق، بين صفوف الجماهير الواسعة.
22 فبراير 1925: عقد مجلس الوزراء التركي جلسة طارئة، في وقت متأخر من ليلة 22 فبراير وحتى صباح اليوم التالي، وشارك في الاجتماع رئيس الأركان فوزي باشا، وأفضى الاجتماع إلى إعلان حالة الطوارئ، في منطقة الانتفاضة، ووضعها تحت الأحكام العرفية، لمدة شهر كامل، حتى يستطيع الجيش التركي مقاومة انتصارات الانتفاضة.
25 فبراير 1925: قام مجلس العموم في البرلمان التركي، بتعديل المادة (1) من قانون العقوبات عن خيانة الوطن، والذي سن في 15 أبريل 1923، (القانون 556) إلى النص التالي: "منع تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، وكذلك استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبار الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات خونة".
28 فبراير 1925: تقدمت الانتفاضة بشكل سريع على الأرض، والتف حولها آلاف من كل جانب، فاستولت على ليجة وخاني، وانضم إليها قوات صالح بك، وفصائل حاجي حسن وعمر فارو، وعشائر مستيان وبوتاني في جنوبي (جابكجور)، وكذلك انضم للانتفاضة فصيلة كبيرة تابعة للشيخ شمس الدين في ضواحي ديار بكر، وبلغ عدد الفصائل الكردية زهاء 20 ألف مقاتل، مما أربك الحكومة التركية، وأثار الذعر بين قياداتها.
2 مارس 1925: استقالت حكومة فتحي بك في أنقرة، وفي اليوم التالي مباشرة ترأس عصمت باشا الحكومة الجديدة، وشدد في برنامجه، الذي ألقاه بمجلس الأمة التركي الكبير، على ضرورة القضاء على مثيري الاحتجاجات، واستتباب الأمن في البلاد، وبمقتضى هذا البرنامج، أعدت الحكومة تدابير عسكرية، لقمع انتفاضة الشيخ سعيد.
4 مارس 1925: سن مجلس الأمة القانون الرقم (578)، الخاص بالحفاظ على النظام، والذي يمنح السلطات صلاحيات واسعة لمحاربة الحركات الشعبية، وأي نشاط معارض، ويسمح باستخدام جميع التدابير المقرونة بحالة الطوارئ، كما اتخذ مجلس الأمة قراراً بتشكيل محكمتين للاستقلال: واحدة منهما لعموم تركيا، مقرها الدائم أنقرة، وتتمتع بصلاحيات محدودة (كان لا بدّ من مصادقة مجلس الأمة التركي في حالة إصدار أحكام الإعدام)، والثانية في الولايات الشرقية، وتتمتع بصلاحيات مطلقة.
11 مارس 1925: أمر الشيخ سعيد بشن هجوم على ديار بكر من جميع الجهات، لكن القوات التركية المتفوقة عدداً وعتاداً، سيطرت على الموقف، فأصدر الشيخ سعيد أوامره بالانسحاب والتراجع نحو (درخاني).
أواخر مارس - أول أبريل 1925: استطاعت القوات الحكومية شن هجوم على منطقة الانتفاضة، من الشمال والجنوب والجنوب الشرقي، في آن واحد، وقاد القوات التركية الجنرال كمال الدين سامي باشا، ولم يجد الثوار مفراً سوى التراجع، في أول أبريل، باتجاه بالو. وفي نفس الوقت كانت القوات التركية قد أصدرت بياناً، وعدت فيه بمنح مكافأة، قدرها ألف ليرة ذهبية، لمن يلقي القبض على الشيخ سعيد، و700 ليرة ذهبية، لمن يأتي بجثته حتى بعد وفاته. وكان ذلك بداية تحول في المعارك لمصلحة القوات التركية وبداية انهيار الانتفاضة.
6 أبريل 1925: اضطر الشيخ سعيد، يرافقه 300 فارس، إلى التراجع نحو سالهان.
أواسط أبريل 1925: تمت محاصرة القوات الرئيسية للانتفاضة، وتحطيمها في وادي كينجو، وتم إلقاء القبض على قادتها، وعلى رأسهم الشيخ سعيد، والشيخ علي، والشيخ غالب، ورشيد آغا، ومحمد آغا، وتيمور آغا، وبذلك تم القضاء عملياً على انتفاضة الشيخ سعيد.
13 أبريل 1925: تم اعتقال سيد عبد القادر، ونجله سيد محمد، وكور عبد الله سعدي، وزعماء عشائر هوشينان.
14 مايو 1925: بدأت محاكمة عدد كبير من الثوار، الذين شاركوا في انتفاضة الشيخ سعيد، وقد حكم على عدد منهم بالإعدام في 27 مايو، وأودع الآخرون بالسجون.
29 مايو 1925: بدأت محاكمة الشيخ سعيد، التي استمرت شهراً كاملاً، وكان معه في قفص الاتهام، الشيخ عبد الله، والشيخ إسماعيل، والشيخ عبد اللطيف، والرائد قاسم إسماعيل، وحاجي خالد عبد الحميد، والشركسي رشيد، وعدد آخر من قادة الانتفاضة.
29 يونيه 1925: صدر الحكم بالإعدام شنقاً على الشيخ سعيد ورفاقه.
30 يونيه 1925: نفّذ حكم الإعدام على الشيخ سعيد ورفاقه في ساحة المسجد الكبير بمدينة ديار بكر. وأمام حبل المشنقة قال الشيخ: "إن الحياة الطبيعية تقترب من نهايتها ولم آسف قط عندما أضحي بنفسي في سبيل الله، إننا مسرورون لأن أحفادنا سوف لن يخجلوا منا أمام الأعداء".
أسباب الثورة الحقيقية
تكاد تجمع مصادر التاريخ على واقعة هي: «عندما تم اعتقال بعض قادة جمعية آزادي الوطنية الكردية في خريف عام 1924م، تم اختيار الشيخ سعيد رئيساً للجمعية التي عقدت مؤتمراً في تشرين الثاني 1924م في حلب حضره علي رضا ابن الشيخ سعيد ممثلاً عن والده إلى جانب معظم القادة الكرد في تركيا وسوريا، وقرر المشاركون القيام بانتفاضة شاملة لنيل الحقوق القومية الكردية ومقاومة سياسة أتاتورك العنصرية، على أن تندلع في يوم 21 آذار1925م (العيد القومي الكردي- نوروز)».
هذه الواقعة أوجدت بعض اللبس حول أسباب ثورة الشيخ سعيد بيران، إذ ظن بعض الناس أن الشيخ قاد الثورة من أجل حقوق الأكراد القومية، وهو ما ادّعته الحكومة الكمالية وأعلنته أثناء محاربتها للشيخ، وهو ما تدّعيه بعض الحركات الكردية القومية إلى يومنا هذا إذ نسبوها إلى حركة (آزادي) و(جمعية تعالي وترقي كردستان) وهو أيضاً ما ركّز عليه بعض المستشرقين في كتاباتهم التاريخية عن الثورة6.
فالشائع عنها إذن بأنها ثورة قومية للحركة الكردية، إلا أن الوثائق التي ظهرت في السنين الأخيرة أثبتت إسلاميتها وقيامها لأجل إعادة الخلافة وتطبيق الشريعة، علماً أن الحكومة التركية منذ قيام الثورة إلى سنة (1977م) كانت تعتبر وثائق حركة الشيخ سعيد بيران وثائق سرية، ولكن ظهرت في الثمانينات والتسعينات دراسات ووثائق جديدة تبيّن حقيقة الثورة وأهدافها7.
وقد كشفت الوثائق أن لا علاقة تنظيمية بين الشيخ سعيد بيران وحركة آزادي الكردية، ذلك أن قائد حركة آزادي (خالد بيك جبرانلي) كان أحد قادة الألوية الحميدية، وكان من دعاة الجامعة الإسلامية ومن أقرب المقربين إلى السلطان عبد الحميد، وكان عديلاً للشيخ سعيد بيران، وعندما طلب من الشيخ سعيد المثول أمام المحكمة أثناء محاكمة خالد جبرانلي ورفاقه ظهر أن النظام الكمالي يريد اتهامه ومحاكمته وأن مسألة اعتقاله أصبحت وشيكة، لذلك قرر المواجهة وإعلان الثورة بعد أن عبأ لها شيوخ القبائل الكردية وأرسل برسائله ورسله إلى الشخصيات المسلمة الكردية المعروفة وطاف بينهم لفضّ النزاعات وتوحيد الصفوف.
وقد اضطر الشيخ للمواجهة المبكرة قبل الإعداد المطلوب، وانتخب رئيساً (لآزادي) بعد اعتقال قادتها لما توسم فيه الناس من حكمة ودراية وأمانة.
وهكذا خاض الثوار بقيادة الشيخ سعيد بيران الثورة ضد الحكم الكمالي، وكان خطاب الثورة خطاباً إسلامياً صرفاً، وأعلن الشيخ «حركته باسم الله واتخذ له راية خضراء هي راية النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما حمل شعاراً: لتحيا الخلافة ولتسقط الجمهورية، وكان يتلقّب بخادم المجاهدين8».
وقد نشرت وثيقة لجلسة سرية لمجلس أركان الحرب التركي تبيّن فيها من خلال الوثائق وشهادات الشهود بأن ثورة الشيخ سعيد كانت ثورة إسلامية بحتة تهدف إلى إعادة الخلافة و تطبيق الشريعة وعُمّم ذلك القرار المرقم (1845) على جميع الإدارات الحكومية المعنية.
ولكن حاولت الحكومة الكمالية تشويه الحركة ووصمها بأنها قومية، فعمدت إلى محاكمة قادة الحركة القومية مع الشيخ سعيد ورفاقه، وذلك لإثارة النعرة الطورانية عند القوميين الأتراك، ولعزل الثورة عن المسلمين في تركيا وبقية العالم. إضافة إلى هذا فقد اتهمت الحكومة الكمالية الثورة بالعلاقة بالجهات الأجنبية مع أن الثابت أن الإنجليز والفرنسيين ساعدوا الحكومة الكمالية على قمع الثورة؛ فقد استعملت الحكومة الكمالية المدفعيات الإنجليزية في قصف مواقع الثوار، كما طلبت السلطات التركية في بداية شهر آذار1925م من الحكومة الفرنسية السماح لها بمرور أربعة قطارات يومياً على الخط الحديدي بغداد من أجل نقل من20.000 حتى 25.000 رجل مع عتادهم إلى ساحة العمليات وفي نهاية أيار 1925م طلبت الحكومة التركية مرة أخرى من الحكومة الفرنسية السماح لها بمرور تعزيزات عبر سورية على الخط الحديدي بغداد، ورحبت بذلك فرنسا.
وممّا يؤكد أن الثورة كانت إسلامية من أجل الخلافة أن مجلس العموم في البرلمان التركي، قام في 25 فبراير 1925 بتعديل المادة الأولى (1) من قانون العقوبات عن خيانة الوطن الذي سن في 15 أبريل 1923، (القانون 556) إلى النص التالي: "منع تكوين المنظمات السياسية على أُسس دينية، وكذلك استخدام الدين في سبيل تحقيق الأهداف السياسية، واعتبار الأشخاص القائمين بمثل هذه الأعمال أو المنتسبين إلى مثل هذه التنظيمات خونة". فهذا يدلّ على أنّ الحكومة الكمالية نفسها تعترف بإسلامية الثورة لذلك عدّلت القانون بما يتناسب والظرف.
ومما يقطع أيضا بأن الثورة كانت ثورة من أجل إعادة الخلافة وتطبيق الشريعة ما جاء في وثائق محاكمة الشيخ سعيد. فقد اتّهمه القاضي بأنّ دوافع تحركه قومية، فقال: "يشهد اللَّه أن الثورة لم تكن من صنع السياسيين الكرد - يعني القوميين- ولا من تدخل الأجانب".
وعندما سئل: هل تريد أن تصبح خليفة؟
أجاب: إن وجود الخليفة ضمانة أساسية لتطبيق قواعد الدين وإن المسألة مطلوبة شرعاً.
وسئل: هل كان إعلانكم للعصيان يعني أنكم وصلتم إلى قناعة تامة بأن الشريعة غير مطبقة في البلد؟
أجاب: إن الكتاب يؤكد على الخروج على الحاكم في الظروف التي أشرنا إليها أعلاه، وتطبيق الشريعة يعني منع القتل والزنا والمسكرات ... الخ وبحمد اللَّه كلنا مسلمون ولا يجب التمييز بين الكرد والترك وحسب اعتقادنا أن هذه الأمور حالياً متروكة، إننا انطلقنا من هذه القناعة وعلى أساس القرآن الكريم.
ـــــــــــــــ
(1) رواه الطبراني في الصغير والأوسط، ورواه الروياني في مسنده، وأبو بكر بن الخلال في السنة. وقال ابن حجر في فتح الباري (ج15 ص10): "ورجاله ثقات، إلا أن فيه انقطاعا لأن رواية سالم بن أبي الجعد لم يسمع من ثوبان. وله شاهد في الطبراني من حديث النعمان بن بشير بمعناه".
(2) ينظر مقال عبد العزيز كامل (نظرات في منازلة النوازل (2) العلمانية.. «إمبراطورية النفاق» من مهد الطريق؟!)، مجلة البيان، السنة الثامنة عشرة، العدد 195ذو القعدة 1424هـ/يناير 2004م.
(3) ينظر مقال: (عبد الحميد بن باديس وأزمة التخلف الحضاري في الجزائر)، للدكتور محمد الأمين بلغيث، على موقع الإمام عبد الحميد بن باديس.
(4) ينظر كتاب (الإمام النورسي والتعامل الدعوي مع القوميات)، الدكتور ليث سعود جاسم، ص70
(5) ينظر (الأكراد والمشكلة الكردية) ضمن (موسوعة مقاتل من الصحراء)، الإصدار السابع، 2006م.
(6) ينظر مثلا:
The Emergence of Kurdish Nationalism and the Sheikh Said Rebellion, 1880-1925
By Robert Olson, University of Texas Press, Austin
(7) ينظر دكتور عثمان علي، (حركة الشيخ سعيد)، مجلة آلاي إسلام، العدد 3، السنة 11: 10 – 13 و (إشكالية في انتفاضة الشيخ سعيد بيران)، مجلة آلاي إسلام، العدد 4، السنة 11: 23 – 27 وآزاد كرمياني، (محاكمة الشيخ سعيد بيران أمام محكمة الاستقلال)، مجلة آلاي إسلام، العدد 3، السنة 11، 1418هـ – 1997م.
(8) ينظر (الحركة الإسلامية الحديثة في تركيا)، لمصطفى محمد، ألمانيا الغربية (1404هـ – 1984م)

http://www.al-waie.org/issues/234-235/article.php?id=388_0_31_0_C