الأحد، 6 أبريل 2008

الحقيقة الغائبة


المستشار طارق البشري **
17/01/2005
المستشار طارق البشري
موضوع السيدة وفاء قسطنطين بتعين أن يبقي مما نفكر فيه ونتداول الأمور بشأنه ونستخلص الدلالات ونتبين المواقف، ويتعين ألا يتجاوزه الاهتمام العام حتى تتحدد الأوضاع وتتضح وتتأكد ضوابط العلاقات بين الجماعات المتنوعة بعضها البعض، وبين كل منها والجماعة الوطنية العامة؛ لأن الأمور في هذا الحدث اضطربت واختلطت على نحو بدا فيه للمعتدي أنه معتدى عليه، ومارس فيها صاحب السلطة سلطته إنفاذا لمشيئة غيره، وانحسرت فيها سيادة الدولة عن بعض رعاياها وبعض أقاليمها.
ونحن نرجو أن تقوى هيئات المجتمع الأهلي جميعا، وأن يرفع عنها من إصر الدولة المركزية الذي يشل فاعليتها ويخنق وجودها، وأن تقوى إمكانات الإدارة الذاتية لشئونها ولشئون أعضائها وأن يكون لها عصمة تحقق إرادتها الذاتية في هذه الشئون الخاصة بها، وأن تقف سلطات الدولة المركزية من دون الطغيان على هذا الوجود الذاتي والتحقق لإرادته وفاعليته في نظامه الخاص المضروب. ولكن لا يدخل في إطار فاعليات المجتمع الأهلي قط أن يكون لواحدة من هيئاته سلطة الإمساك بالناس وتحديد إقامتهم وحفظهم في أماكن خاصة تسيطر عليها هذه الهيئات من دون الدولة المركزية، لأن هذا الإمساك والحفظ وتحديد الإقامة هو من ممارسات استخدام العنف المادي ومن ممارسات الجبر والقهر، وهو من خصائص الدولة ومؤسساتها، بمعنى أنه يتعين أن يكون وقفا واحتكارا للدولة وحدها، ولا يوجد فكر سياسي ولا فكر دستوري أو قانوني يمكن أن يسمح بأن تكون واحدة من هيئات المجتمع الأهلي ممن يمارس هذه السلطة من دون الدولة على ذات المواطنين، ولا ممن يشارك الدولة في إعمالها عليهم.
لذلك يتعين أن نقف أمام الحدث الماثل طويلا، وألا تحيد أعيننا عن النظر إليه حتى تنجلي الغمة التي تحيط بنا الآن.
وخلاصة الأمر العجيب الذي دار أمام أعيننا أن دولة مستبدة، وذات سلطات طليقة فيما تمارسه على مواطنيها من هيمنة وجبروت، هذه الدولة وهنت وضعف منها العزم، فبدل أن يجيء وهنها لحساب التحول الديمقراطي العام أعطت جزءا من استبدادها لهيئة خاصة هي الإدارة الكنسية القبطية الأرثوذكسية، لتمارسه هذه الإدارة على من يتبعونها استبدادا بهم وطغيانا، بغير مسوغ تشريعي أو دستوري أو اعتراف من فكر سياسي يمكن من ذلك.
"الحق القانوني"
والقارئ يعرف القصة، وهي أن الإدارة الكنسية طلبت تسليم مواطنة إليها، فصدر القرار بتسليمها إليها، ولم نعرف عن هذه المواطنة شيئا ولا تعرف الدولة عنها شيئا بوجه رسمي معروف. والأكثر من ذلك أن الإدارة الكنسية وبعضا من المطارنة اعتبروا أن هذا حق قانوني لهم، وما أكثر ما ترد في أقوال حضراتهم للصحافة المقروءة على مدى شهر ديسمبر المنقضي، أنهم طالبوا بالسيدة "وفاء" لأنه حق قانوني لهم، ومن أمثلة ذلك "بمجرد أن اختفت طالبنا بحقنا القانوني في مقابلتها وإسداء النصائح..."، "الكنسية القبطية كانت تطالب بحقوق أولادها القانونية ليس إلا"، "كنا نتحدث عن قانون يتماشى مع حقوقنا وطالبنا بتفعيله"، "نحن كنا نطالب بحقوقنا".
وجاء ما اعتبر إيفاء لهذا الحق بأن أسلمت الدولة السيدة وفاء لرجال الكنيسة، ومورست عليها الحقوق المقول بها بأن حجزت في بيت المكرسات بعين شمس ثم بدير رهبان الأنبا بيشوي.. ولم يؤذن لأحد من خارج رجال الإدارة الكنسية أن يلتقي بها ولا أذن لها أن تلتقي "بالنيابة العامة" في غير صحبة رجال الكنيسة، ومضى على ذلك حتى الآن من الوقت والأسابيع ما يجعله حبسا بغير حكم ولا قرار ولا مسوغ من قانون ولا مستند من شرعة. ومن هنا يظهر أن الإدارة الكنسية مارست سلطة ضبط واعتقال.
من جهة أخرى، فإن أحداث التظاهر في ساحة الكاتدرائية وما تلاها من اشتباك بين بعض شباب المتظاهرين والشرطة كان مما أسفرت عنه من إصابات متبادلة أن ألقت الشرطة القبض على 34 من الشباب، ومن هنا بدأت الإدارة الكنسية تطالب بالإفراج عنهم، وإن غبطة البطريرك لن ينهي اعتكافه إلا بعد هذا الإفراج، ولم ينه الاعتكاف فعلا إلا بعد الإفراج الأولي عن 13 شخصا ثم أفرج عن 10 أشخاص، وهكذا لم يحل قداس عيد الميلاد في 7 يناير إلا وكان الإفراج قد تم كله بالطريقة التي ترضي البطريرك، وأنا لا أتكلم هنا عن إجراءات القبض والإفراج، ولا عن حق الجماعات في التظاهر، إنما أتكلم عن سلطة الإدارة الكنسية في أن يكون "من حقها" هي أن تطالب وأن تكون هي الممثل للمواطنين أمام دولتهم، فتكون وسيطا "قانونيا" بين الدولة ومواطنين بها، ويقال دفاعا عن ذلك: "نحن متأكدون أن هؤلاء الشباب أخذوا من الطريق العام ولم توجه إليهم أي دلائل إدانة" (المقتطفات السابقة من حديث نشرته صحيفة "آفاق عربية" لغبطة الأنبا موسى أسقف الشباب في 23 ديسمبر 2004)، بمعنى أن الإدارة حققت الأمر وتأكدت من البراءة وهي تطلب الإفراج لأنها رأت ذلك، فالبحث كنسي والقرار كنسي وعلى الدولة أن تنفذه.
"حقوق" ومكاسب الإدارة الكنسية
ومن هنا، فإن الإدارة الكنسية تمارس "الحق" في القبض والحق في التحفظ، كما تمارس "الحق" في إصدار قرار الإفراج وتضغط لتنفيذه على أجهزة الدولة المختصة بالتحقيق وإصدار القرارات في هذا الشأن. وإن هذا الذي تقوم به الإدارة الكنسية هو ممارسة العمل السياسي بكل أبعاده، وإن أغلب المراقبين لهذا الحدث ولغيره من قبله يعرفون أنه سياسة في سياسة، بالطلب وبالضغط وبالممارسة المباشرة. والأكثر من ذلك أنه لا تقوم في مصر الآن مؤسسة سياسية غير الدولة تمارس السياسة بهذا التأثير وهذه الفاعلية، كما لا يوجد من هذه المؤسسات من يحصل على المكسب بعد المكسب غير الإدارة الكنسية، رغم أنها تنفي بشدة أنها تشتغل بالسياسة، وتغضب على من يرميها بهذه التهمة، ورغم أنها تقف بشدة ضد كل من يطالب بإنشاء حزب مسيحي في مصر، وهي بوقوفها ضد نشأة الأحزاب ذات المرجعية الدينية تصادر ما عسي أن يظهر من معارضة مسيحية لها بين الأقباط في صورة حزب سياسي يضم المدنيين من المواطنين المسيحيين وتحتكر وحدها ما ترى وجها لممارسته من أعمال السياسة.
والأخطر من ذلك أن نشاط الإدارة الكنسية في هذه الفترة الأخيرة يجاوز في العمل السياسي ما يمكن أن تصنعه الأحزاب السياسية لأن الأحزاب السياسية تدعو بدعواها السياسية وتحاول أن تجمع الأنصار ليكون لها سهم في رسم سياسة الدولة وتنفيذها، أو يكون لها وحدها أن تتولى إدارة الدولة تنفيذا لسياسة هذه الأحزاب، ومن ثم فالأحزاب تعمل لتستطيع بالعمل السياسي اعتلاء الدولة وقيادتها، ولكنها لا تمارس السلطة السياسية من دون الدولة ولا تشارك الدولة في ممارسة السلطة السياسية على المواطنين كلهم أو بعضهم، ولذلك فإن الدعاوى الأخيرة التي وردت في مطالبات رجال الكنيسة وممارساتهم قد جاوزت النشاط الحزبي المطالب "بالسلطة" إلى نوع من النشاط "يمارس السلطة" أو أنه يدعي لنفسه الحق في ممارستها على أهل دينه من مذهبه، وعلى من يخرج منهم إلى دين آخر، أو مذهب آخر. نحن هنا أمام ممارسات يدعي ممارسوها أو المطالبون بها بوصفها حقا لهم أنهم ممثلون لجماعة سياسية.
سلطات "العصور الوسطى"
هنا وجه الخطورة التي يتعين أن نقف عندها طويلا، ولعل ضعف التكوين الفكري السياسي وضعف المعارف التاريخية والاجتماعية هو ما أوقع حضرات المتحدثين في كافة الصحف من المطارنة ومما نقل عن البطريرك من تصرفات وأقوال وتعبيرات عن الغضب، أوقع حضراتهم في هذا المأزق، فطالبوا بأمور وعبروا عن مواقف من شأنها أن تستدعي كل هذه التداعيات التي سبق ذكرها. وقد نلتمس العذر للسادة المطارنة والقسوس الذين تكلموا بهذه الطريقة إن ظهر أنهم لم يكونوا يقصدون كل هذه المعاني ولكن يظل ما يطالبون به من حق لهم في الإمساك بأي مواطن مسيحي وممارسة ضبطه ووضعه في مكان من أماكن الكنيسة ليستمع إلى "النصح والإرشاد" وهذا المطلب يمكن أن يتطور من أنه يتعلق بمن يريد أن يبدل دينه إلى كل من لا ترضى عنهم الكنيسة من مسيحيين تابعين لمذهبها ومعارضين لممارساتها في أي شأن، ونحن نعرف من أحداث التاريخ والحاضر أن البطاركة يصدرون قرارات "الحرم" والإبعاد من الكنيسة؟ وما يتتبع ذلك من مركز ديني يصل إلى منع الصلاة عليه بعد وفاته، و"الحرم" قرار ديني فإذا عزز "بالنصح والإرشاد" بوصفه إجراء يقتضي "الضبط والإحضار" فقد صار الأمر أمر سلطة ذات قرار دنيوي.
والغريب أن هذه السلطة لم تملكها الكنيسة المصرية قط -فيما نعلم- منذ دخول المسيحية مصر في القرن الأول للميلاد، وأن كنيسة الفاتيكان في روما هي وحدها من كان يملك مثل هذه السلطات في العصور الوسطى التي ولت من قرون عديدة، والتي يسميها الأوربيون بعصور الظلمات. هذا الذي سماه الأوربيون عصور الظلمات صار هو ما تنشده الإدارة الكنسية في مصر الآن، ولأول مرة في تاريخها وهو ما تستخلصه بالضغط على الدولة وتصنعه بالواقع الفعلي و"بالسوابق" العملية ثم تسميه إنه "حق" وإنه "القانون".
إن ما يسبب القلق والإحساس بالخطر، أن مثل هذه المطالب تتدرج في الصعود، وأنها يصاحبها تشكل ثقافي من شأنه أن يفرز القبط بوصفهم جماعة عن الجماعة الوطنية العامة، وتبدو هنا الإدارة الكنسية بوصفها قوّامة على الشأن القبطي. إن كتاب الراهب القمص أنطونيوس الأنطوني عن تاريخ الكنيسة القبطية هو من الأعمال الثقافية التأسيسية الدال على هذا التشكل الثقافي الانعزالي. وإن من يتابع صحيفة "وطني" الأسبوعية يستدل منها على هذا التشكل، والكتاب المذكور أعده راهب قمص وهو يهديه إلى الأنبا شنودة الثالث بحسبانه "نبتا من غرسه النامي" والصحيفة يكتب فيها أسبوعيا الأنبا شنودة وعدد من السادة المطارنة، فهذه التوجهات السياسية والثقافية مؤيدة من رجال الإدارة الكنسية، وهي تثير الظنون حول ما يعلم ويدرس، ويربي به الشباب القبطي داخل الكنائس مما لا يتاح لنا معرفته، ولكننا نري الآثار التربوية لذلك في أن أي حادث يثور دون أن يكون للجماعة الوطنية ولا الدولة أي علاقة به إنما يحمل الشباب القبطي الغاضب الجماعة الوطنية، أو الدولة مسئوليته وكل ذلك يجري في ساحة الكاتدرائية، كما رأينا في 2001، وفي 2004، وغيرهما.
هناك طبعا تيار وطني بين الأقباط نعرفه جميعا ولأفراده ومثقفيه كتاباتهم ومواقفهم التي يقفون بها في إطار المصلحة الوطنية العامة سواء في مواجهة المخاطر الخارجية عدوانا وضغوطا، أو في صفوف دعم قوى التماسك لدى الجماعة الوطنية، ونعرف ما يكبدهم ذلك من مشاق ومتاعب، ولكن انحياز الإدارة الكنسية للاتجاه الانعزالي أمر واضح وهو يثقل كفة هذا الاتجاه، وهو الاتجاه الذي يسيطر على الصحافة القبطية وهو الاتجاه الذي نلمس أثره في ردود فعل حركات شباب الكاتدرائية عندما يعبرون عن احتجاجاتهم هناك وفي بداية "القرن العشرين". وعلى عهد الاحتلال البريطاني لمصر، وعلى مدى النصف الأول من هذا القرن وجد فيما وجد صحيفتان قبطيتان صحيفة "الوطن" وكان توجهها يشبه التوجه الانعزالي لصحيفة "وطني" التي تقوم بيننا الآن، والصحيفة الأخرى هي "مصر" وكان يغلب عليها التوجه الاندماجي مع الجماعة الوطنية، وكانت الإدارة الكنسية تقف على بعد نسبي من التيارين، وكان ذلك يبدو منها منطقيا لأنها كانت تقف بعيدا عن المواقف السياسية، وتعتبر أن مهمتها دينية بحتة وأنها بهذا الوصف تعتبر الجميع أبناءها ماداموا على نهجها العقيدي، أما اليوم فالوضع مختلف، فالصحيفة واحدة وتوجها انعزالي وتدعمها الإدارة الكنسية.
وهذا ينقلنا إلى موضوع تفرد الكنيسة وحرصها على أن تكون هي المؤسسة القبطية الوحيدة دون أي تكوين أو تشكيل مؤسسي آخر يعبر عن أي من وجوه النشاط المتعددة للمسيحيين القبط ثم حرصها من بعد على أن تكون هي القوامة على الشأن القبطي وحدها، بمعنى أنها عملت على الاستحواذ على الهيئات القبطية كلها وضمها إليها بالسيطرة عليها أو الإلحاق بها أو الإخضاع لها، فلما تأتى لها هذا الأمر ظهرت تواجه الدولة للحصول على شيء من سلطاتها بالنسبة للمواطنين الأقباط، ولتعرف بها في الواقع بأنها المؤسسة الحامية للقبط والوسيط بينهم وبين الدولة.
تجربة المدنيين الأقباط
إن الناظر في التشكل الحديث للجماعة الوطنية في مصر يلحظ أن هذا التشكل بما يتضمن من اندراج القبط في الجماعة السياسية كان متواكبا مع تعدد التشكيلات التي تنتظم فيها الشئون القبطية، وكان متواكبا مع عدم انفراد القائمين على الإدارة الكنسية لهذه الشئون، ومع دخول نظم الإدارة الحديثة في الدولة وتشكل الأحزاب والجمعيات، نشأ أيضا المجلس الملي لشئون الأقباط في سنة 1873 بوصفه هيئة يرأسها البطريرك وينتخب سائر أعضائها ووكيلها من أهل الحل والعقد الأقباط المدنيين، وهو يتولى الجانبين المالي والإداري من شئون الكنيسة والإشراف على المنشآت والمؤسسات الخيرية والتعليمية والأوقاف وغير ذلك، وبهذا ظهرت الصيغة التعددية في إدارة هذه الشئون وصارت الأنشطة التي يقوم بها القبط متعددة الوجوه ومتنوعة الأشكال وهي لا تؤول في نهايتها إلى هيئة واحدة تملك عليهم القبض والبسط.
والمدنيون الأقباط ينشطون في مختلف وجوه النشاط متشاركين في ذلك مع أهل وطنهم من غير دينهم ويتعايشون مع غيرهم في مختلف وجوه الأنشطة الاجتماعية مما يجعلهم أغنى تجربة وأبعد بصرا بمسالك النظر والحركة وأعرف بالتضاريس الاجتماعية، والثقافية التي تتشكل بها الجماعة الوطنية وهم ذوو أسر ويعملون في المهن والحرف ويمشون في الأسواق، ومعارفهم وخبراتهم ليست محدودة في هذا النطاق غير الفسيح من الناحية الدنيوية، الذي يحيا فيه الرهبان، ويكتسبون فيه علومهم ومعارفهم العقائدية وممارساتهم الوجدانية والدينية. إن ما أقوله لا يقلل من شأن هذه الخبرات والتجارب الروحية والتخصص العلمي العقيدي ولا يقلل من مدى الاحتياج الروحي والعقيدي لهذه الخبرات والمعارف والعلوم للإنسان العادي في حياته الدنيوية، ولكن المقصود أننا في صدد تشكل الجماعة الوطنية وإدارة شئونها والعيش في كنفها وما تفرضه توازناتها من موجبات على مكوناتها. إن هذه الجوانب يكاد يكون من المستحيل في ظني على أهل الصوامع والأديرة أن يكون لهم فيها مكنة اتخاذ القرار أو ترسم المناهج والسياسات ناهيك عن أن يستبدوا بهذا الأمر من دون غيرهم من أهل دينهم.
لذلك كان تشكل المجلس الملي ضرورة، ليس فقط لإدارة الشئون القبطية على نظم حديثة أكثر رشدا ولكنه كان ضرورة لإدارة علاقات التوازن والتعايش في إطار الجماعة الوطنية، وهذا التعدد أفسح للمزيد من الأنشطة التعددية، فظهرت الجمعيات مثل جمعية التوفيق القبطية وغيرها، ثم ظهرت مشاركات الأقباط في وجود الأنشطة المصرية العامة في النقابات المهنية والنقابات العمالية والجمعيات والهيئات، هم طبعا موجودون دائما في هذه الأنشطة، ولكن المقصود من إشارتي أنهم صاروا وهم يمارسون أنشطتهم في هذه الهيئات إنما يمارسونها بوصفهم الخاص بعضويتهم بأي من هذه الهيئات وليس بوصف كونهم تابعين للإدارة الكنسية، ومن هنا عرفنا دخول الأقباط في الأحزاب السياسية حديثة التكون، وعرفنا مساهمتهم في أنشطتها السياسية مستقلين في هذه الأنشطة عن تبعيتهم للمؤسسة الكنسية الأرثوذكسية؛ لأن الإدارة الكنسية لا تعمل بالسياسة ولأن المؤسسة الكنسية هي من بين المؤسسات العديدة المشمولة بالجماعة الوطنية، وهي من بين المؤسسات العديدة التي يتصل بها المواطن القبطي بقسم من نشاطه وتتوزع أنشطته الأخرى على ما يراه مناسبا لها من هيئات ومؤسسات حسب اختياره، وملاءمات تقديره.
وهكذا كان الوجود القبطي في إطار الجماعة الوطنية وجودا متعددا لا من حيث الأنشطة فقط، فهذا أمر طبيعي وباق إن شاء الله دائما، ولكن من حيث التعدد في الهيئات والمؤسسات مع استقلال كل من هذه الهيئات عن الأخرى، الإدارة الكنسية والمجلس الملي والجمعيات، ثم الوجود المشترك في المجالس والأحزاب والنقابات وغير ذلك ولم تكن للإدارة الكنسية صفة تمثيلية للأقباط في الوجود الاجتماعي السياسي وهي لا تعبر عنهم في هذه الشئون ولا ينقادون إلى قرارات لها وأوامر، وهم كثيرا ما عبروا عن رفضهم العنيد لأية إشارة تصدر عن الإدارة الكنسية وتتضمن إيحاء بأنها تمثل قبط مصر، ومن يطالع تاريخ مصر الحديث من هذه الجوانب يجد أمثلة كثيرة على ذلك.
إن هذه التعددية المؤسسية بين الأقباط فيما ينشطون فيه وفيما يعبرون عن أنفسهم فيه، لم تكن يسيرة في نشأتها وفي ممارساتها، بل تضمنت أحيانا درجات من التدافع والاشتباك، ولا أريد أن أطيل في ذكر الأمثلة في ذلك، ويكفي بعضها مما أثبتته كتب التاريخ التي دونها الأقباط، أو ما سجلته الصحافة في تلك الأزمان التي كانت عن الأقباط وأن البطريركية كانت تدافع عن سلطاتها المطلقة وما لبثت أن ألغت المجلس الملي بعد تشكيله بسنوات قليلة واستمر ذلك حتى سنة 1883، ثم عاد إلى الوجود بضغوط رجال الإصلاح من الأقباط واشتد الصراع حتى استصدر الإصلاحيون الأقباط بأنفسهم قرارا من الدولة في سنة 1892 بنفي البطريرك الأنبا كيرلس الخامس، ونفي مساعده الأول الأنبا يؤانس، ونفي الأول إلى دير البراموس بوادي النطرون والثاني إلى دير الأنبا بولا بالصحراء الشرقية نحو سنة وعادا بعدها واستمر البطريرك بعدها في منصبه لمدة 53 سنة انتهت بوفاته في 1927 عن مائة وثلاثة أعوام.
ثم استعرت المعركة من جديد حول البطريرك الجديد وكان مرشح المطارنة هو الأنبا يؤانس، وفاز بعد معركة انتخابية ضارية ضد رجال الإصلاح الأقباط، وجاء فوزه بمساندة من الملك فؤاد، ذلك لأن المستبدين يتأيد بعضهم ببعض ويؤازر بعضهم بعضا، وبلغت حدة الصراع مبلغ أن بعض المعارضين أعلنوا عصيانهم للبطريرك وأنهم لن يعترفوا به بطريركا، ثم قامت معارضة أخرى أثناء توليه ومن أقطابها القمص سرجيوس المعروف في تاريخ ثورة 1919 وأصدر صحيفة هي "المنارة المرقسية" ثم المنارة المصرية تندد بالبطريرك وسوء إدارته.. فلما توفي البطريرك في سنة 1942 قام الخلاف من جديد بين رجال الإكليروس والمدنيين من الأقباط، ورشح الإصلاحيون الأنبا مكاريوس واستطاعوا في النهاية أن ينجحوا به وينتخب بطريركا، ولكن بعد انتخابه أحاط به رجال الإكليروس وأفقدوه الفاعلية مما أسخط رجال الإصلاح بقيادة الدكتور إبراهيم فهمي المنياوي وكيل المجلس الملي فاشتد الخلاف فترك مكاريوس مقر البطريركية وهاجر إلى الدير حتى توفي في 1945، ثم انتخب المرشح المحافظ عن المطارنة الأنبا يوساب واستمر النزاع قائما بتفاصيل ليس المجال مجال سردها لأن المحيطين بيوساب سيطروا على مقدرات الكنيسة مما دفع إلى اتفاق المجلس الملي مع المجمع المقدس على خلع البطريرك فخلع وعين قائمقام بدلا منه.
وهكذا قصدت من هذه الإشارات بيان أن قدرة رجال الإكليروس على قيادة الشئون القبطية قدرة محدودة وليست كفئا للقيام على هذه الشئون وذلك بالنسبة للإدارة والنشاط في الشئون الدنيوية، وأن من عارضوا القيادة الكنسية بهذا الأسلوب العنيف والحاد كانوا يصدرون عن هدف الإصلاح المؤسسي لها وصولا إلى الرشد والصلاح، ولم يتهم أحد منهم بمروق عن الدين أو خروج عن مصالح أهل الدين، وأنه إذا كان رجال الدين لم يكونوا قادرين على إدارة الشئون الكنسية بما يلزم من رشد واقتدار لاستغراقهم في ممارساتهم الدينية، فمن باب أولى يكون موضوع إدارة مثل هذه الشئون في إطار الجماعة الوطنية ومع المؤسسات المدنية والوطنية العامة، من باب أولى يكون ذلك محتاجا إلى غيرهم ممن يملكون العلوم والخبرات وأعراف التعامل مع هذه الجماعات والمؤسسات الخاصة بالعيش المشترك.
ويمكن أن أقول: إن الإرادة الكنسية لبطريرك الأقباط الأرثوذكس في مصر لم تكن بهذا التفرد وبهذا الإطلاق وبهذه السيطرة المتوحدة غير المتحداة طوال المائة والثلاثين سنة الأخيرة، وهنا يكمن المشكل الحقيقي في الشأن القبطي في مصر الآن.. يلزم أن يكون هناك عدة صحف قبطية تعبر عن الاتجاهات المتعددة بين الأقباط، ويلزم أن يكون ثمة هيئات ومجالس قبطية مستقلة عن الوظيفة الكهنوتية التي يستبد بها السادة المطارنة والرهبان وغيرهم؛ وذلك لتقوم على الشئون الإدارية والمالية للشئون الكنسية ولتشارك في إدارة شئون العيش المشترك في مجال الجماعة الوطنية.
إن "الكنيسة" ذات ديني بالنسبة للمسيحيين ولكن الإدارة الكنسية شيء آخر، إنها إرادة ذات قرار يتعلق بأناس من المواطنين المصريين ويمس علاقات دنيوية ويتداخل مع وظائف هيئات ومؤسسات ويؤثر في مراكز قانونية، وفي هذه المجالات يرد الخطأ والصواب ويرد النقد وتقوم المعارضة وهنا يتعين وجود التعدد.
والإدارة الكنسية صارت تنظيما أوحد، ألغت كل ما عداها، وما لم تلغه امتصته وأخضعته لسيطرتها المتفردة، وأعطت مثلا لأعضاء المجلس الملي صفات كنسية ليمكنها ضمان الهيمنة النظامية عليهم، والإدارة الكنسية تخضع للسيطرة الفردية لغبطة البطريرك وحده، ويتحلق حوله كعادة كل ذوي الهيمنة الفردية من يتعاملون بمشيئتهم من خلال إرادته التي لا ترد وبغير تبعة على أي منهم مما يضاعف من فوات الرشد الدنيوي في التصرف.
جراح عديدة
والإدارة الكنسية بوضعها الراهن انتقلت من الهيمنة الفردية إلى التفرد المؤسسي، ثم إلى التوجه الحزبي السياسي، ثم أضافت إلى ذلك نزوعا إلى السلطة واستخدام أدواتها في الضبط والاعتقال. لقد قالت للدولة: أعطني قطعة من استبدادك فأعطتها الدولة قطعة من استبدادها.
إننا لا نريد لهذه الموضوعات أن يسكت عنها ولا أن يغض عنها الطرف، فشأن الكنيسة القبطية هو من الشئون الوطنية العامة التي تهم الجماعة الوطنية كلها، وكما نهتم بشئون الدولة وإدارتها على اختلاف وجهات نظرنا ونهتم بشئون المسلمين وهيئاتهم، يتعين أن نهتم بالشئون القبطية لأنها الشئون العامة ونحن لا نقترب هنا من الأمور الدينية.
وأهم ما ينبغي الاهتمام به هو قيام التعدد في إدارة هذه الشئون حسب نوعياتها وتخصصاتها وهو أن تضمن التداخل الوطني لشئون العيش المشترك فلا تفرض على القبط أي في مجاله إرادة واحدة. في كافة الأنشطة وتكون هذه الإرادة هي إرادة الإدارة الكنسية، إن الأقباط في النقابات مثلا هم قبط ولكنهم لا يمثلون الإدارة الكنسية بوصفها مؤسسة، وإن القبط في الأحزاب هم مواطنون أقباط ولكنهم لا يمثلون الإدارة الكنسية وهذا حاصل، وهذا حاصل فعلا، ونحن نرجو له البقاء والشيوع وأن التعددية هي إرادة ضمان هذا البقاء والشيوع وهي ضمان عدم توغل إدارة واحدة يقودها فرد أوحد وتكتسب من السلطات الدنيوية ما تسعي إليه الآن وتراه حقا من حقوقها.
إن الأحداث الأخيرة أحدثت عددا من الجراح: جرح مع الدولة لأن الكنيسة أجبرتها في لحظة ضعف ووهن على أن تسلم لها مواطنة بغير حق، وجرح مع المسلمين لدى المسلمين لأن هذه السيدة أو السيدتين أو أكثر اللاتي تسلمتهن الكنيسة كن جميعا أو بعضهن قد صرن إلى الإسلام، وجرح مع القبط، لأن الإدارة الكنسية اكتسبت من الدولة سابقة تعتبرها حقا، وهي أن تسلم لها الدولة من تطلبه الكنيسة من القبط، وهذا أمر لم يحدث قط في التاريخ السابق.
* نقلا عن جريدة الأسبوع بتاريخ 10 يناير 2005
** مفكر وقاضٍ ومؤرخ مصري
أعدت نشر المقال لأني وجدته حذف من موقع جريدة الأسبوع

شئ من تاريخ البابا شنودة


فليسمح لي القارئ الحبيب أن أتوقف الآن عن الكتابة في ما يحدث في غزة ، لأنقل له بعض معلومات أقرأها شخصيا لأول مرة ، وهو جزء من حوار للمفكر الكبير الدكتور عمارة مع جريدة المصريون ، وفيه تحدث عن شئ من تاريخ البابا شنودة المجهول ، والذي لا أعرف - على حد علمي - كاتبا قام بالبحث فيه .
هذه الفقرات منقوله من حواره مع صحيفة المصريون ( الجزء الأول ) وغدا تستكمل الصحيفة الجزء الثاني :
( لم أفعل إلا أن فصلت بين السطور لتسهيل القراءة ) .
———————
سؤال المصريون : ـ حققت الكنيسة القبطية قبل أعوام قوة سياسية لم تحدث عبر تاريخها السابق حين استعادت إلى رحابها السيدتين وفاء قسطنطين وماري عبد الله، بعد أن كانتا قد أسلمتا، مما اعتبر تطورا نوعيا أثار العديد من التساؤلات حول دور الكنيسة وما إذا كانت تمثل قيادة روحية أم قيادة حزبية سياسية، وتمتد تلك التساؤلات لتشمل طبيعة علاقة الكنيسة بالدولة وحدود التزاماتها بالقانون والنظام العام للدولة.د. عمارة : أنا أشعر أننا نتعامل مع موقف ودور الكنيسة بالقطاعي فعلى سبيل المثال، تظهر حادثة نتحدث عنها ثم نتجاوزها حتى تظهر حادثة أخرى فنتحدث عنها.. ونتعامل مع العرض لا نتعامل مع المرض: أي لا نغوص لنبحث القضية من جذورها.. النصرانية تقول: “دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله” وتقول: إن دور ورسالة الكنيسة هي خلاص الروح، وتتحدث عن أن المسيح مملكته ليست في هذا العالم إنما هي في السماء..
لكن الملاحظ عندنا في مصر تحول الكنيسة إلى حزب وقيادة سياسية على غير ما تطلب النصرانية، وهذا الدور السياسي للكنيسة لم يبدأ مع قضية وفاء قسطنطين فأنا معي كتاب عنوانه (الأقباط عبر التاريخ) كتبه د. سلم نجيب وهو قاض قبطي هاجر من مصر سنة 1965م إلى كندا وهو رئيس الهيئة القبطية في كندا، والكتاب عبارة عن رسالة دكتوراه أنجزها بالفرنسية في باريس، ثم ترجم هذا الكتاب، وقدم له مجدي خليل ونشر في القاهرة في “دار الخيال”، والكتاب فيه معلومات كثيرة، لكني أقف عند محطات فيه..
الكتاب يشير إلى أن البابا شنودة كتب مقالا في مجلة “مدارس الأحد” في يناير 1952م، أي قبل ثورة يوليو في أثناء الكفاح المسلح ضد الإنجليز في قناة السويس منشور في العدد الأول من مجلة “مدراس الأحد” في الصفحات من 1 إلى 5، والكتاب الذي بين يدي نشر نص هذا المقال؛ فحين أراد الإنجليز عمل فتنة بين المسلمين والأقباط أحرقوا كنيسة في السويس حيث الكفاح المسلح ضدهم وأدرك الناس هذه اللعبة الاستعمارية، إلا أن البابا شنودة في مقاله يلقي بالمسئولية على المسلمين ويقول في المقال بالحرف الواحد: “لعل العالم قد عرف الآن أن المسيحيين في مصر لا يمنعون من بناء الكنائس فحسب، بل تحرق كنائسهم الموجودة أيضًا ولا يعرقل فقط نظام معيشتهم من حيث التعيينات والتنقلات والترقيات والبعثات، إنما أكثر من ذلك يحرقون في الشوارع أحيانًا.
البابا شنودة في ذلك التاريخ كان اسمه (نظير جيد) رجل مدني لم يدخل بعد في الدير كتب هذا المقال الإثاري بعنوان: “حول جريمة السويس.. أبهتي أيتها السماوات واقشعري من هذا أيتها الأرض”. والأخطر في هذا المقال أن نظير جيد الذي تخرج في كلية الآداب سنة 1647م أشار إلى موقف له حدث في سنة 1948م يؤكد على أننا أمام مشروع له زعيم، والزعيم له تاريخ في هذا المشروع؛ وخلفية الموقف أن الإنجليز مرة أخري أحرقوا كنيسة في الزقازيق بعد بدء حرب فلسطين، ودخول الفدائيين قبل الجيوش العربية، وذهب إبراهيم فرج ـ سكرتير حزب الوفد ـ (مسيحي)، واتفق مع البابا على تسوية الموضوع مع مدير المديرية في الزقازيق، لكن البابا شنودة (نظير جيد) في المقال الذي نتحدث عنه لم تعجبه هذه التسوية، بل رفضها واتهم المسلمين والإخوان المسلمين بالأخص بحرق كنيسة الزقازيق!!.الخطير أن نظير جيد يتحدث في المقال، ويذكر أن وزير الصحة نجيب باشا إسكندر (مسيحي) في حكومة النقراشي باشا سنة 1948م ذهب إليه عندما حرقت كنيسة الزقازيق، وجاء نص كلامه هكذا :” لقد زارنا نجيب باشا وقتذاك فقال لنا: ( لاحظ صيغة الجمع) لحساب من تعملون؟ لقد اصطلح المدير مع المطران وانتهى الأمر وانتم تهددون وحدة العنصرين”.إذًا هناك جماعة مع نظير جيد ذهب إليهم وزير الصحة نجيب إسكندر باشا، ويعلق نظير جيد بعد ذلك فيقول: “وإبراهيم فرج باشا جاهد كثيرا ليقنع غبطة البطريرك لمقابلة رئيس الوزراء قائلاً: إن من الواجب أن نفسد على الإنجليز دسائسهم في تقويض هذا الاتحاد المقدس بين عنصري الأمة”.يعني إبراهيم فرج ـ سكرتير الوفد ـ يدعو المطران إلى مقابلة رئيس الوزراء وتسوية الموضوع لنفسد على الإنجليز كل هذا نظير جيد وجماعته ضده.. وهذا هو البعد التاريخي لموقف البابا شنودة قبل أن يدخل الدير.المحطة الثانية التي نتوقف أمامها في كتاب (الأقباط عبر التاريخ) حدثت في سبتمبر 1952م عقب قيام ثورة يوليو، حيث أقيمت جمعية الأمة القبطية برئاسة محام اسمه إبراهيم هلال، وأنا أشير إلى هذه الجمعية التي ذكرها كتاب (الأقباط عبر التاريخ) لأن مطالبها هي نفس مطالب البابا شنودة (نظير جيد) بعد أن تحول إلى الدير وأصبح بطريركًا للأرثوذكس.. الجمعية أقيمت في 11 من سبتمبر 1952م وتعمدوا إعلانها في أول شهر توت ـ عيد الشهداء عند الكنيسة القبطية ـ وتكونت الجمعية ودخل فيها خلال عام واحد 92 ألفا من شباب الأقباط وظلت قائمة حتى 24 من أبريل 1954م.ما مطالب هذه الجماعة؟، يتكلم الكتاب ـ الذي بين أيدينا ـ فيقول: “إنها تؤكد على أن الأقباط يشكلون أمة، ويطلبون ألا ينص في الدستور على أن الإسلام دين الدولة، وأن يكون نائب رئيس الجمهورية قبطيا، ويطلبون أن يكون الدستور وطنيا، وليس دينيا مصريا، وليس عربيا، وبإزالة كل صور وأشكال التمييز ضد الأقباط، وكان لهذه الجماعة علمها وزيها الخاصان بها وكان العلم يمثل صليبا مصريا (مفتاح توت عنخ أمون) منصوبا في الإنجيل؛ وتعليق تحت هذا الشعار يقول: (وسيأتي اليوم)!!، وبالإضافة إلى ذلك كان لهذه الجماعة نشيد وطني قبطي كان ينشد في جميع احتفالاتهم وكان شعار هذا الجماعة هو : “مصر كلها أرضنا التي سلبت منا بواسطة العرب المسلمين منذ 14 قرنا.. إن أرضنا هي مصر ونحن سلالة الفراعنة وديانتنا هي المسيحية وسيكون دستورنا هو الإنجيل وتكون لغتنا الرسمية هي اللغة القبطية”، وأريد أن أستدرك فأقول: إن المقال الذي كتبه نظير جيد (البابا شنودة) في يناير 1952، وضع فيه عبارة لافتة للنظر تقول: “إن المسلمين أتوا وسكنوا معنا في مصر”! يعني هو يرى أن المسلمين غزاة وجاءوا وسكنوا في مصر، وليسوا مصريين قد أسلموا.
هذه الجمعية التي كونت في سبتمبر 1952م اختطفت البابا وقتذاك، وذهبت به إلى دير في الصحراء، وأرغموه على التنازل عن البابوية، لكن ضباط الثورة قبضوا عليهم، وحل عبد الناصر الجماعة وأدخل قيادتها السجن، وبعد حل الجماعة وفشل الآلية التي تريد إرجاع مصر قبطية بلغة قبطية، والنظر إلى المسلمين باعتبارهم غزاة، بعد حل هذه الجماعة وسجن قيادتها دخل نظير جيد إلى الدير لتأتي في 14 من نوفمبر سنة 1971م بطريركا وبابا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وليتخذ بواسطة الكنيسة المشروع الذي تبناه منذ عام 1948م والذي تبنته جماعة الأمة القبطية سنة 1952م.وهذا الكتاب (الأقباط عبر التاريخ) كتاب في غاية الأهمية وهو مليء بمعلومات شديدة الأهمية وشديدة الغرابة في نفس الوقت؛ إذًا نحن أمام تطور في الكنيسة المصرية ليس واقف عند فرد هو نظير جيد الذي أصبح البابا شنودة الثالث، وإنما فريق واتجاه يتبنى أني يكون هناك عموم لولاية الكنيسة، مما يعني أن الكنيسة التي رسالتها التاريخية أن تقف عند ما لله هذا الاتجاه يريد أن يجعلها تتولي ما لله وما لقيصر (أي السياسية والدولة)، وهذا يذكرنا بما قام به الإمام الخوميني في الفكر الشيعي؛ فالفكر الشيعي منذ غيبة الإمام الثاني عشر وقف الفقهاء عند الفروع والعبادات، وتركوا شئون السياسة والدولة إلى أن يعود الإمام الغائب، والأمر الذي أحدثه الإمام الخوميني هو ما يسمى في فكر الثورة الإيرانية (عموم ولاية الفقيه)؛ أي أن الفقيه أصبحت ولايته عامة تشكل إقامة الدولة والحكومة كنائب عن الإمام الغائب، ونحن في الكنيسة المصرية أمام تيار يتبنى عموم ولاية الكنيسة، ولا أريد أن أقول إن كل رجال الكهنوت في الكنيسة الأرثوذكسية يتبنون هذا الذي تبناه البابا شنودة، إنما هناك اتجاهًا للأب متى المسكين، وله كتب كثيرة، وأنا في مكتبتي أكثر من 25 كتابا له لكنه مقموع وكان من المؤيدين لموقف الدولة أيام السادات في مواجهة هذا التيار( تيار عموم ولاية الكنيسة)؛ فالبابا شنودة عندما جاء إلى رئاسة الكنيسة في 14 من نوفمبر 1971م، وكانت الدولة في ذلك التاريخ في مأزق وتعد لحرب أكتوبر، وتواجه كذلك مراكز القوى (التيار الناصري واليساري)، انتهز فرصة هذا الوضع الذي فيه الدولة، وبدأت أحداث الفتنة الطائفية، ولذا أنا أركز على سؤال لا أرى أحد يطرحه لماذا لم تعرف مصر فتنة طائفية إلا بعد مجيء البابا شنودة ؟ (حادثة الخانكة في 1972م).أقول رغم ما بذله كرومر والاستعمار الإنجليزي فلم يستطيعوا أن يوجدوا فتنة طائفية في مصر، والذي حدث فقط هو مؤتمر قبطي، ثم حدث مؤتمر مصري وعولجت المشكلة، وعندما قامت ثورة 1919م، انتهت هذه الصفحة تماما لكن مصر لم تعرف فتنة طائفية، وحوادث القلق والعنف، إلا بعد مجيء البابا شنودة على رأس الكنيسة القبطية وبدأت بحادثة الخانكة في 1972م.أنا أعرف أن بعضهم يلقي اللوم على السادات، وأنا أتساءل لا يمكن لرجل مثل السادات وفي وضعه أن يحدث قلقا في المجتمع وهو يعد لحرب أكتوبر، الأمر الثاني: لو كانت الفتنة الطائفية صانعها هو السادات كان من المفروض أن تموت بموت السادات لكنها استمرت بعده وأنا أعرف أن بعضهم يقول إن السبب فيها هو الجماعات الإسلامية، لكن الفتنة الطائفية بدأت في 1972م قبل إفراج الدولة عن “الإخوان المسلمين” وقبل ظهور الجماعات الإسلامية، ثم أن الجماعات الإسلامية وجماعات العنف ضربت، لكن استمرت الفتنة الطائفية.إذًا تغيرت رئاسة الدولة واستمرت الفتنة الطائفية، وتغيرت أوضاع الجماعات الإسلامية واستمرت الفتنة، إذًا المستمر هو وجود البابا شنودة ووجود هذا التيار تيار عموم ولاية الكنيسة وشمولها السياسة والدولة.وأنا أقول إن البابا شنودة لما عزله السادات في مارس 1981م وأعاده الرئيس مبارك في سنة 1982م بعد مقتل السادات، رفع البابا شنودة قضية أمام مجلس الدولة لإلغاء قرار السادات، فجاء حكم مجلس الدولة بتاريخ 12/4/1983 في القضية رقم 934 لسنة 36 قضائية ضد البابا شنودة، وجاء في حيثيات الحكم (وأنا نشرت هذا الكلام في كتابي (في المسألة القبطية حقائق وأوهام) ونص الحكم وهو: “إن البابا شنودة حول الكنيسة إلى حزب سياسي وإلى مشروع دولة وإنه قام بما يخل بالأمن وقد حرك أقباط المهجر في مظاهرات ضد الرئيس السادات عند زيارته لأمريكا، وأنه سعى إلى إثارة شعور الأقباط لحشدهم حوله، واستغل ذلك في الضغط على سلطات الدولة، واستعدى الرأي العام العالمي على الحكومة المصرية، وأضر بسمعة البلاد ولقد صور له الطموح السياسي أن تقيم الكنيسة من نفسها دولة داخل الدولة تستأثر بأمور المسيحيين الدنيوية، وخرجوا بالكنيسة عن دورها السامي الذي حدده لها المسيح عليه السلام في قوله : “ردوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله”، إذًا أقول: إن القضية ليست وفاء قسطنطين ولا ماري عبد الله ولا غير تلك الحوادث التي نأخذها بالقطاعي لكننا أمام مشروع سياسي له أركانه وله قيادته، وبعد أن فشلت الآلية المدنية (المتمثلة في جمعية الأمة القبطية) في تحقيقه أصبح أمام البابا شنودة طريق واحد هو طريق الكهنوت وجعل الكنيسة والسلطة الدينية في خدمة هذا المشروع.——————————- انتهى
معلومات أخرى في :
مقال الدكتور محمد عباس : البابا يتبختر كقيصر
مقال المستشار طارق البشري : الحقيقة الغائبة
طالع هذه الكتب :
1- في المسألة القبطية حقائق وأوهام - د. محمد عمارة .
2- ألا في الفتنة سقطوا - جلال كشك .
3- المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية - المستشار طارق البشري .
4- يا أقباط مصر انتبهوا - د. محمد مورو .
5- الجماعة الوطنية - طارق البشري .
اقرأ : سمـاحة لم يعرفها البشـر

اسئلة حول منهج الإخوان في التغيير


هل ما يزال الإخوان مقتنعون بأن منهجهم السلمي بالغ الوداعة هذا مجد ؟ أو قد يكون هو السبيل نحو قيام الدولة الإسلامية ؟
هل نجحت حركة واحدة في العصر الحديث بأسلوب تربية المجتمع وحده ؟
طوال ثمانين عاما هي عمر الدعوة استطاعت الأنظمة ضرب الإخوان دون أن يتحرك الناس ، في دليل ومشهد غريب على أن الإخوان لا يكسبون أرضا صلبة ، استطاع عبد الناصر ضرب الإخوان رغم الجماهيرية الواسعة ولم يتحرك الناس دفاعا عنهم ، واستطاع السادات هذا أيضا رغم ما كان في عهده من انفتاح ، وبرغم ما كان لهم من حرية حتى أواخر الثمانينات إلا أنهم أيضا لم يكسبوا جماهيرا تحول دون ضربهم .. لماذا عجز الإخوان في كل فترات الانفتاح على كسب الجماهير إلى درجة الاستقواء بها ؟ أو بمعنى آخر : لماذا ظل الناس لا يقدمون للإخوان إلا التعاطف ومصمصة الشفاة ، والصوت الانتخابي إذا كانت الانتخابات شبه نزيهة ؟
أحسب أن التطور المنظور في قوة الحركة لم تصنعه هي وإنما صنعته أخطاء القوى الدولية ، أرادت أمريكا أن تجرب الديمقراطية فأجبرت النظام المصري على انتخابات شبه نزيهة ففاز الإخوان بـ 88 مقعدا ( العدد الحقيقي 140 ) .. ولما لم ترد لم ينجح لهم مرشح في الشورى ، ونحن نرى ما حدث في المحليات .
فإذا كانت الجماهير وحدها ( ضع تحت وحدها ألف خط ) لا تصنع التغيير بل ولا تبدو مساهمة فيه ، فلم يقتصر الجهد الإخواني على تربية هذه الجماهير ؟
بعد ثمانين سنة من تربية الجماهير .. وصلنا إلى الحالة الحاضرة ، كم نحتاج من سنين لقيام الدولة الإسلامية في رأي الإخوان ؟ ( وبالله عليكم يا أيها الإخوان لا تعطوني إجابات مضحكة ، فإني سمعت منها عجبا عجابا عجيبا ما أعجبه ) .
ولم نفترض أن المشكلة في الظروف لا في المنهج أو في تطبيق المنهج ، أو في فهم سنة النبي وسيرته ومنهجه في التغيير ؟
يعلم الله .. في النفس كلام كثير كثير ، لعله يخرج إن دار حوار مفيد .

عمر قعدان: 1 أبريل 2008 في الساعة 3:09 pm
هذه اسئلة تدور في خلد كل اخ فلو ذهبنا نسال المربين و اصحاب السبق في الفهم والدعوة وجدنا إجابات غير مريحة على الاقل البعض أصلا تجد له رد غير ما ورد في كتب الجماعة و لو ذهبنا لنبحث اكثر وجدنا الراشد يفصل في هذا و يرده إلى ضعف في الإخلاص و بعد عن المنهج الرباني يحتاج تقييما فهذا ما وجدته كلما بحثت عن الإجابة
مؤخرا صرت أفكر بالطريقة العكسيةفأسال نفسي ما البديل للأسلوب السلمي؟ فابحث فلا اجد الا القتل و الدم و هو شئ أرفضة في قرارة نفسي و لا أجد له صحة لنظري في التاريخ و الحاضر عما خلفة هذا الأسلوب
و برأي أن الجماعة تحتاج لمراجعة حقيقية بكافة مستوياتها لاسلوب الدعوة و التربية و الافكار حتى تخرج من هذه المراجعة و قد وضعت خطة قابلة للتطبيق
أما لموضع عدم خروج الجماهير لنصرة الإخوان فالمشكلة الرئسية هي تولي الدعاة والوعاض الدراويش لقيادة الجماعة لا أصحاب الكاريزما و المنطق الفوه القادرين على التاثير بالناس و لهذا سابقة في الجماعة مثل الشهيد عبد القادر عودة الذي كان قادرة على تحريك الجماهير لكنه لم يمتلك في تلك الفترة و هو باقي الإخوان الحنكة الكافية للتعامل مع الموقف
م. محمد إلهامي: 1 أبريل 2008 في الساعة 4:29 pm
وإني أراك يا أخي عمر تتساءل معي .. لذا لن أعلق على كلامك الصحيح - برأيي - في مجمله ، خصوصا مسألة الدراويش هذه .. لكني ألفت نظرك إلى أننا لا نختار بين أسلوب سلمي وأسلوب عنيف ، بل بين هذا الأسلوب الإخواني السلمي بالغ الوداعة الحريص على عدم استفزاز الإعلام واليساريين ، الحريص دائما وأبدا على مد جسور التواصل مع النظام ، الرافض تماما لأن يتحالف مع قوى دولية إلا عبر وزارة الخارجية ( على اعتبار أن لدينا وزارات حقيقية ولها سلطة وسيادة ورؤية ) .. وبين أساليب أخرى .
لم أذكر إلا بعض الملامح فقط لهذا الأسلوب فائق الوداعة .. المهم أن البديل لهذا ليس فقط أسلوب العنف والقتل والدم .
وإذا لم تجد ما يعضد أسلوب العنف من التاريخ ، ولم تجد كذلك ما يعضد أسلوب تربية المجتمع وحده .. ففكر معنا بصوت عال ، مالذي يهديك إليه التاريخ وتجاربه إذن ؟


م. محمد إلهامي:
2 أبريل 2008 في الساعة 10:56 am
الأخ الكريم م. جاب الله :
طبعا بعد التحية الوافرة والشكر الجزيل أقول :
ربما أنت أوجزت في كلامك موقف الإخوان عموما من هذه الأسئلة ، فكلامك هو الكلام الذي أسمعه منهم ، مع الاختلاف - طبعا - في جودة الطرح وفي حسن الظن بطارح الأسئلة .
ويذكرني هذا بكلمة - لا أتذكر من قالها بالتحديد الآن - عن أن ” الفشل المتواصل للجماعة طوال ثمانين عاما وعدم وجود أية نجاحات حقيقية على مسار الدولة الإسلامية أنتج جهازا تبريريا جبارا داخل الجماعة ، عمل هذا الجهاز التبريري على اختراع ( أو رصد ) كل الأسباب والظروف والعوامل - مهما كانت هامشية أو معروفة أو متوقعة - التي وقفت أمام تحقيق النجاح ، لكي يبتعدوا بهذا عن مناقشة أخطاء المنهج إلى رمي الكرة في ملعب الظروف الخارجية ” .. ( أو كما قال ) .
سأحاول بإذن الله أن أكون مؤدبا ، لكني أرجو - كذلك - منك إن رأيت مني سوء أدب ألا يتحول الموضوع إلى أدب الحوار وأدب الاختلاف وقيمة القيادات الفكرية والتاريخية والجهادية .. حاول - إن رأيت مني ذلك - أن تتعامل معي على أني سيئ الأدب يفيض إناءه بما فيه .
نأتي للكلام المحدد ،
رغم أن السطر الثاني في الموضوع يقول : ” هل نجحت حركة واحدة في العصر الحديث بأسلوب تربية المجتمع وحده ؟ ” .. إلا أن الجميع يصر على القفز على هذا السؤال تحديدا .
ترى لماذا ؟
لأنه السؤال الواقعي الذي ينقل النظريات والفلسفات والتحليلات إلى أرض الواقع ويقول : أخبرونا من نجح بمنهجكم هذا من قبل ؟ .. وقد حددت قائلا “في العصر الحديث” حتى أحاول قطع الطريق على الإجابة المعروفة التي تقول إنه منهج النبي ومستمد من سيرة النبي .
لأن النبي - مثلا - لم يحتج إلى 80 عاما لإقامة الدولة .. سيرد القائل : بأن الظروف مختلفة بين عصر النبي وعصرنا ، فأقول : متفقون ، فأخبرني عمن نجح بمنهجكم في ظروف قريبة من ظروفكم .
اقتفاء منهج النبي ، كما لا يخفى على أحد ، يرفعه كل تيار إسلامي .. ويبدو أنه لم يهتد منهم أحد إلى صحيح الاقتفاء ، وإلا لرأينا نفس النجاح أو حتى قريبا منه بدل واقعنا الذي لا نرى فيه مجرد أمل منظور .
———
قلت أخي الكريم : ” ولكن لا ننسى تعقب الامن المصرى لكل صغير وكبير من ابناء الحركه ” واعتبرت هذا سبب التأخر .
ماذا كنتم تنتظرون من الأمن ، أن يفرش لكم الطريق بالورود ؟ وحيث أنه لن يفرشها إلا بالأشواك كما هو معروف ومتوقع فكيف تعز فشل الجماعة في التغيير إلى هذا العامل المعروف والمتوقع ؟
ولن أدخل في تفاصيل الاختلاف بين الاحتلال الفرنسي والإنجليزي ، وواضح أن هذه الفقرة مأخوذة من كتاب الأستاذ محمد قطب ( واقعنا المعاصر ) .. لأني شخصيا لا أرى أن اندحار الفرنسيس ولا بقاء الانجليز كان لحماقة الأولين وبرود الآخرين كما يرى الأستاذ قطب ، بل لأن من واجه الفرنسيس كانوا الشعب ، ومن واجه الإنجليز كان السلطة المهترئة التي أممت وصادرت وحرمت الشعب من أسباب القوة وعرضته للغزو الفكري .
وإلا ففرنسا بحماقتها ظلت 130 عاما في الجزائر !
———
لم أسمع ما قاله مبارك من أن الإخوان لو وصلوا ستكون مصر كفلسطين ، ولو كنت سمعتها فأنا أصدقك .. لكنني أرى أن الوضع الفلسطيني الحالي أفضل ملايين المرات من الوضع قبل سنوات وخلو المشهد السياسي من حماس .. ولهذا تفصيل آخر .
بمعنى : أنه لو كان في استطاعة الإخوان الوجود في السلطة كما كان مع حماس ، فهو وضع أفضل جدا لمصر .. ولا تقلق ، فالشعب المصري لن ينتفض ضد الإخوان كما يسوق البعض من قيادات الإخوان ، تماما كما لم ينتفض الشعب الفلسطيني ضد حماس .
————
يا أخي الحبيب لا تلقي باللوم على الشعب .
إذا لم ينتزع الإخوان تعاطف الشعب طوال 80 سنة ، أي ثلاثة أجيال تقريبا .. فلايمكن أن تكون المشكلة في الأجيال الثلاثة .. بل لابد من خطأ في الحركة وفي التعامل مع الجمهور وفي المنهج أو في تطبيق المنهج .. من السهل دائما أن يكون الآخرون هم المخطئون .
وشكر الله لك وجزاك خيرا كثيرا
م

ياسر رفعت: 3 أبريل 2008 في الساعة 1:07 am
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخي الحبيب الفاضل الكريممشكور علي الموضوع المتميز والتساؤل الغيور … وهو ما استفزني للمشاركة علي غير عادتي في التعامل مع المدونات ( للأسف الشديد ) ….ولكن موضوعيتك التي أرتاح إليها جعلتني أتابع باستمرار …أخي الحبيب لي ملاحظات أراها ذات صلة بالموضوع وربما تفسر بعض جوانبه …
أولاً : أشاركك في أن جماعة الإخوان تتعامل مع بعض ملفاتها بشيء من الغموض .. ومنها هذا الملف الخاص بـ ( ساعة الحسم ) وطريقتها في العملية التغييرية …. ولكن تطورات الأحداث وتكاثر التحديات جعل الجميع ( وخاصة قيادات الجماعة ) يقتربون من الوضوح في هذا الملف !!!
ثانياً : وأحب فيها أن أتحدث عن خصوصية الشعب المصري وكمية اللامبالاة الطبعية في تشكيلته وعجينته !! وهي ما تحتاج زمنا كبيرا وتريثا في التعامل مع توابعها !! وربما تكون سنوات الجماعة الثمانين دليلا علي ذلك !
ثالثا : ملف التعامل مع العامة في العملية التغييرية حساس للغاية طبقا لما أثبته كل من تكلم في علم الاجتماع السياسي والدارسين لطرق التغيير !!ولا أحب أن أنضم إلي طابور المبررين الذين يبررون كل شيء !ولكني أحب التأكيد علي أن خيار ( التربية المجتمعية ) هو في نهاية أمره ( رقم !! ) وطالما لم يتحقق هذا الرقم الضامن للنجاح وامتلاك الشوكة فلا محل للخلاف ساعتها من الإعراب !!
رابعاً : غير صحيح علي الإطلاق أن الجماعة تعتمد فكرة ( تربية المجتمع ) وفقط !! بل لها تحديات كثيرة وكبيرة في محاولة امتلاك أسباب القوة و ( الاستعداد لمهام المستقبل ) ….. وغير ذلكوليس من الإنصاف ولا من الموضوعية إغفال النظر في مثل تلك الأمور وملفاتها عند التأمل في سبب تأخر الحركة الإخوانية في ساعة الحسم !!
هذا بعض ما أود التذكير به أخي الفاضل الكريم
ولك مني كل التحية علي مجهودك وفهمكوشكر الله لكوالسلام عليكم
ياسر
http://al7our.maktoobblog.com/
مصطفى:
3 أبريل 2008 في الساعة 2:48 am
طب معلش بقا غلب حمارنا قلنا ايه الحل من وجهة نظرك ؟؟؟ ممكن؟؟
م. محمد إلهامي:
3 أبريل 2008 في الساعة 10:25 am
أخي الكريم الفاضل ياسر رفعت ،
حللت أهلا ونزلت سهلا
وأرجو أن تزيد في التفصيل ، فلقد وجدت أنك تضع العناصر والظروف الخارجية وتحملها السبب - أو هكذا يبدو - في تأخر ( ساعة الحسم ) .
ولم تفصل في التحديات الكبيرة والكثيرة فيما هو خارج نطاق “تربية المجتمع” .. أو دعني اسأل بشكل آخر :
كم من مجهود الجماعة ينفق في تربية المجتمع ، وكم ينفق خارجه ؟
ثم .. كم هو تأثير أفراد المجتمع (وحدهم) في عملية التغيير ؟
وشكر الله لك
م. محمد إلهامي:
3 أبريل 2008 في الساعة 10:26 am
أخي مصطفى ،
ألم تكن ستكمل كلامك .. فما منعك ؟
وهب أني قلت لك : ليس لدي حل ، فهل معنى هذا أن انساق وراء ما تطرحون ، أو أن أُسلب الحق في مناقشة منهجكم ؟

أبو العلاء:
4 أبريل 2008 في الساعة 9:14 pm
مولانا:
أما إذ استزدت فقد وجبت الزيادة و ذنبك على جنبك!
نقدم للمسألة بالتفرقة بين الخلافة الراشدة و الملك العاض و الملك الجبري.
الملك هو استئثار جماعة ما بشئون الحكم خاصة ما يتصل باحتكار الجبروت و التحكم فى الموارد. ليست العبرة فى طريقة تركيب هذه الجماعة فقد تكون أسرة كما كانت فى ينى أمية أو بنى العباس أو فى العائلة السعودية فى الحديث أو قد تكون تلك الجماعة طبقة معينة مثل المماليك فى مصر أو الحزب الشيوعي فى الصين.
الفرق بين الملك العاض و الجبري هو علاقة الفئة المتغلبة بالشرعية و ممثليها. فى الملك العاض تعتنى الفئة المتغلبة بإظهار إحترام الشرائع و إقامة العدل و حسن توزيع الموارد إلا فيما يهدد تفردها بالملك. فى الملك الجبري لاتعير الفئة الحاكمة اهتماما للشرعية و تستند فى تحكمها على الجبروت المطلق و لا ينظر إليها العامة على أنها فئة الحكم و لكن على أنها عصابة إجرامية.
لاحظ إن الالتزام بالشريعة ليس حكرا على الخلافة الراشدة. فالملك العاض كما قلت له من الالتزام بالشريعة نصيب و أيما نصيب. معاوية مثلا كان ملكا و لكن الحسن البصري عندما عد ما ينقمه على معاوية لم يجد إلا ثلاثة مسائل!
أما الخلافة الراشدة فمحكها هو الشورى. و الشورى فى نظرى هى أنه إذا احتاج الأمر حراكا على مستوى الجماعة (المجتمع كله) فهؤلاء الذين يتأثرون بالحراك لابد من: 1- أن يستشاروا قبل القرار، 2- أن يراعو من قبل أهل الحكم و من فئات المجتمع الأخرى.
و الأمثلة على ذلك من السيرة كثيرة. مثلا عندما استشار الرسول الأنصار فى غزوة الأحزاب فى أمر منح ثلث الزروع لعيينة بن حصن بينما استشار الجميع أنصارا و مهاجرين قبل غزوة أحد. و هنا نجد الرسول يطبق الشورى بنظرة فى غاية الحكمة لأن المهاجرين يمسهم فى غزوة الأحزاب الشر مثلهم مثل الأنصار بينما ضرر منح ثلث الزروع يعود فى الأصل على الأنصار فقط. من هنا كانت استشارة الرسول للأنصار خصوصا فى تلك المسألة .
المطلوب من أهل الشريعة و حفاظ الشرعية شيئين:1- أن يعملوا ما استطاعوا ألا يكون الملك جبريا و هذا عن طريق شيئين:أ- تبيين حدود الشرعية و ضوابطها لأهل الحكمب- تعريف العوام بما لهم من حقوق و التصدر لاستعادة هذه الحقوق2- أن تظهر أمارات الشورى الراشدة فى تصرفاتهم لا أن تبدو عليهم أمارات الملك العاض هم أنفسهم
المطلوب الأول يقوم به الإخوان بقدر لا بأس به من الكفاءة. و فى رأيى إن احتفاظهم بعلاقة مستمرة مع أهل الحكم ضروري و لا غبار عليه. أما الجزء الخاص بتعريف العوام بما لهم من حقوق و التصدر لرفع المظالم فالإخوان أقل فعالية فى ذلك الأمر لأن النظام المصري فى الواقع كان بين الملك العاض و الملك الجبري و عبر سنوات التسعينيات تدهورت حالة النظام تدريجيا نحو الجبروت السافر الذى لا يتغطى بشئ من الشرعية. لابد أن نعى أن الإخوان كغيرهم يتغيرون مع الوقت و طريقة تعامل الإخوان مع المظالم الواقعة على العامة ستتحسن مع الوقت و لا أرى مشكلة فى هذا الأمر.
أما المشكل فى أمر الإخوان فهو المطلب الثانى. كان يمكن للإخوان أن يتعاملوا مع الأمة من منطلق أنهم هيئة للأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و كفى و لكنهم تصدروا لما هو أوسع من ذلك بما يتجاوز تأصيل الشرعية الإسلامية إلى نطاق العمل السياسي و هنالك تظهر المشكلات.
أولى هذه المشكلات هى أن البرلمان المصري ليس هو المكان المناسب للعمل السياسي. البرلمان يصلح على الأكثر ليكون مجالا لتبيين حدود شرعية تصرفات أهل الحكم و رفع مظالم الناس و وضعها فى محل النظر العام و محل نظر أهل الحكم. و لكن يبدو أن البعض داخل الإخوان و كثير من الناس خارج الإخوان يظنون فى عمل الإخوان السياسي أكثر من مضمونه الحقيقي على الأقل فيما يتعلق بالإنتخابات و ما إلى ذلك من أمور ليست هى الشورى و لا هى الأساس فى العمل السياسي حتى فى الديموقراطيات الغربية.
العمل السياسي فى شكله الناضج (والشورى أنضج أشكاله) حوار بين الخاصة و الخاصة و أيضا بين الخاصة و العامة. الحوار بين الخاصة بحث و توضيح لوجهات النظر عن طريق وضعها على محك الآراء المعارضة. أما الحوار بين الخاصة و العامة فهو تبيين و إظهار من جهة و استبيان و استعلام من الجهة الأخرى.
النموذج الغربي فى الديموقراطية فى شكله الحالي هو فى حقيقته نوع من الملك العاض و ليس حكما شوريا. فهناك طبقة سياسية تطبخ السياسات و التوجهات ثم تسوقها للشعب. و المحك فى هذا النظام شيئين الثقة و النتائج. ما دامت الفئة السياسية تتمتع بثقة الشعب و توفر له النتائج المرجوة (أو تقنعه بأنها هى المرجوة) فسلطتها فى استمرار. نلاحظ هنا أن تفاصيل القرارات و الإعتبارات المؤدية لها غير متاحة للعامة أصلا و أن الطبقة السياسية تكتسب ثقة العامة عن طريق افتعال قضايا فرعية يكثر فيها النقاش و الحديث بعيدا عن الأساسيات. و تصبح السياسة فى النهاية فن “الصورة” و ليست شورى حقيقية تهدف للوصول إلى أصلح الآراء و إلى مراعاة صالح “كل” فرد من أفراد المجتمع.
و هذه هى مشكلة الإخوان الآن فهم يريدون ثقة الجماهير و يريدون أن يقنعوا الجماهير بجدوى اختياراتهم و ذلك بالنظر إلى النتائج و مدحها و الاعتذار عما قد لا يكون محل القبول منها. من هنا نفسر دفاع الإخوان المستميت عن صحة سياسات الجماعة. إذا كانت الجماعة لا توضح للناس لماذا تفعل ما تفعل و كل شئ يناقش سرا و لا يعلن على الناس إلا فى بيانات غائمة و تصريحات متناقضة فلابد إذن من التركيز على فعالية السياسات و نجاحها! كأنى بالإخوان يقولون للشعب “ربما أنتم لا تعرفون ماذا نفعل و لا لم نفعل ما نفعل و لكن ها هى نتائج أفعالنا الرائعة. اتبعونا فى صمت!”.
و هذا الملك العاض فى حقيقة أمره. أن تستأثر فئة بأمر المسلمين دونهم لا يضير فى ذلك التزام هذه الفئة أو لا بالشريعة. الشورى ألا يستأثر أحد بأمر المسلمين دونهم. و أى شورى فى أن تترك الجماعة الأمة تضرب أخماس فى أسداس لا تعرف ماذا يفعلون و لا لم ثم يطلب منهم أن يخرجوا من بيوتهم لانتخاب الإخوان رغما عن حصار الأمن للجان و يموت منهم أناس ثم يخرج الإخوان علينا بالشكوى من سلبية الشعب! و كيف تتوقع إيجابية من شعب تعامله أنت على أنه غير أهل لتوضح له وجهات نظرك و لا أن تطلعه على حقيقة موقفك من الحكومة أو من الغرب أو من أى شئ أصلا!
الشورى ترفع الفرد من أن يكون “رقما” فى حسابات هذه الجماعة السياسية أو تلك إلى أن يكون “إنسانا”. و حتى ينجح الإخوان فى تغيير نظرتهم لمن هم خارج الجماعة من العامة بالذات فالأفضل فى رأيى أن يكتفوا من أمور السياسة بما يقدرون عليه.
مثال:
لو نظرنا لموقف الإخوان من الإنتخابات الرئاسية الأخيرة ماذا نجد؟ هل ذكر الإخوان شيئا عن مفاوضاتهم مع الرئيس و المرشحين الآخرين؟ هل قال الإخوان من يفعل كذا نؤيده و من لا يفعل لا نؤيده؟ كل ما كان دار فى الكواليس ثم خرج الإخوان برأى بسيط مؤداه أنهم يدعون الناس لممارسة حقهم فى التصويت و أن يصوتوا لما يروه فى المصلحة! و كأن الناس كانت تنتظر الإخوان ليقولوا لهم هذا!!!!
الخلاصة:
- أنا أجد حصاد عمل الإخوان حتى الآن جميلا و مشجعا- عمل الإخوان فى تأصيل الشرعية الإسلامية للمجتمع عمل جيد جدا و ضرورى و لهم عليه كل تحية- نظرة الإخوان للعمل السياسي نظرة قاصرة و غير ناضجة- وصول الإخوان للحكم فى مصر فى الوضع الحالي ليس مطلوبا- المطلوب توضيح الأمور للعامة و تبيينها لهم على قدر المستطاع بما يكفى لتنبه الشعب و الضغط على أهل الحكم للانتقال إلى شئ من الملك العاض و نحو الشورى الراشدة- أن توجه الجماعة خطابها للشعب لا للحكومة و لا للغرب!
و الكثير من الصبر من الإخوان علينا و منا عليهم.
و لعلك تعلق على التعليق فإنى لا أكتب إلا لأسمع رأيك!
و السلام

صيد التدوينات.....!

عندما أدخل على مدونة أجد فيها بوستات كثيرة جيدة , كنت أتمنى أن أحفظها على الجهاز لكن وجدت من الألطف حفظها على البلوج الخاص بي أحاول هنا أن أختار البوستات بعناية من كل المدونات أو البلوجات لأنتقي أفضلها من وجهة نظري والتي تستحق القراءة وأرغب أن أجعل الأخرين يشاركوني في قرائتها , وستكون ان شاء الله مقسمة الى كوميدية وسياسية واجتماعية وفكرية ودينية , لتكون بمثابة كوكتيل دسم , والذي يرغب في نوع محدد فيمكنه أن يضغط على النوع الذي يريده ويقتصر عليه و أرجو أن يعجبكم ذوقي ...!وألتزم طبعا أن أضع اللينك الأصلي للبوست وكذلك أضيف أحلى التعليقات والردود
و كذلك أخترت بعض التعليقات التي أقرؤها و تعجبني وأنقلها بدون البوست الأصلي اذا كان لا يعجبني (أي في حالة اذا ما أعجبني تعليق ولم يعجبني البوست المذكور فيه , فهناك أحيانا كثيرة تعليقات أحلى من البوستات) و أضعها مجمعة في بوستات وذكر اللينك الذي به التعليق
احترت كثيرا في تسمية المدونة أحلى التدوينات , أحلى المدونات , أفضل , المختار من التدوينات , أفضل البوستات العربيةالمنتقى , نقاوة البوستات من كل البلوجات !
الى أن استقريت على هذا الأسم :
صيد التدوينات من بحر المدونات