الجمعة، 5 مارس 2010

المرأة والولاية العامة وولاية القضاء


د. حياة بنت سعيد با أخضر*
 
الحمد لله رب العالمين الذي خلقنا على نعمة الإسلام والحب فيه ولأجله، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي تركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
لقد كثرت المقالات واللقاءات حول موضوع المرأة والدفاع عن قضاياها في أشكال عدة ومن الجنسين، وكل يدلي بدلوه ويطرح ما في جعبته من معلومات تتضارب أحياناً وتتشعب حتى تصل إلى حد التعصب الممقوت، والذي يدفع بصاحبه إلى المراء والرغبة في الانتصار للذات بليّ أعناق الأدلة واستدلالات العلماء، مما أوجد مناخاً خصباً لتفتيت الجهود وصرف الهمم عن الأَوْلى في وقت نحن أحوج ما نكون فيه إلى التمسك بديننا بقوة في الوقت الذي نرى أعداءنا مستمسكين بدينهم في حربنا فأشعلوا همم شعوبهم شيباً وشباباً بأرواحهم وأموالهم.
وكامرأة مسلمة تعتز دائماً وأبداً بخصائصها التي ميزها الخالق الحكيم بها عن باقي نساء العالمين خاصة وعن الرجال عامة، وإنني كامرأة مسلمة تفتخر بأنها ولدت وتربت وتنتسب لهذه البلاد المباركة مهبط الوحي والموطن الذي احتضن السلفية ومجددها، ووقف حكامها دائماً معه ومع علماء هذه الدعوة المباركة والمنهج الصحيح، أكتب هذه الورقات لا أخص بها أحداً بعينه بل أبتغي بها أن تقف على الحق الذي يسعى إليه الجميع من خلال قضية المرأة التي أنا وغيري من الغيورات على الدين أولى من يطرحها مع تقديري التام لكل علمائنا ودعاتنا الأفاضل الذين نافحوا وما زالوا عن المرأة المسلمة التي يريدها الله تعالى ورسوله –صلى الله عليه وسلم- وأتمنى ممن سيقرأ ورقاتي أن يعلم بل يتيقن أنني أقف من المسلم المخالف موقف الائتلاف الواجب بين المسلمين وأدعو الله له ولنفسي ولكافة المسلمين أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وأن من أسس مذهب أهل السنة والجماعة أنهم يُخطَّئون ولا يُكفَّرون، ويرحمون المخطئ ولا يستخفون أو يشتمون به.
وسأجعل كلامي مرتباً على تمهيد ومقدمة وتفصيل، فأقول وبالله التوفيق:
أولاًالتمهيد: من المعلوم بداهة لدى كل المتابعين لأحداث العالم من حولنا أن هناك قضيتين أساسيتين هما قطبا الرحى التي يدور حولها أعداؤنا لتجفيف منابع الإسلام وإبقائه صورة لا حقيقة لها في واقع الحياة
وهما: دعوى القضاء على الإرهاب، ومن خلاله يتم تمييع المناهج والمؤسسات الدعوية والثوابت الدينية.
 والقضية الثانيةالمرأة، وقد انتهوا تقريباً من جميع النساء المسلمات، وبقيت نساء بلادنا الطاهرة، فطفقوا يشعلون حولها نيران وأبواق دعاوى سابقة أشعلت من قبل في ديار مسلمة فأحالت نساءها رماداً احترق من شدة احتكاكه بشياطين الإنس والجن، إنها دعاوى ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فهم يرددون ذات الدعاوى التي طرحها الغربيون على قاسم أمين وأمثاله، والتي ترجموها إلى لغات عدة من رفع الظلم عن المرأة وأنها مهضومة الحقوق مغيبة عن التنمية الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والإعلامية، ومناقشة قضايا شرعية حُسمت من قبل كبار العلماء وجمهورهم على مر العصور الإسلامية كوجوب تغطية الوجه وعدم سفر المرأة إلا بمحرم وحرمة الاختلاط بين الجنسين... وغيرها من القضايا.
وها نحن نقرأ ونسمع من يدعو وبقوة لفتح باب الفتن والرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول:
((تعوذوا من الفتن ما ظهر منها وما بطن)).
لنقرأ معاً مقاطع من كتابات قاسم أمين ولننظر كيف تطابقت مع كتابات المعاصرين.
يقول في كتابه تحرير المرأة: (هل يظن المصريون أن رجال أوروبا مع أنهم بلغوا من كمال العقل والشعور مبلغاً مكنهم من اكتشاف قوة البخار والكهرباء واستخدامها على ما نشاهده بأعيننا، وأن تلك النفوس التي تخاطر كل يوم بحياتها في طلب العلم والمعاني، وتفضل الشرف على لذة الحياة هل يظنون أن تلك العقول وتلك النفوس التي نعجب بآثارها يمكن أن يغيب عنها معرفة الوسائل لصيانة المرأة وحفظ عفتها؟ هل يظنون أن أولئك القوم يتركون الحجاب بعد تمكنه عندهم لو رأوا خيراً؟ كلا، وإنما الإفراط في الحجاب من الوسائل التي تبادر عقول السذج، وتركن إليها نفوسهم، ولكنها يمجها كل عقل مهذب وكل شعور رقيق... متى ما تهذّب العقل ورقَّ الشعور في الرجل عرف أن الحجاب إعدام لشخصها فلا تسمح له نفسه بعد ذلك أن يرتكب هذه الجريمة توسلاً إلى راحة بال واطمئنان قلب).
ويقول في كتابه المرأة الجديدة: (لو لم يكن في الحجاب عيب إلا أنه مناف للحرية الإنسانية لكفى وحده في مقته، وفي أنه ينفر منه كل طبع غرز فيه الميل إلى احترام الحقوق والشعور بلذة الحرية، ولكن الضرر الأعظم للحجاب -فوق ما سبق- هو أنه يحول بين المرأة واستكمال تربيتها).
ويقول في موضع آخر من كتابه: (أما الحجاب فضرره أنه يحرم المرأة من حريتها الفطرية"،ويقول: "بلغ من أمر احترام الرجل الغربي لحرية المرأة أن بنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن أو مع خادمة، ويقضين الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى آخر، ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما... أول جيل تظهر فيه حرية المرأة تكثر الشكوى منها، ويظن الناس أن بلاء عظيماً قد حل بهم؛ لأن المرأة تكون في دور التمرين على الحرية ثم مع مرور الزمن تتعود المرأة على استعمال حريتها وتشعر بواجباتها شيئاً فشيئاً وترقى ملكاتها العقلية والأدبية وكلما ظهر عيب في أخلاقها يداوى بالتربية حتى تصير إنساناً شاعراً بنفسه)، بل يقول: (بل الكل متفقون على أن حجاب النساء هو سبب انحطاط الشرق، وأن عدم الحجاب هو السر في تقدم الغرب... توجد وسيلة تخرجكم من الحالة السيئة التي تشتكون منها، وتصعد بكم إلى أعلى مراتب المدن كما تشتهون وفوق ما تشتهون ألا وهي تحرير نسائكم من قيود الجهل والحجاب).
 ويقول في مسألة تربية المرأة: (لا تجد من الصواب أن تنقص تربية المرأة عن تربية الرجل أما من جهة التربية الجسمية فلأن المرأة محتاجة إلى الصحة كالرجل، فيجب أن تتعود على الرياضة كما تفعل النساء الغربيات اللائي يشاركن أقاربهن الرجال في أغلب الرياضات البدنية، ويلزم أن تعتاد على ذلك من أول نشأتها وتستمر عليه من غير انقطاع، وإلا ضعفت صحتها وصارت عرضة للأمراض). [ثم نجده وبعد عدة أسطر يناقض نفسه لما يذكر تميز المرأة الريفية على المرأة المدنية، لأن المرأة الريفية متعودة على العمل البدني وتتعرض لأشعة الشمس والهواء النقي إذن لا دخل للرياضة في تفوقها].
ونجده يواصل حربه على دين الله –تعالى- فيقول عن أساليب تربية المرأة التي يلزم اتخاذها للمرأة: "ولابد هنا من استلفات النظر إلى وجوب الاعتناء بتربية الذوق عند المرأة وتنمية الميل في نفسها إلى الفنون الجميلة، وإني على يقين من أغلب القراء لا يستحسنون أن تتعلم بناتهم الموسيقى والرسم؛ لأن منهم من يعدها من الملاهي التي تنافي الحشمة والوقار، أو أنها لا فائدة منها، وقد ترتب على هذا الوهم الفاسد انحطاط درجة هذه الفنون في بلادنا إلى حد يأسف عليه كل من عرف مالها من الفائدة في ترقية أحوال الأمم".
هذا ما قاله كبيرهم الذي علمهم السحر، وهو قول متناقض متهافت لدى كل ذي بصيرة ولا أدل على ذلك من منعه زوجته من ممارسة كل ما سبق.
هذا هو كلام من ينفخ في نار هذه الفتن صباح مساء، بدلاً من إيضاح الضوابط الشرعية للرجال، وإقامة العقوبات الربانية على المقصرين منهم. والكلام في هذا يطول ولكن أختم هذا التمهيد بالدعوة إلى التبصر عامة والفقه لواقعنا والعلم التام بما يدور في العلن من خطط لسحق ثوابتنا نحو المرأة، والتي منها الحجاب الصحيح الذي ارتضته أمهات المؤمنين والصحابيات القائم على الفقه الحقيقي لنصوصه الصحيحة، ولو سمعتم مدى الغبطة التي تشعرها الطالبات الوافدات بجامعة أم القرى نحو النعم التي امتن الكريم –سبحانه- بها علينا والتي منها نعمة يسر الالتزام بالحجاب الصحيح بدون أي عقبات لتمسكت نساؤنا بحجابهن ودينهن.
إننا أمام ملامح حرب جديدة على المرأة المسلمة لتفكيك البنية الأساسية للمجتمع، فالمرأة هي نصف المجتمع وتلد وتربي النصف الآخر، فهي للمجتمع كله بل هو مخطط لتدمير الأسرة عامة والمسلمة على وجه الخصوص، من خلال ادعاء حقوق المرأة والطفل وحتمية الصراع بين الرجل والمرأة، وكم من المصائب ترتكب باسمك يا حقوق المرأة!
ثانياً: المقدمة: وسأتناول فيها موضوعين:
الموضوع الأول: التعالم:
يقول الإمام الشافعي –رحمه الله-: "فالواجب على العالمين ألا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة -إن شاء الله- .
وقال ابن عبد البر –رحمه الله- (لو سكت من لا يعلم لسقط الخلاف).
والمتعالم إنما هو ضعف ظاهر ودعوى عريضة؛ لأن من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب، وإذا كثر الملاحون غرقت السفينة، والحجر لاستصلاح الأديان أولى من الحجر لاستصلاح الأموال والأبدان، فإن التعالم في الفتوى هي القاصمة لقوة الدين، ومن أفسدها تفسير كتاب الله وشرح السنة بلا زاد الفقه بأقوال الصحابة واللغة العربية وقواعد العلم بالصحيح من الضعيف، وغير ذلك مما هو معلوم بالضرورة لدى الحاذقين بهذه العلوم، قال ابن القيم –رحمه الله- قال بعض العلماء: (قل من يتجاسر على الفتيا وسابق إليها وثابر عليها إلا قل توفيقه واضطرب في أمره) ودخل رجل على ربيعة –رحمه الله- فوجده يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ وارتاع لبكائه، فقال: (لا ولكن استفتي من لا علم عنده، وظهر في الإسلام أمر عظيم)، وقال: (ولبعض من يفتي هاهنا أحق بالحبس من السراق) فكيف لو رأى ربيعة زماننا وتجرؤ الكثيرين على الفتيا بغير علم من الرجال والنساء، حتى تبارت الصحف والقنوات في عرض صنائع المتعالمين ويكفينا قول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه- "لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا".
وخلاصة القول: إن التعالم هو عتبة الدخول على القول على الله تعالى بلا علم، والقول على الله تعالى بلا علم هو أصل الشرك والكفران، وأساس البدع والعصيان، وما هو أغلظ منها ومن جميع الفواحش والآثام والبغي والعدوان، والدليل قوله تعالى في سورة الأعراف "قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله مالم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون" يقول ابن قيم الجوزية –رحمه الله- في التعليق على الآية في كتابه: أعلام الموقعين (ج1ص31).
فرتب الله تعالى المحرمات على أربع مراتب، وبدأ بأسهلها وهو الفواحش، ثم ثنى بما هو أشد تحريماً منه وهو الإثم والظلم، ثم ثلث بما هو أعظم تحريماً منهما وهو الشرك به سبحانه، ثم ربع بما هو أشد تحريماً من ذلك كله وهو القول عليه بلا علم، وهذا يعم القول عليه بلا علم في أسمائه وصفاته وأفعاله وفي دينه وشرعه.
الموضوع الثاني: تتبع زلات العلماء وإظهارها على أنها أصل مذهبهم ومعتمده، وترك باقي علمهم مع عدم التحقق من نسبة هذه الأقوال لهم، أو فهمها على الوجه الذي أرادوه من هوادم الدين، فقد قال –صلى الله عليه وسلم- "أخاف على أمتي ثلاثاً: زلة عالم وجدال منافق بالقرآن والتكذيب بالقدر" ورحم الله الإمام الصنعاني لما قال: "وليس لأحد من أفراد العلماء إلا وله نادرة ينبغي أن تغمر في جنب فضله وتجتنب"، وقال أبو هلال العسكري: "ولا يضع من العالم الذي برع في علمه زلة إن كان على سبيل السهو والإغفال، فإنه لم يعف من الخطأ إلا من عصمه الله جل ذكره، وليتنا أدركنا بعض صوابهم أو كنا ممن يميز خطأهم".
ثالثاً: التفصيل: في قضية ولاية المرأة للولاية العامة أو القضاء، فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: المناداة بأن للمرأة حقوقاً سياسية يعني أنها حُرمت منها وأخذت ظلماً وأن ذلك الظلم عليها مطرد منذ عهد الرسول –صلى الله عليه وسلم- فداه أبي وأمي وحاشاه عن الظلم –والصحابة –رضي الله عنهم- حاشاهم ذلك- ومن جاء بعدهم، حيث لم تتقلد المرأة أي منصب قيادي في كل الأزمنة الماضية، فهل يقول عاقل بذلك، وهل أهل هذا العصر من المسلمين وغيرهم أكثر عدلاً وإنصافاً ممن سبقهم؟ فلا يجوز بالتالي تأثيم الأمة بأنها مقصرة في حق المرأة.
ثانياً: حديث الرسول –صلى الله عليه وسلم- صحيح البخاري (لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) ففي هذا الحديث ورد لفظ (قوم) و(امرأة) بصيغة العموم؛ ليدخل فيهما كل قوم ولو أمرهم امرأة، فهو عام يشمل كل الأقوام. ولم يثبت قط أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ولى امرأة واحدة في أي ولاية، ولا أمر بأن تولى أي ولاية ولو في مستقبل الزمان.
ثالثاً: إذا كنتم تريدون إخراج المرأة لتعمل رئيسة دولة وقاضية وسائقة للسيارة ومهندسة وفي كل مجالات الرجل، فماذا بقي للرجال ليقوموا به وليحققوا القوامة الفطرية على نسائهم؟ أو ماذا بقي لنا معشر النساء من حقيقتنا الفطرية؟ فنحن نتحمل الحمل والولادة والرضاعة والاهتمام بشئون الأسرة، فإذا كنا سنخرج لكل الأعمال فمن سيرعى شئون المنزل؟ الرجال أم الخادمات؟!
رابعاًلا يصح القياس على حال النساء غير المتزوجات بأنهن لا مسؤوليات لديهن كالمتزوجات؛لأن هذا قياس على غير الأصل، ثم إن المسلمة غير المتزوجة مأمورة بالقرار في بيتها وبالعناية بوالديها إن كانا على قيد الحياة، أو الانشغال بطلب العلم النافع من قرآن وتفسير وحديث وفقه وتوحيد وسيرة، أو القيام على شئون الأيتام والأرامل في مدينتها في حدود استطاعتها بدون أن تكلف نفسها ما لا تطيق.
خامساً: دلت الإحصائيات على أن عدد النساء اللاتي تمكن من شغل منصب الولاية العامة كالرئاسة والمحافظة والنيابة العامة وقيادة الشرطة والمصانع والشركات في المجتمعات التي تمنح لهن هذا الحق وتضعهن على قدم المساواة مع الرجال يبدو ضئيلاً مقارنة بالرجال مع أن النسبة السكانية للنساء أكثر من الرجال فتكاد النسبة لا تزيد عن 1%، أما في الوزراء والمحافظين فلا تزيد على 5%، ورواتب النساء العاملات في هذه الدول أقل من رواتب الرجال، ولا يمكن أن نعزو هذا إلى القوانين والتربية، فإن القوانين والتربية في تلك البلاد لا تقيم اعتباراً لاختلاف الجنسين إنما يرجع السبب إلى الاختلاف الفطري بين الرجال والنساء والذي يتجاهله الكثير اتباعاً للأهواء أو مكابرة للفطرة التي أرغمتهم على التسليم بحقائقها ثم حتى النساء اللاتي تقلدن الحكم فإن حكمهن صوري فهن يملكن ولا يحكمن بل إن بعضهن وفي أثناء حكمها ظهر ضعفها الأنثوي الفطري لما ضاع ولدها في صحراء الجزائر أخذت تبكي، وأوقفت عملها لحين العثور عليه، والأخرى رئيسة الدولة لما تم القضاء على الانقلاب العسكري عليها خرجت من تحت السرير وأول ما طلبته إصلاح هندامها وشعرها لتظهر أمام الصحفيين، وهذا كله أوردته وسائل الإعلام.
سادساً: لا ينبغي طلب ولاية القضاء لما في ذلك من الخطر العظيم من أن يخطئ القاضي في الحكم فيكون في النار –نعوذ بالله- فقد ورد في الحديث: "القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة" فإذا كان هذا حال القضاء فلماذا نقاتل للحصول عليه ألا تكفينا ذنوبنا؟
سابعاً الرد على شبهاتهم:
(1) النقل غير الصحيح لأقوال العلماء، يقول الشيخ الجليل بكر أبو زيد –شفاه الله- في كتابه القيم (التعالم): كما يُزجر عن الفتوى بالشاذ فكذلك يُزجر عن الأقاويل المغلوطة على الأئمة لعدم صحة النقل أو انقلاب الفهم، ومن أمثلة ذلك:
* شهرة النسبة إلى مذهب الإمام أبي حنيفة –رحمه الله تعالى- من القول بجواز تولي المرأة القضاء في غير الحدود، وهذا غلط عليه في مذهبه وصحة قوله: أن الإمام إذا ولى المرأة القضاء أثم ونفذ قضاؤها إلا في الحدود والقصاص فأصل التولية عنده المنع.
وقوله هذا إنما قيل على باب الافتراض والنظرية، وما أكثر ذلك في كتب الفقه ولم تطبق على أرض الواقع أبداً لا في عهد من سبقهم من العهود الزاهرة ولا في عهد المؤلف أو من جاء بعده.
وتفصيل مذهب الأحناف أنهم انقسموا في هذه المسألة إلى ثلاث فرق:
الفرقة الأولى: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء مطلقاً، وإلى هذا ذهب زفر بن الهذيل وهو بذلك يوافق الجمهور.
الفرقة الثانية: ترى أن المرأة يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء فيما تجوز شهادتها فيه وهو ما عدا الحدود والقصاص وإليه ذهب بعض الحنفية.
الفرقة الثالثة: ترى أن المرأة لا يجوز لها أن تتولى القضاء ابتداء وأن الذكورة شرط في القاضي، لكنها إن وليت ممن له السلطة أو حكمها شخصان في نزاع بينهما فحكمت نفذ قضاؤها ضرورة وأثم مُوَلِّيهَا.
وهذا هو المذهب عند الحنفية الذي نصت عليه كتبهم المعتمدة في تأثيم مولي المرأة القضاء ولا إثم إلا بارتكاب المحظور.
 ومما يدل على ذلك أن قاضي القضاء في أكثر العصور حنفياً، وكان إليه تقليد القضاة في جميع أنحاء البلاد الإسلامية، ولم يؤثر عنه أنه قلد امرأة قط منصب القضاء.
* أما ما نقل عن ابن جرير الطبري في جواز تولي المرأة القضاء فموضوع، ولم يصح ذلك عنه خاصة، ولم يرو ذلك عنه بسند من الأسانيد، ومذهب الطبري مندثر لم يكتب له البقاء ولم يدونه عنه تلاميذه، وفي تفسيره المتواجد بين أيدينا لم نجد قوله المنسوب إليه كما أن كتبه في الفقه لم يُعثر عليها.
1- يقول المفسر الإمام ابن العربي –468-543 في تفسيره (أحكام القرآن م/3/ص/1457) [ونقل عن محمد بن جرير الطبري وإمام الدين أنه يجوز أن تكون المرأة، قاضية ولم يصح ذلك عنه، ولعله كما نقل عن أبي حنيفة أنها إنما تقضي فيما تشهد فيه المرأة وليس بأن تكون قاضية على الإطلاق، ولا بأن يكتب لها منشور بأن فلانة مقدمة في الحكم إلا في الدماء والنكاح، وإنما ذلك كسبيل التحكيم أو الاستبانة في القضية الواحدة، بدليل قوله –صلى الله عليه وسلم- "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" وهذا هو الظن بأبي حنيفة وابن جرير.
2- جزم بعدم صحة ذلك لابن جرير الطبري المفسر القرطبي –رحمه الله- حيث قال: ونقل عن محمد بن جرير الطبري أنه يجوز أن تكون المرأة قاضية، ولم يصح عنه ذلك.
3- إن صاحب الرأي دائماً ينافح عنه ويقدم عليه الأدلة كلما ناسبته الفرصة لذلك، وقد ناسب ذلك ابن جرير –رحمه الله- العديد من الفرص سواء في تفسيره أو في تاريخه لما تكلم عن قصة سليمان –عليه السلام- وعن توليه ابنة كسرى لما مات أبوها ولما ذكر حديث "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" ورغم ذلك لم يشر لولاية المرأة للقضاء أو عدمها كما هي عادة العلماء.
وخلاصة ما سبق أن الخلاف بين الفقهاء حول تولية المرأة القضاء لم يتعد مجرد إبداء الرأي، فلم يرشدنا تاريخ القضاء الإسلامي من عهد النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى نهاية الخلافة العثمانية أن المرأة تقلدت ولاية.
(2) الاعتماد على قصة تعيين عمر –رضي الله عنه- للشفاء –رضي الله عنها- محتسبة في السوق:
1- ابن حزم –رحمه الله- لما ذكر الرواية في كتابه المحلى لم يسندها على خلاف صنيعه وذكرها بصيغه التمريض (رُوي) وهذا يدل على عدم صحتها، ثم إنه من العجب أن يستدل ابن حزم بفعل عمر –رضي الله عنه- مع أنه ينفي حجية رأي الصحابي، وأعجب من هذا أنه يستأنس بقول أبي حنيفة مع أنه أوسعه في غير هذا الموضع تشنيعاً وتجريحاً، والأعجب أنه يرى أن المرأة لا تزوج نفسها ولا غيرها، ثم يرى جواز تقليدها القضاء لتزوج غيرها بمقتضى ولاية القضاء.
انظر الاختصاص القضائي د. ناصر الغامدي.
2- يقول ابن العربي –رحمه الله- وقد رُوي أن عمر –رضي الله عنه- قدم امرأة على حسبة السوق ولم يصح، فلا تلتفتوا إليه فإنما هو من دسائس المبتدعة في الحديث.
3- الأثر المروي عن الشفاء –رضي الله عنها- ذكره ابن الجوزي في تاريخ عمر وابن عبد البر في الاستيعاب وتبعه ابن حجر في الإصابة كلهم بدون إسناد ولا عزو لأحد ولم يذكره ابن سعد في ترجمتها ولا ابن الأثير في أسد الغابة ولا الطبراني في المعجم الكبير، كما أنه ورد بصيغة التمريض كما أسلفت (رُوي).
4- لا تقبل هذه الرواية لأن عمر –رضي الله عنه- المعروف بغيرته على الإسلام والمسلمين وخاصة النساء، فكيف يولي امرأة ولاية تدعوها إلى الاختلاط مع الرجال ومزاحمتهم.
(3) الاحتجاج بقصة بلقيس ملكة سبأ، والرد على ذلك بالآتي:
1- أن الهدهد وهو طير استنكر من شأنها وقومها أمرين عظيمين: كون امرأة تملكهم، وكونهم يعبدون الشمس من دون الله؛ ولذلك عمل سليمان –عليه السلام- على إزالة هذين المنكرين العظيمين جميعاً، ولو كان متولي أمرهم رجلاً لأمرهم بالإسلام فقط وأقرهم على ملكهم إن أسلموا، وقد كان هذا في شريعته وشريعة نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- وسليمان –عليه السلام- لم يكن ليقر امرأة لو أسلمت ملكة على قومها؛ لأن هذا مخالف لأمر الله وحكمه لذلك دعاها وقومها إلى الإسلام وأن تأتي بنفسها مع قومها متجردة من ملكها قبل أن يرسل إليها من يخرجها وقومها، ولما علم بإعلام الله تعالى له بأنهم سيأتون إليه مسلمين نقل عرشها إليه لينهي وجود هذا المنكر، ولو لم يكن هذا منكراً لما حل له أن يأخذ عرشها غنيمة وهي مسلمة، كيف والغنائم لم تحل إلا لأمة محمد –صلى الله عليه وسلم-.
2- هل كان في القرآن إقرار لتملكها وترؤسها؟ لا بل إن هدهداً مؤمناً مع سليمان –عليه السلام- استنكر ملكها على قومها قبل أن يستنكر كفرها وسجودها للشمس، فقال لسليمان –عليه السلام- "وجئتك من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون" (النمل:22-24) فالعجب أن يتخذ هذا الدليل الصريح من القرآن على منع المرأة من الولاية العامة دليلاً عند المعاصرين على جواز أن تكون المرأة ملكة وأن تولى ولاية عامة.
3- كيف نتخذ من شرائع الكفار دليلاً في ديننا الخاتم؟! وهذا السؤال موجه لمن اتخذ من حكم بلقيس -وهي على الكفر- دليلاً ولم يتخذ من فعلها بعد إسلامها وهو ترك الحكم دليلاً.
(4) الاستدلال بخروج أم المؤمنين عائشة –رضي الله عنها- في موقعة الجمل: وبيان ذلك:
1- نقول لهؤلاء هل اقتديتم بأم المؤمنين في حجابها وحرصها على طلب العلم والعمل بالإسلام في كل حياتها والبعد عن مواطن الرجال وهي أمهم التي لا يحل لهم الزواج بها أبداً؟ فقد ورد في صحيح البخاري –رحمه الله- كتاب الحج أنها كانت –رضي الله عنها- تطوف معتزلة عن الرجال فدعتها امرأة إلى استلام الركن فأبت.
بل هي زجرت بشدة مولاة لها لما أخبرتها أنها استلمت الحجر الأسود مرتين أو ثلاثاً أثناء الطواف، فقالت لها: لا آجرك الله، لا آجرك الله، أتدافعين الرجال ألا كبرت ومررت؟ بل هي –رضي الله عنها- من أنكرت على المرأة التي تشبهت بالرجال بلبسها النعلين، فقالت: لعن رسول الله الرَّجلة من النساء.
فبعد كل هذا الإنكار يقول من يقول: إنها –رضي الله عنها- قد خرجت في أمور سياسية تؤدي إلى اختلاطها بالرجال؟!
2- أن عائشة –رضي الله عنها- لم تخرج ملكة ولا أميرة ولا متولية شئون هذه الجماعة وكان هؤلاء الصحابة قد بايعوا علياً –رضي الله عنه- بالخلافة، ولم يدعُ إلى خلافة أو ولاية غير ولاية أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه- وقد عمد الزبير وطلحة –رضي الله عنهما- إلى إخراج أم المؤمنين –رضي الله عنها- لعله أن يسمع لها الناس، فهي أمهم والتي توفي عنها الرسول –صلى الله عليه وسلم- وهو راضٍ عنها، بل هي أحب الناس إليه فقد توفي ورأسه الشريفة بين حجرها ونحرها، وقد ظنا –رضي الله عنهما- أن الجميع سيسمع كلامهما وتجتمع الأمة ولا تتفرق، فقد كانت كما وصفها علي –رضي الله عنه- [أطوع الناس في الناس] ولكن كان ما لم يكن في الحسبان، وهو إشعال قتلة عثمان الحرب بين الفريقين حتى لا يصطلحا على قتلهم، فإذن لم يكن خروجها –رضي الله عنها- قط متولية شئون المسلمين، وإنما كان خروجها معنوياً لمنزلتها ومكانتها بين الجميع، ثم هي قد ندمت على خروجها.
(5) الاستدلال بشجرة الدر وغيرها من النساء
1- هذا من أقبح الأدلة؛ فإن الحجة الشرعية في كتاب الله تعالى وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم- الصحيحة وفعل الصحابة والخلفاء الراشدين –رضي الله عنهم- وإجماع الأمة، وليس الاستدلال بالأعمال الخاطئة في القرون المتأخرة.
2- أما أروى الصليحية فهي من أتباع المذهب الباطني الفاطمي، وزوجها قد كان في الأصل سنياً ثم تشيع على يد أحد أتباع الدولة الفاطمية التي كانت تسيطر على مصر وغيرها، فكيف تكون قدوة هي أو غيرها؟!
3- أما شجرة الدر أم خليل التركية فقصتها معلومة، فهي في الأصل كانت مملوكة محظية للملك الصالح نجم الدين أيوب –رحمه الله تعالى- وكانت لا تفارقه سفراً ولا حضراً من شدة محبته لها، ومات ولدها منه وهو صغير، وبعد مقتل ابنه توران شاه على أيدي المماليك بعد شهرين من توليه الحكم تولت الديار المصرية مدة ثلاثة أشهر، فكان يخطب لها وتضرب السكة باسمها، وقد تزوجت عز الدين التركماني وصار هو الملك، ولما علمت أنه يريد الزواج عليها بابنة صاحب الموصل أمرت جواريها أن يمسكنه لها فما زالت تضربه بقباقيبها والجواري يعركن في بطنه حتى مات وهو كذلك، ولما سمع مماليكه أقبلوا بصحبة مملوكه الأكبر سيف الدين قطز فقتلوها وألقوها على مزبلة. انظر البداية والنهاية/م/13/ص/208-209 فامرأة مثل هذه تتخذ قدوة لنا؟!
4- الاعتماد على كتب الأعلام التي تذكر الجميع بدون نقد وتمحيص لا يعد دليلاً، فهذه الكتب لا تحل حراماً أبداً.
(6) الاستدلال بما حدث في مصر وهو تولي المرأة القضاء.
1- والصحيح أنها فقط تولت وظيفة إدارية، ولم تقف على منصة قضاء أو تتولى ذلك بأي صورة.
2- رئاسة المرأة للحكم في مصر مرفوضة باتفاق عقلاء مصر -حرسها الله تعالى- فقد صرح المستشار د. البيومي محمد البيومي نائب رئيس مجلس الدولة بأنه في ضوء المادة الثانية من الدستور القائمة على الإسلام هو الدين الرسمي للدولة فإنه لابد أن يكون المرشح لرئاسة الدولة ذكراً؛ لأن المرأة بإجماع الفقهاء قديمهم وحديثهم لا تصلح للإمامة العظمى قديماً أو رئاسة الدولة حديثاً. وما قلناه ينطبق على منصب نائب رئيس الدولة.
3- القانون المصري يسير على عدم تولي المرأة القضاء [سواء الإداري أو العادي] فهذه المهمة قاصرة على الرجال فقط، كذلك لا تتولى مهمة النيابة العامة؛ لأنها تعتبر من الهيئات القضائية.
انظر تولية المرأة القضاء شرعاً وقانوناً. د. كامل شطيب الرأوي.
(7) الاستدلال ببعض الدول الإسلامية في تولي نسائها رئاسة دولهن ، والرد على ذلك:
1- أن هذه الدول بعضها يعلن صراحة أنها علمانية فلا دين رسمي لها، فكيف نتخذ أمثال هؤلاء قدوة لنا؟ ثم هؤلاء النسوة مخالفات للهدي النبوي، فهل نتبع أهل العصور الحاضرة أم نتبع ما كان عليه الرسول –صلى الله عليه وسلم- وصحابته الكرام؟!
2- لا يجوز الاستدلال بالواقع الذي تعيشه الأمة الإسلامية في زماننا؛ لأن أمر تولية المرأة قد حدث في غياب الإسلام عن واقع المجتمعات وعدم استفتاء العلماء الراسخين في العلم.
3- الفيصل في هذا الأمر الشرعي لا يكون في الإتيان بأمثلة من أناس مخالفين للهدي النبوي.
(8) الاستدلال بأن المرأة يصح أن تكون مفتية وتؤخذ عنها الفتوى:
قضية أن المرأة يصح أن تكون مفتية لا يردها عاقل، وهي تستطيع أن تفعل ذلك وهي في بيتها بدون خروج أو اختلاط بالرجال، وفرق بين الإفتاء وبين الخروج للقضاء الذي يقتضي الاختلاط والاستماع للخصوم ووضع مساعدين، والتعرف على ما يحدث في الخارج والسفر وغير ذلك.
والإفتاء ليس من باب الولايات؛ لأنه إخبار عن حكم شرعي ولا إلزام فيه .. أما القضاء فهو إخبار مع إلزام.
ثامناً: السبب في كل هذا التخبط هو الميل إلى ما عند غيرنا من الأمم الأخرى، والتشبه بهم، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: [إن المشاركة في الهدي الظاهر تورث تشابها وتشاكلاً بين المتشابهين يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال وهذا أمر محسوس، فإن اللابس لثياب أهل العلم مثلاً يجد نفسه في نوع انضمام إليهم، واللابس لثياب الجند المقاتلة يجد نفسه في نوع تخلق بأخلاقهم، ويصير طبعهم متقاضياً لذلك...
إن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن، كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد له الحس والتجربة.... فالمشابهة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة في الأمور الباطنة على وجه المسارقة والتدريج الخفي...والمشاركة في الهدي الظاهر توجب أيضاً مناسبة وائتلافاً وإن بعد المكان والزمان فمشابهتهم –يقصد اليهود والنصارى- في الظاهر سبب ومظنة لمشابهتهم في عين الأخلاق والأفعال المذمومة بل في الاعتقادات. ثم يضرب مثالاً من واقع الناس، فيقول: لو اجتمع رجلان في سفر أو في بلد غريب وكانت بينهما مشابهة في العمامة أو في الثياب أو الشعر أو المركوب ونحو ذلك لكان بينهما من الائتلاف أكثر مما بين غيرهما، وكذلك تجد في أرباب الصناعات الدنيوية يألف بعضهم بعضا ما يألفون غيرهم حتى أن ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة... ثم يقول: فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من المولاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان] كتاب اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم تحقيق د. ناصر العقل /1/ص79/488-489.
الخاتمة :
وأختم ما سبق بأقوال للإمام ابن قيم الجوزية –رحمه الله- يقول في كتابه الفوائد: طالب الله والدار الآخرة لا يستقيم له سيرة إلا بحبسين: حبس قلبه في طلبه ومطلوبه، وحبسه عن الالتفات إلى غيره، وحبس لسانه عما لا يفيد وحبسه عن ذكر الله وما يزيد في إيمانه ومعرفته، وحبس جوارحه عن المعاصي والشهوات وحبسها على الواجبات والمندوبات، فلا يفارق الحبس حتى يلقى ربه فيخلصه من السجن إلى أوسع فضاء وأطيبه. ومتى لم يصبر على هذين الحبسين وفر منهما إلى قضاء الشهوات أعقبه ذلك الحبس الفظيع عند خروجه من الدنيا، فكل خارج من الدنيا إما متخلص من الحبس وإما ذاهب إلى الحبس.
وقال: عشرة لا ينتفع بها، وذكر منها: وفكر يجول فيما لا ينفع.
وكما قلت في البداية ما قصدت بكتابتي إلا توضيح الحق الذي نحبه جميعاً، وأوصي نفسي والمسلمين بهذا الدعاء المأثور: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
يقول الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في شرحه لهذا الدعاء: الرسول –صلى الله عليه وسلم- يسأل الله عز وجل أن يهديه لما اختلف فيه من الحق، وهل نحن نسأل هذا؟ قليل، فيجب علينا ألا نعتد بأنفسنا وألا نغتز بعلومنا، ونسأل الله دائماً أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه.
كما نوصي أنفسنا بقفل باب الفتن والالتفاف حول علمائنا، وكفانا انشغالا بأمور قد كفلها لنا الشرع الحنيف، ولنلتفت لتنمية مجتمعنا والأخذ بأيدي شبابنا نحو معالي الأمور، ونكون نحن قدوة لغيرنا في التمسك القوي بديننا ذلك التمسك القائم على الأدلة الصحيحة المجمع عليها، فمن شذ فقد شذ في النار.
ــــــــــــــــــــــــــ
* أستاذ مساعد بمعهد اللغة العربية لغير الناطقين بها بجامعة أم القرى



السبت، 13 فبراير 2010

بيان من اللجنة المصرية لمناهضة الإكراه الديني : من أجل ضمانات قانونية لحماية حرية العقيدة


حرصا من المثقفين المصريين المؤسسين للجنة المصرية لمناهضة الإكراه الديني على تنقية الأجواء الوطنية من أية شوائب طائفية ، ولتطبيع العلاقات بين مؤسساتنا الدينية والدولة وأجهزتها المختلفة ، وإزالة أية التباسات أو هواجس تعزز من أجواء الشحن والفتنة ، فإن اللجنة تعلن للرأي العام بيانها التالي :
أولا : تناشد اللجنة النائب العام بسرعة البدء بالتحقيق في البلاغ المقدم من مؤسسي اللجنة من المثقفين المصريين وخاصة ضرورة البدء في اتخاذ الإجراءات الخاصة بإخضاع الأديرة للتفتيش الصحي والأمني والحقوقي ، لتطبيع العلاقة بين المؤسسة الدينية القبطية والدولة كما هو الحال بين المؤسسات الدينية الإسلامية والدولة ، ولقطع الشكوك حول انتهاكات لحقوق الإنسان يزعم وقوعها داخل الأديرة متعلقة بالحرية الشخصية وحرية الاعتقاد وقضايا أخرى يتداولها الرأي العام المصري حاليا .
ثانيا : تناشد اللجنة الجهات المسؤولة تمكين نقابة الصحفيين المصريين ووسائل الإعلام المختلفة من الالتقاء بالسيدتين : وفاء قسطنطين وماري عبد الله زكي ، المعزولتين في دير وادي النطرون ، لإطلاع الرأي العام على حقيقة قضيتهن ، ومدى ما يتمتعان به من حرية شخصية في السكن والحركة وعدم خضوعهن لإكراه ديني .
إن مثل هذه اللقاءات هي الوحيدة الكفيلة بقطع الشكوك المتزايدة حول تعرض السيدتين للإكراه الديني واحتجازهن في دير الأنبا بيشوي على غير رغبة منهن أو إرادة .
ثالثا : تطالب اللجنة بتمكين الجهاز المركزي للمحاسبات من مراجعة كافة الحسابات الخاصة بالكنيسة الوطنية المصرية ، ومعرفة الموارد ومصادرها وأوجه الإنفاق ، ضمانا للشفافية ، وتحقيقا لمطالب العديد من القساوسة ، والعديد من المثقفين الأقباط ، الذين طرحوا الشبهات الكثيرة حول حسابات الكنيسة وأوجه إنفاقها ، وأيضا للقلق واسع النطاق في أوساط الرأي العام المصري بعد نشر الصحف للعديد من الوقائع الموثقة عن حالات ثراء فاحش ومفاجئ لرجال دين أقباط بدون أي موارد قانونية ظاهرة ، إنالكنيسة المصرية في النهاية هي مؤسسة مصرية وطنية ، تخضع كغيرها من المؤسسات للقوانين العامة المصرية والأجهزة الرقابية ، وإذا كانت الأجهزة الرقابية تبادر بالتحقيق في أي شبهة لأي مؤسسة ، فأولى بها التحقيق في الاتهامات المتلاحقة للحسابات المالية الضخمة في الكنيسة المصرية ، كما تنبه اللجنة إلى أن استثناء الكنيسة من رقابة الدولة المالية وتمييزها بذلك عن غيرها من المؤسسات بما فيها مؤسسات دينية إسلامية فيه إخلال بالدستور وإخلال بمبادئ المساواة والعدالة بين أبناء الوطن .
رابعا : بالنظر إلى الأجواء التي صاحبت إسلام وفاء قسطنطين وماري عبد الله ، والضغوط التي مورست عليهن نفسيا واجتماعيا ودينيا لإثنائهن عن إشهار الإسلام ، فإن اللجنة تطالب المؤسسات المعنية في الدولة بتحديد الضمانات القانونية لحماية الحالات المشابهة مستقبلا ، خاصة ولدى اللجنة حالات محددة ، سيتم الإعلان عنها لاحقا بالأسماء ، تحولت من المسيحية إلى الإسلام وتبحث عن ضمانات أمنية وقانونية لتسجيل إسلامها رسميا وحمايتها من الضغوط الكنسية وغيرها .

اللجنة المصرية لمناهضة الإكراه الديني
القاهرة : 3/1/2005

للتواصل يرجى الاتصال :
0105118761
0101521095
0101110158

الكنيسة المصرية دولة داخل الدولة



من جهته رفض الدكتور ثروت باسيلى وكيل المجلس المللى العام للكنيسة القبطية والمسئول عن تنفيذ أعمال الرقابة المالية بالكنيسة، الدعوة لخضوع أموال الكنيسة لرقابة المركزى، وقال: «تحرص الكنيسة فى إدارة أموالها على تنفيذ ما جاء فى الإنجيل من تعاليم تحدد طريقة إدارة أموالها، وقد قال السيد المسيح: متى صنعت صدفة فلا تعرف شمالك ما تفعله يمينك، وقوله: اخترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكى يمدحوكم بل لتكن صدقتكم فى الخفاء، والكنيسة مستعدة لتطبيق أى نظام لا يتعارض مع هذه الأقوال الواردة فى الكتاب المقدس». 
وأضاف: «إن مطالبة بعض الناس لغرض فى نفس يعقوب بأن يقوموا هم بالتحكم أو الرقابة على أموال الكنيسة، مع أنهم غير مؤهلين لذلك هو أمر مرفوض تماما، ولا يمكن أن ننسى أن عنصر الثقة هو المصدر الأساسى للتبرعات التى تأتى للكنيسة، ولو تغير النظام المالى للكنيسة بالشكل الذى يريدونه فبالقطع سوف تتوقف جميع التبرعات، لأن المتبرعين لن يعجبهم تغيير نظام الكتاب المقدس إلى نظام بشرى آخر». 
وقال: «المجالس المللية الفرعية تمارس أعمال المراجعة على أموال الإيبارشيات فى مختلف المحافظات، بينما يتولى المجلس المللى العام أعمال المتابعة والمراجعة فى القاهرة (مقر البطريركية) والإسكندرية (مقر الكرسى الباباوى)، وذلك على التصرفات المالية الروتينية والمعلنة بغرض التنظيم». 
واعتبر الدكتور ثروت باسيلى من يوجهون النقد والتشكيك فى إدارة أموال الكنيسة «من أصحاب الضمائر المريضة التى تريد أن تفرض فكرها ونفسها على الكنيسة التى هى أحد أقدم المؤسسات فى مصر، والتى تمارس أعمال الإدارة المالية والرقابة الذاتية منذ ألفى عام، ويكفى أن وجود المجلس المللى سابق على وجود الجهاز المركزى للمحاسبات بأكثر من قرن»، وأضاف: «بعض المشككين فى أموال الكنيسة حاولوا الترشح للمجلس الملى وفشلوا لغياب شعبيتهم». 
وأشار كمال زاخر منسق التيار العلمانى القبطى إلى أن رفض التيار لرقابة الجهاز المركزى على أموال الكنيسة لا يتعارض مع الدعوة لتطوير بل تغيير نظم الإدارة المالية فى الكنيسة خاصة أن الآليات المعمول بها بعضها صادر فى بدايات القرن العشرين، ومن الضرورى مراجعتها وتطويرها وتفعيل المشاركة الشعبية فيها. 
وأضاف: «رأينا المعلن والثابت أن الكنيسة تعتمد فى مواردها على تبرعات وهبات الأقباط بالإضافة إلى ريع الأراضى الزراعية والعقارات والأوقاف القبطية، وتقوم بصرفها تحت إشراف أكثر من جهاز مراقبة داخلى على رأسها هيئة الأوقاف القبطية وما دامت الكنيسة لا تتلقى أى هبات أو معونات من الدولة فلا تحسب أموالها أموالا عامة، ولا يكون للجهاز المركزى للمحاسبات أى ولاية عليها، وفقا للقوانين واللوائح المنظمة لعمل هذا الجهاز، وهذا جزء مهم من تراث علاقة الدولة بالكنيسة، لا يصح أن يخسره الطرفان بعد عقود من استقرار طبيعة العلاقة بينهما». 



توجه مصور الكاتدرائية مساء أمس الأول إلى كنيسة السيدة العذراء والملاك ميخائيل بكورنيش النيل، لجمع الصور والأفلام التى طلبها الأنبا يوأنس سكرتير البابا، المرافق له فى أمريكا، وهو الطلب الذى نشرته الشروق أمس، لعرضها على البابا والمجمع المقدس، لكن مصور الكنيسة لم يلتقط أى صور يمكن تقديمها للمجمع كدليل لحدوث ظواهر خارقة واكتفى بتصوير آلاف الأقباط الملتفين حول الكنيسة أمام الكورنيش. فيما أصر القمص داود إبراهيم، راعى الكنيسة، على اعتبار أن هناك ظاهرة خارقة تحدث بالكنيسة التى يتوافد عليها آلاف الأقباط منذ صباح يوم الجمعة الماضى. 
هذا ومن المنتظر أن يشكل المجمع المقدس، أو المجلس الإكلريكى العام برئاسة الأنبا بيشوى، لجنة لضبط التبرعات التى تدفقت على الكنيسة إثر توافد آلاف الأقباط عليها، وهو تقليد متبع فى مثل هذه الأحداث. 


رفضت الكنيسة الأرثوذكسية وضع كاميرات مراقبة بداخلها، أسوة بقرار الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف وضع كاميرات مراقبة على مدار 24 ساعة داخل مساجد القاهرة البالغ عددها ثلاثة آلاف مسجد للمراقبة على أن يبدأ بمساجد الحسين والسيدة زينب والنور والأزهر والسيدة نفيسة، تمهيدًا لتطبيقها على مساجد الجمهورية، بدعوى الحفاظ على صناديق الزكاة من السرقة، نافيًا وجود أي شبهة أمنية وراء هذا الأمر.
وقال مصدر بالمقر البابوي إن الكنيسة الأرثوذكسية ترفض وضع أي كاميرات داخلها، وكشف في تصريحات خاصة لـ "المصريون" إن عضوًا بارزا بالحزب "الوطني" من المقربين للبابا شنودة الثالث بطريرك الأقباط الأرثوذكس نقل إليه اقتراحا مماثلا من جانب القيادات الأمنية، إلا أن البابا رفض الأمر تمامًا وأكد على استقلال الكنيسة بعيدًا عن أي سلطة باعتبارها ملكًا للسماء وليس لأي شخص علي الأرض.
وكان البابا رفض طلبًا آخر تقدم به البعض خلال إحدى عظات الأربعاء الأسبوعية يطالبون فيه برقابة الدولة ممثلة في الجهاز المركزي للمحاسبات لأنشطة الكنيسة الاقتصادية بعد تناثر الحديث عن أرصدتها في البنوك، ورد قائلا وقتها إن أموال الكنيسة ملك للمسيح ولا يحق لكائن من يكون أن يراقبها.


لماذا تغيب رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات علي مليار دولار تصل سنويا من أقباط المهجرللكنيسة؟!
بقلم: المستشار طارق البشري


كان من توابع حادث الكاتدرائية أن ثار موضوع الإدارة الكنسية ودورها ونشاطها، وتراكم في هذا الشأن من الوقائع ما يعرفه القارئ المتابع، علي مدي السنوات الأخيرة. فقد توحدت الكنيسة في الإدارة الكنسية، وتوحدت الإدارة الكنسية في التعبير عن الشأن القبطي الاجتماعي وامتد ذلك إلي التوحد في التعبير عن الأقباط في إطار الجماعة الوطنية، والحال أن ليس للمسلمين الغالبية الغالبة من السكان مؤسسة توحدهم في التعبير عن شأنهم في إطار الجماعة الوطنية، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلي قيام حركة بذلك تتجاوز التنظيمات السياسية إلي الدعوة لتمثيل جماعي.
ومن جهة ثانية، تمارس الإدارة الكنسية الشأن السياسي، وامتد نشاطها في هذا الأمر إلي حد أن صارت جماعة تمارس نوعا من السلطة، بتسلم المواطن والقول إن ذلك من حقوقها بما يعتبر نوعا من الضبط والاعتقال. والعجيب أن الدولة تتعامل معها بهذه الأوصاف، بعلاقة ندية لا علاقة حاكم بمواطنين، وأن الدولة بتسليمها مواطنين للإدارة الكنسية إنما تتورط في تأكيد أن ثمة ندية في العلاقة، وتتورط في قبول أن الإدارة الكنسية هي من يعبر عن أبنائها كما ذكر بعض السادة المطارنة، أو هي الأم كما ذكر غبطة الانبا شنودة في حديثه مع السيدة سناء السعيد ، والذي نشر في الوفد وفي الأسبوع (6، 10/1/2005)، وبذلك اكتسبت الألفاظ الدينية محتويات سياسية وقانونية، فالنصح والارشاد يعني في الواقع التسليم المادي للمواطن وهو عملية ضبط واعتقال، ولفظا الابناء والأم يعني أن علاقة سياسية للإدارة الكنسية بالأقباط يحسبانها وسيطا بينهم وبين الدولة، وحين تسلك الدولة سلوكا يفيد الاستجابة لهذا الأسلوب، تصدر التصريحات بأن هذه الاستجابة حق وأنها قانون، فإن لم تكن قانونا فهي عرف .
والأكثر من ذلك في سلوك الدولة أنها الدولة التي لم يثبت في سياستها شيء قط علي مدي العقود الثلاثة الأخيرة، أو بالأقل ربع القرن الأخير، إلا أنها ترفض بإصرار كامل الربط بين الدين وبين السياسة وتمنع بإصرار يصل إلي حد القسوة أي نشاط أو محاولة أو أية دعوة لإنشاء حزب سياسي يقوم علي أساس ديني، وتمارس في ذلك الضبط والاعتقال بغير مدد محددة، ويطرد المنع الحاسم المصمم في تصريحات المسئولين. هذه الدولة تتعامل مع الإدارة الكنسية لا باعتبارها مؤسسة سياسية فقط، ولكن بحسبانها سلطة أيضا فتسلم لها المواطنين. والمفارقة أنها أنكرت العمل السياسي عمن يقول: إن الإسلام دين ودولة، وأعطت حق ممارسة السياسة لمن يقول: إن المسيحية دين لا دولة، وتمنع السياسة عمن يقولون: إنه ليس لدينا رجال دين يشكلون واسطة بين الأرض والسماء، ويعطونها لمن هم رجال دين وكهنوت بموجب تنظيماتهم العقائدية، وتعطي هذا الحق لرجال الكهنوت ولا تعطيه للمسيحيين المدنيين.
(4)
وفي مجال الحديث المثار عن الإدارة الكنسية، استطرد حديث البعض إلي الإدارة المالية للمؤسسة الكنسية، فخصصت صحيفة صوت الأمة في 27 ديسمبر سنة 2004 مقالا لهذا الأمر، أشارت فيه إلي الكتاب الذي كان أصدره القس الراحل إبراهيم عبدالسيد عن أموال الكنيسة القبطية .. وذكر موارد لدخل الكنيسة ومصارف وغير ذلك، كتب الأستاذ جمال أسعد في صحيفة العربي في 2 يناير سنة 2005 رسالة وجهها إلي البابا شنودة، وذكر فيها الأموال التي لا تحصي ولا تعد والتي يتم ارسالها للكنيسة، تلك الأموال التي كانت سببا في فض العلاقة الكنسية بين الشعب وبين الإكليروس، حيث أصبح الاكليروس في غير احتياج للشعب لأن البديل كان أموال الخارج ثم استطرد موجها الحديث إلي البطريرك هنا لا ننسي مقولتك عندما قلت: (لقد انتهي اليوم الذي يمد فيه البابا يده لأغنياء الأقباط) ولكل ذلك ضاع الأمل في إصلاح كنسي كنا نتمناه وانتهي دور العلمانيين (يقصد المدنيين من الأقباط) في الكنيسة وسيطر الاكليروس علي كل شيء، فلم يعد هناك دور لا لمجلس ملي ولا للجان كنسية... وفي 19 يناير سنة 2005 نشر الأستاذ ماجد عطية مقالا عاب فيه علي من يحرضون علي اخضاع الكنيسة وماليتها لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وهم يتغاضون في ذات الوقت عمن يملكون مصادر تمويل خارجية من نوع بنك التقوي في جزر البهاما، ثم قال ومصادر تمويل الكنيسة من صناديق التبرعات لا تكفي معيشة الكهنة أو نفقات الكنيسة من فواتير المياه والكهرباء ، والأقباط في الخارج يحولون إلي الوطن ما يقرب من مليار دولار سنويا، لأن الانتماء الوطني يعيش في داخلهم . وأنا لا أدري إن كان هذا الرقم قريبا من الصحة أم لا، ولكنني أراه رقما هائلا، وهو أن هيئة مصرية من هيئات المجتمع الأهلي يأتيها مليار دولار سنويا من الخارج، وهو ما يعادل نصف المعونة الأمريكية للحكومة المصرية، والرقابة المالية هي أصل من أصول المحاسبة ومن أصول بناء النظم المحاسبية لأية هيئة عامة أو خاصة، والنظم التي ترسم أساليب الرقابة علي الدخل والصرف نظم لا تفرق بين مواطن ومواطن، ولا بين هيئة مسيحية أو هيئة مسلمة، إنما هي وسائل رقابة وضوابط لها أساليبها العلمية والفنية ولها قوانينها المنظمة والضابطة لسلامة أعمالها. وحتي الهيئات الخاصة المملوكة ملكية خاصة لذويها تخضع لهذه النظم، فشركات المساهمة مثلا تراقب حساباتها من مراقب حسابات معتمد فنيا ومعين من جمهور المساهمين الملاك الحقيقيين للشركة والممثلين في الجمعية العمومية ويجتمعون سنويا لنظر ملاحظاته وميزانية الشركة، ولا تبرأ ذمة أعضاء مجلس إدارة الشركة من المسئولية إلا بقرار الجمعية العمومية بعد نظر الميزانية وملاحظات مراقب الحسابات، وكذلك الشأن بالنسبة للجمعيات الخاصة والجمعيات التعاونية. وكل ذلك يخضع أيضا للجهات المسئولة في الدولة، مثل مصلحة الشركات أو وزارة الشئون الاجتماعية أو الوزارات المختصة بنوعية الجمعيات التعاونية، استهلاكية كانت أو إنتاجية أو زراعية أو اسكانية أو تعليمية، كل جهة حسب اختصاصها. وثمة قوانين ضابطة لكل أولئك.
والنقطة الثانية، أن من يراجع النظم والتشريعات واللوائح الخاصة بإدارة الشئون العامة، وكذلك شئون الهيئات العامة والجماعات وغيرها، يلحظ في الغالب من ذلك أنه إذا كان من مواردها قبول التبرعات فيتعين أن تكون سلطة قبول التبرع سلطة رقابية في أي من هذه الكيانات التنظيمية، لأنه يخشي أن يكون التبرع مما يستر نوع سيطرة أو نوع هيمنة علي الجهة المتبرع لها، أو أن يؤدي ذلك بأي الوجوه إلي انصراف الهيئة المعنية عما انشئت من أجله، وإلي توخي أغراض ليست خالصة لما انشئت من أجله، وذلك يتأكد علي وجه الخصوص في الهيئات التي لا تبغي في نشاطها الربح المادي، فهي تحتاج إلي المال ولا تقصد ربحا تجاريا، وهي ما يخشي عليه من التبرعات، إلا ما توافق عليه أكثر جهاتها حيدة وانضباطا، وكثيرا ما يكون قبول التبرع مشروطا بموافقة الجمعيات العمومية التي تضم كل أصحاب الشأن. أو جهة من جهات الدولة ذات السلطة الرقابية أو الوصائية، سيما إن كان الأمر يتعلق بالأمن القومي.
والنقطة الثالثة تتعلق بأمر التبرعات التي تأتي من الخارج، فإن هذا الأمر توليه التشريعات عناية خاصة جدا، لأن منها ما يكون ماسا بالأمن القومي للبلاد، ويرد في صيغة تبرعات لجمعيات أو هيئات خاصة، ومن هنا وجب أن يكون للدولة وجه اشراف ورقابة علي هذه الموارد، والرقابة والاشراف هنا أمر سائغ ومقدرة أسبابه، ونحن نلحظ ذلك في قوانين الأحزاب والجمعيات وغير ذلك.
(5)
إن الجهاز المركزي للمحاسبات هو الهيئة المنوط بها تحقيق الرقابة المالية ليس علي أموال الدولة فقط، ولكن علي كل ما يسمي في القانون بالأشخاص الاعتبارية العامة الموكل إليها أداء خدمات عامة، أو القيام علي شأن من شئون الجماعات المختلفة من جماعات المواطنين، وكذلك يناط به الرقابة المالية علي أموال هيئات خاصة إن وجدت الدولة أن هذه الهيئات تقوم بخدمات عامة أو لها تشكيل ومهام وظيفية يهتم بها الشأن العام.
والقانون المنظم للجهاز المركزي للمحاسبات الآن هو القانون رقم 144 لسنة 1988، وهو يجعل الجهاز شخصية مستقلة ويعاون مجلس الشعب ويمارس الرقابة المالية المحاسبية والقانونية والرقابة علي الأداء، ويمتد نطاق رقابته ليشمل كل وحدات الجهاز الإداري للدولة، والحكم المحلي، ويشمل أيضا الهيئات العامة جميعها، وهيئات القطاع العام وشركاته وأية شركة يساهم فيها شخص عام أو قطاع عام بما لا يقل عن 25 % من رأسمالها.
ورقابة الجهاز تشمل أيضا جميع النقابات المهنية والعمالية، وجميع الأحزاب السياسية والمؤسسات الصحفية، سواء كانت المؤسسات الصحفية قومية أو حزبية، وأية جهة أخري تعينها الدولة أو ينص قانونها علي الخضوع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، كما أنها تشمل كل ما يحال إليه من مجلس الشعب لفحص أعماله، حتي وإن كان جمعية تعاونية أو منظمة جماهيرية أو أي مشروع بمرفق عام.
المهم هنا ما هو دور الجهاز بالنسبة للمؤسسات الكنسية؟ والحال أن قانون الجهاز يخضع لرقابته كل الهيئات العامة وأشخاص القانون العام لمراقبة الدخل والمنصرف وللرقابة المالية بشقيها المحاسبي والقانوني. والهيئات العامة ليست هي فقط وحدات الحكومة المركزية أو جهات الحكم المحلي التابعة للدولة ولكنها تشمل النقابات المهنية لأنها تعتبر في التعريف القانوني هيئات عامة باعتبارها تقوم علي أمور تنظيم المهن ورقابة أداء أعضائها لهذه المهن، وتعتبر قراراتها قرارات إدارية تخضع حسب الأصل لاختصاص محاكم القضاء الإداري.
والحاصل أن القضاء الإداري مستقر علي اعتبار المؤسسات الكنسية هيئات عامة، وفي سنة 1962 قضي باختصاصه بنظر دعاوي إلغاء قرارات المجلس الانجيلي العام للمسيحيين البروتستانت، لأنه مجلس يقوم علي مرافق المسيحيين البروتستانت من النواحي الدينية والإدارية، ومن ثم يعتبر هيئة عامة (الدعوي رقم 432 لسنة 14 قضائية جلسة 6/2/1962)، وفي سنة 1980 قضت المحكمة الإدارية العليا بأن الكنائس الانجيلية المعترف بها تعتبر من أشخاص القانون العام المنوط بها إدارة مرفق عام من مرافق الدولة مستعينة في ذلك بقسط من اختصاصات السلطة العامة (المحكمة الإدارية العليا طعن 1190 لسنة 20 قضائية 20/12/1980). وفي سنة 1984 حكمت المحكمة العليا باختصاصها بنظر قرار الفرز أي الفصل من عضوية الكنيسة والذي يعتبر أقسي قرار لما يتضمنه من حرمان المفصول من أية رابطة تربطه بالكنيسة الانجيلية، ومعني ذلك أن المحكمة العليا تعتبر الكنائس هيئات عامة وأن قراراتها تعتبر قرارات إدارية مما تختص بنظر مدي مشروعيته، حتي بالنسبة لقرار الحرمان الذي تصدره الكنيسة بطرد فرد من اتباعها (حكم في الطعن رقم 2178 لسنة 27 قضائية جلسة 31/3/1984). وكذلك أحكام المحكمة العليا الصادرة في الدعوي رقم 3282 لسنة 43 قضائية بجلسة 15/1/1991، والدعوي رقم 3450 لسنة 42 قضائية بجلسة 16/7/.1991 والأحكام كثيرة بالنسبة للأقباط البروتستانت لأنهم كانوا يطعنون في قرارات كنائسهم فكانت تصل إلي المحاكم. أما الأقباط الارثوذكس فطعونهم في قرارات كنيستهم أقل، علي أن من أوائل الأحكام التي صدرت في هذا الصدد حكم محكمة القضاء الإداري في الدعوي رقم 8 لسنة 7 قضائية بجلسة 6/4/1954، انتهت فيه المحكمة إلي أن بطركخانة الأقباط الارثوذكس تعتبر من أشخاص القانون العام وأن ما يتفرع منها يعتبر هيئات إدارية.
وفي هذا الصدد لا ننسي طبعا أن الرئيس أنور السادات كان قد أصدر قرارا في 1981 ضمن قرارات سبتمبر 1981 الشهيرة، بسحب القرار الجمهوري الذي يقضي باعتراف الحكومة بتعيين الانبا شنودة بطريركا علي الكنيسة القبطية الارثوذكسية وتعيين لجنة بابوية من خمسة مطارنة لإدارة الكنيسة وإلزامه المكوث بالدير وقد رفعت أمام القضاء الإداري دعوي لإلغاء هذه القرارات، وانتهت المحكمة إلي رفض الدعوي بحكم شهير قد نتعرض له في مناسبة مقبلة، من حيث وقائع الدعوي وما اشتملته من وجوه الدفاع، ولكن المهم الآن في صدد ما نتحدث عنه أن المحكمة أثبتت في حكمها أن بطريركية الأقباط الارثوذكس تعتبر هيئة عامة ومن أشخاص القانون العام، وأن غبطة البطريرك يعتبر موظفا عاما.
وهذا ما عليه الحكم والفتوي في فقه القانون، ومنه يثبت أن الرقابة المالية للجهاز المركزي للمحاسبات يتعين أن تخضع لها كنيسة الأقباط الارثوذكس وغيرها من الكنائس، وهي رقابة مالية ذات شق محاسبي وشق قانوني، كما تشمل رقابة الأداء وغيرها. وإن هذه الرقابة ثابتة في الكنائس ثبوتها علي كل الأشخاص القانونية العامة، والمادة 13 وما بعدها من مواد الباب الثالث من قانون الجهاز توجب علي الجهات الخاضعة لرقابته أن توافيه بميزانياتها وحساباتها الختامية وغير ذلك علي تفاصيل واردة في القانون ولائحته.
(6)
إن الأزهر يخضع لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات، وكذلك كل هيئاته ومجالسه ومجامعه وكلياته ومعاهده، وكذلك الأوقاف الإسلامية، التي تتبع كلها وزارة الأوقاف تخضع لرقابة الجهاز، وفضيلة شيخ الأزهر يعتبر موظفا عاما، والطرق الصوفية وهي هيئات العبادة يقوم علي رأسها المجلس الأعلي للطرق الصوفية ويشكل من عشرة مشايخ للطرق منتخبين فضلا عن ممثل عن الأزهر، وممثل عن وزارة الأوقاف، وممثل عن وزارة الداخلية، وممثل عن وزارة الثقافة، وممثل عن الحكم المحلي، ويخضع لرقابة حكومية واضحة، ومنظمة بالقانون رقم 118 لسنة .1976
وكذلك فإن النقابات المهنية جميعا تعتبر هيئات عامة ومن أشخاص القانون العام، وكذلك الغرف التجارية والصناعية تعتبر هيئات عامة ومن أشخاص القانون العام، والنقابات المهنية كما نعلم منها نقابات المحامين والمهندسين والأطباء والصحفيين والزراعيين والمهن التعليمية والمهن العلمية ومهنة المحاسبين والمراجعين والصيادلة واتحاد الصناعات والغرف التجارية كلها.
وكذلك فإن الأحزاب السياسية المنظمة بالقانون 44 لسنة 1977 هي خاضعة بنص هذا القانون لرقابة الجهاز المركزي للمحاسبات وينص قانونها علي أنها أو صحفها كذلك خاضعة لهذه الرقابة فكيف تفلت إدارة الكنائس وحدها من هذه الرقابة؟
ومن جهة أخري فإن المادة 11 من قانون الأحزاب تنص في فقرتها الثانية لا يجوز للحزب قبول أي تبرع أو غيره أو منفعة من أجنبي أو من جهة أجنبية أو من أي شخص اعتباري ولو كان متمتعا بالجنسية المصرية كما تنص في فقرتها الثالثة علي وجوب أن يعلن عن اسم المتبرع وقيمة ما تبرع به إذا زاد التبرع علي 500 جنيه في المرة الواحدة أو 1000 جنيه في العام الواحد. وكذلك ينظم مسألة حصول أية جمعية علي تبرعات من الخارج بما يمكن من الرقابة علي مصادر هذا الايراد وما عسي أن يختفي وراءه من أغراض.
إنني فيما أذكره لا أثير شكوكا من أي نوع، وهذا أبعد ما يكون عن أهدافي، وليست الشكوك طريقا لي في التفكير أبدا ولكنني أثير أمورا نظامية، فثمة قوانين يتعين أن تطبق وفقا لمبادئ المساواة بين المواطنين وبحسبان الموضوعية في التطبيق وأن يخضع للقانون كل من يشملهم من أفراد المواطنين ومن حالات يصدق عليها. وأنا لا أعرف أبدا كيف ساغ طوال هذه السنين أن تنحسر رقابة الجهاز المركزي للمحاسبات عن البعض من الهيئات التي تخضع له بنص أحكامه، كما أن التمويل من الخارج بطريق التبرع يتعين أن يكون وفقا للضوابط القانونية المرعية في الحالات المماثلة وبالقدر المناسب من الشفافية، وليس أقدر من الجهاز المركزي للمحاسبات علي أن يمارس رقابته وفقا للقوانين السارية والمعمول بها الآن.
والحمد لله

الحجم الحقيقي لأقباط مصر؟!!


تقارير رئيسية :عام :الأربعاء 16 ذي الحجة 1425هـ - 26 يناير 2005 م 

مفكرة الإسلام : يحظى موضوع تعداد الأقباط بأهمية كبيرة في إثارة النزاع الطائفي المتجدد في مصر وفي إعطاء صورة كبيرة للمشكلة, بينما يسعى الأقباط لإبراز عددهم كبيرًا وذلك للحصول على امتيازات وجعل مطالبهم ذات وزن سواء على المستوى العالمي أو الداخلي, بل نجدهم يشككون دائمًا في البيانات الرسمية الحكومية كما سيتضح, ويبقى عدد الأقباط بالفعل هو المحك الأساسي لمعرفة هل هناك ظلم واقع عليهم بالفعل في الوظائف العامة وغيرها في غياب المنهج الرباني في التعامل معهم.
أقوال الأقباط:
[1]
أثناء زيارة الأنبا شنودة عام 1977م للبيت الأبيض أعلن كارتر أنه يستقبل بابا ثمانية ملايين قبطيًا[1].
[2]
ذكر ميلاد حنا: قررت الأجهزة والتنظيمات الشعبية والدينية للأقباط الأرثوذكس إجراء تعداد لهم بأنفسهم, وجندت لذلك حملة من الشباب كانت تمر على البيوت المعروفة لديهم من خلال أوراق وتنظيمات الكنائس والكهنة والقسس لكي يتم إحصاء العدد اسمًا باسم, غير أن هذا المشروع لم يكتب له أن يصل إلى غايته لأسباب كثيرة, وظل أمر تعداد الأقباط الفعلي الحقيقي أمرًا مخفيًا[2].
[3] [
كانت بعض القيادات الكنسية الأرثوذكسية قد قدرت عدد القبط عام 86 بأربعة ملايين][3].
[4]
في بيان أصدره المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في منتصف السبعينات نجد رقم عشرة ملايين.
[5]
استنادًا إلى مصادر الكنيسة القبطية عدد المسيحيين في مصر لعام 75 هو: 6.844.89 نسمة، أي بنسبة 18%.[4]
[6]
في عام 1993 سئل شنودة: [كم يبلغ عدد الأقباط؟ فأجاب: لا يقل عن ثمانية ملايين][5].
[7]
في عام 93 سئل أيضًا: [كم مسيحيًا في مصر؟ ما تعدادكم بالتقريب يعني؟ فأجاب: لا أعرف بالضبط، نحن لا نقوم بعمل تعداد ولكن التعداد الموجود لا يناسب الواقع، مرة قابلني أحد رجال المباحث وأظن كان سنة 73 وقال: إن عدد الأقباط 2.3 مليون, فقال لي: إيه رأيك في الكلام ده؟ إيه شعورنا – الأقباط-؟ قلت له: في الواقع الأقباط ضحكوا وفكروها نكتة، واستغربوا أنها جاءت في الصفحة الأولى من الأهرام][6].
[8]
في عام 68 صرح الأنبا صموئيل بأسف الذي قتل في حادثة المنصة عام 81 بأن عدد الأقباط 4 ملايين نسمة أي ضعف التعداد الرسمي.
[9]
تقول الكنيسة: [على أساس سجلات التعميد يوجد 11 مليون من الأقباط][7].
البيانات الرسمية سنعرض لها منذ أن حدث أول تعداد رسمي:
[1]
جرى أول تعداد رسمي في مصر على أسس علمية نظامية في أول يونيه 1897 الموافق غرة المحرم عام 1315هـ بتشجيع وإشراف من دولة الاحتلال البريطاني للتعرف على التركيب الحقيقي للمجتمع المصري, وأشرف على عملية الإحصاء المستشار المالي البريطاني مستر ألبرت بوانه وساعده في متابعة العملية مفتشو وزارتي المالية والداخلية الإنجليز وكانت النتيجة كالتالي:
بلغ مجموع سكان مصر 9.734.405, منهم 8.977.702 مسلمون بنسبة 92.23%, والباقي من المسيحيين واليهود, والمسيحيون ينقسمون إلى أقباط مصريين وإلى مسيحيين من أصول غير مصرية, وينقسم الأقباط المصريون أرثوذكس [592.347] وأقباط بروتستانت [12.507] وأقباط كاثوليك [4.620] أي أن نسبة الأقباط الأرثوذكس 6.085% من السكان, ونسبة الأقباط المصريين هي 6.26%, ونسبة جميع المسيحيين 7.77%.
[2]
وفي تعداد عام 1907 كانت نسبة جميع المسيحيين 7.87%.
[3]
وفي تعداد 1917 أشرف على التعداد مستر كريج والدكتور أ. ليفي، وهو إنجليزي يهودي, وبلغت نسبة المسيحيين 8.06%.
[4]
وفي عام 1927 أجري التعداد الرابع وأشرف عليه أول مصري بعد الاستقلال وتمصير الوظائف, وكان قبطيًا أرثوذكسيًا هو حنين بك حنين بمعاونة المستر كريج, وبلغت نسبة المسيحيين بطوائفهم المختلفة 8.33% مع ملاحظة ارتفاع عدد الأقباط الكاثوليك من 4.620 في التعداد الأول إلى 24.015, والأقباط البروتستانت من 12.57 إلى 66.080, وبلغت نسبة الأقباط في هذا التعداد 7%.
[5]
وفي عام 1937 بلغت نسبة المسيحيين 8.19% ونسبة الأقباط الأرثوذكس 6.7%.
[6]
وفي عام 1947 بلغت نسبة المسيحيين 7.91% ونسبة الأقباط الأرثوذكس 6.7%.
[7]
وفي عام 1957 بلغت نسبة المسيحيين 7.88% ونسبة الأقباط الأرثوذكس 6.7%.
[8]
وفي عام 1960 بلغت نسبة المسيحيين 7.33% ونسبة الأقباط الأرثوذكس 6.49%.
[9]
وفي عام 1976 بلغت نسبة المسيحيين 6.32% ونسبة الأقباط الأرثوذكس 5.68%.
[10]
وفي عام 1986 بلغت نسبة المسيحيين 6.4% ونسبة الأقباط الأرثوذكس 5.7%.[8]
[11]
وذكر جمال حمدان في كتابه شخصية مصر أن متوسط تعداد الأقباط من عام 1907 حتى 1966 يتراوح بين [6%، 8%][9].
[12]
صرح جمال هلودة رئيس الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في عام 1985 أن نسبة الأقباط ما بين 7% و10%.
[13]
وفي الإحصاء الأخير عام 1997 أظهر النتائج أن عدد سكان مصر يصل إلى 62 مليون نسمة ولم يعلن عدد الأقباط.[10]
[14]
في بداية عام 1997 ذكر الرئيس حسني مبارك في أكثر من حديث صحفي أن عدد الأقباط 6مليون من 60 مليون أي بنسبة 10%.[11]
ومن هذا السرد الطويل لمختلف الآراء فإننا بكل اطمئنان وثقة نقول: إن الإحصاءات الرسمية الحكومية هي الأقرب للصحة وذلك لما يلي:
[1]
إن الإحصاءات الرسمية مستمرة منذ عام 1882 بمعدل تقريبي مرة كل عشر سنوات، وهي إحصاءات كان يقدم عليها في البداية إنجليز ثم قبط مصريون وبالتالي لا يتهمهم أحد بالتزوير, وليس من مصلحتهم تقليل نسبة الأقباط, كذلك بعض هذه الإحصاءات قامت بها حكومات وفدية وهي حكومات اشتهرت بتحالفاتها مع الأقباط ومشاركة الأقباط بها كانت كبيرة.
[2]
الدليل الأكثر حسمًا هو نسبة المواليد:
نأخذ مثلاً عفويًا هو عام 1974، ففيه بلغت جملة المواليد في مصر 1.287.614 منهم 1.223.300 مسلم، 64.364 مسيحيًا، وقد بلغت جملة الوفيات في نفس العام 457.62 منهم 430.122 مسلميًا، و27.498 غيرهم، أي أن الزيادة الحقيقية التي هي الفرق بين المواليد والوفيات بلغت 793.178 مسلمًا، و36.816 من غيرهم، أي نسبة غير المسلمين تدور في جميع الحالات حول 6.22% وهو ما يؤكد صحة التعدادات المباشرة.
إذن فإن نسبة النصارى تتراوح بين 5.7% و8% من العدد الإجمالي من شعب مصر, وهي لن تزيد في أحسن الأحوال عن 10%.
ومما ينبغي التأكيد عليه أن الأقباط الأرثوذكس الذين تمثلهم كنيسة الإسكندرية ليسوا هم عدد مسيحيي مصر جميعًا، بل هناك طوائف مسيحية أخرى, ولقد قفز عدد الأقباط الذين تحولوا إلى المذهب الإنجيلي من 600 عام 1875 إلى 4554 عام 1895 إلى 29 ألفًا عام 1904.[12]
ولكن الأقباط أو قل: زعماؤهم دائمو الشكوى من أن التعداد لا يعبر عن عددهم الحقيقي، فهم يوردون أمثلة: القس الذي بطاقته مدون عليها في خانة الديانة أنه مسلم.
ويقول الأستاذ جلال كشك تعليقًا على هذه الواقعة: [لا يمكن القول بأن الكاهن جاهل لا يعرف دينه أو أنه يخاف من الاضطهاد, فهو يمارس وظيفته في الكنيسة ويتجول بالزي الديني الأكثر من معروف, فلابد أن للكاهن هذا هدفًا غير مشروع في انتحال صفة المسلم].[13]
ويتساءل فيليب فارج وهو باحث فرنسي مسيحي: [إن من يقول: إن موظفي التعداد يخفون الهوية القبطية ويسجلون بدلاً منها الهوية الإسلامية كيف يمكن لهذا الإخفاء أن يؤثر بتواتر واحد وعلى الأجل الطويل على عمليتين مستقلتين هما عملية التعداد الدوري للسكان وعملية تسجيل المواليد، إن الاضمحلال البطيء لأقباط مصر ليس في الواقع نتيجة لأية مؤامرة إحصائية، إنه النتيجة الديموجرافية لأشكال التقدم الاجتماعي التي حققتها طائفتهم].[14] 
و ذكر التقرير السنوي لعام 1993 لمركز ابن خلدون [وهو مركز يقف دائمًا في صف الأقباط]:
تتعرض الديموجرافية الاجتماعية للقبط لمتغيرات رئيسة هي:
1
ـ تفوّق معدلات مواليد المسلمين.
2
ـ التحولات الدينية إلى الإسلام, فتذكر بعض المصادر الغربية أن أكثرية معتنقي الإسلام من بين المسيحيين في مصر هم من الأقباط الأرثوذكس، وذلك بمعدل سنوي بلغ سبعة آلاف شخص.
3
ـ هجرة القبط.
و بذلك تتضح لنا الصورة النهائية والوضع الطبيعي لأقباط مصر داخل المجتمع المصري.
---------
[1]
ألا في الفتنة سقطوا – جلال كشك : 41
[2]
المصدر السابق صفحة 40
[3]
هموم الأقليات ص20
[4]
المصدر السابق 27
[5]
البابا شنودة و أقباط المهجر :142
[6]
البابا والمعارضة في الكنيسة :15
[7]
المسيحيون و اليهود في التاريخ الإسلامي العربي و التركي - فيليب فارج 
[8]
أغلب الأرقام في الإحصائيات السابقة عن مجلة الدعوة عدد [5]يولية 1980،و عدد [4] يونية 1980 نقلا عن بيانات الحالة المدنية و التعدادات المصرية
[9]
صحيفة الدستور 21/1/98
[10]
الدستور 21/1/98
[11]
الدستور :21 /1/ 98
[12]
ألا في الفتنة سقطوا : 292
[13]
ألا في الفتنة سقطوا :42
[14]
المسيحيون و اليهود :267

تأكيدًا لإحصاء مركز "بيو" الأمريكي.. الفاتيكان: عدد الأقباط المصريين أربعة ملايين ونصف مليون.. ودراسة بريطانية تؤكد تناقص النسبة 2 % كل قرن

لبالغ 80 مليون نسمة، وهى نسبة تتقارب بشدة مع الإحصائية التي أصدرها مركز "بيو" الأمريكي للأبحاث في أكتوبر الماضي.

وأثارت الإحصائية حالة من الصدمة داخل الكنيسة، خاصة وأن تقديرات العديد من القيادات الكنسية تشير إلى أن عدد الأقباط في مصر تتراوح ما بين 10 ملايين و 15 مليون قبطي، فيما أعلن البابا شنودة أن عدد الأقباط 12 مليونا، وقال الأنبا أرميا الأسقف العام وسكرتير البابا شنودة في تعقيبه ن عدد الأقباط تجاوز الــ 11 مليونا وطالب الفاتيكان بعدم التدخل في شؤون الأقباط المصريين.

من جانبه، أكد الباحث والمفكر الدكتور رفيق حبيب أن إحصاء الفاتيكان هو الأقرب إلى الواقع لأنه يستند إلى العديد من الإحصائيات والدراسات العلمية، لافتا إلى أن معظم الإحصائيات الرسمية السابقة التي أجريت في مصر منذ الخمسينيات تؤكد أن نسبة الأقباط من إجمالي تعداد المصريين تتراوح ما بين 6 و 8 %، كما أن العديد من الجهات العلمية الخارجية أكدت هذه النسبة.

وقال استنادا إلى دراسة علمية لجامعة "أكسفورد" البريطانية إن فروق المواليد بين المسلمين والمسيحيين في مصر تؤدي إلى تناقص نسبة المسيحيين بمقدار 2 % كل مائة عام نظرا لتزايد مواليد المسلمين على مواليد الأقباط، وأضاف: لو افترضنا أن نسبة الأقباط في مصر في مطلع القرن العشرين كانت تبلغ 8 % من سكان مصر فإنها الآن تصل إلى 6 % وهو ما يجعل تلك الإحصائية اقرب إلى الصواب.

وأشار إلى إحصائية مركز "بيو" الأمريكي سبق التي أكدت أن نسبة الأقباط 5, 4 % من نسبة السكان، موضحا أن كافة الأرقام والإحصائيات والدراسات تظهر أن نسبة عدد الأقباط إلى المسلمين تدور في إطار النسبة التي أعلنها الفاتيكان، ولا توجد أي مؤشرات عن أن نسبة الأقباط تتجاوز أكثر من 6 % من إجمالي تعداد السكان في مصر.

لكنه قال إن تلك النسبة لا يجب أن تكون سببا في حرمان القبطي من حقوقه المختلفة كمواطن مصري يعيش جنبا إلى جنب مع المسلم في وطن واحد، فقلة العدد أو كثرته لا يجب ربطها بالحصول على الحقوق.

وحول رفض الكنيسة الأرثوذكسية لهذه الإحصائيات، قال حبيب إن ذلك ليس جديدا لأن الكنيسة وقياداتها لم يعترفوا في يوم من الأيام بأي إحصاء حول أعداد الأقباط في مصر، حتى أنه عندما أجرت بريطانيا إحصائية عن عدد المسيحيين أثناء احتلالها لمصر ورغم أنها محايدة إلا أنها رفضتها، مثلما رفضت الإحصائية التي أجريت في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وحتى التي أجريت في التعداد السكاني عام 1986.

وقال إن التقديرات الكبيرة التي تعلنها الكنيسة وقياداتها حول عدد الأقباط قائمة على شقين، الأول هو أن الإحصائيات التي تعلنها الجهات الأخرى غير دقيقة وقائمة على تزوير الأرقام والإحصائيات، أما الشق الثاني فهو الادعاء بأن الكثير من الأقباط لا يحملون بطاقات الرقم القومي خاصة في الأرياف، مرجعا ذلك إلى الرغبة في الحفاظ على مكاسب سياسية أو المطالبة بـ "كوتة سياسية"، لأن قيادات الكنيسة عندما تؤكد أن نسبة الأقباط 10 % يترتب عليه المطالبة بتخصيص نفس النسبة مناصب ومقاعد برلمانية للأقباط. 



http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=24594

السبت، 16 يناير 2010

الشريعة الإسلامية





الشريعة الإسلامية - بقلم أبو العلا ماضي
جرى في الفترة الأخيرة ومازال جدل كبير حول "الشريعة الإسلامية" ، ساهم فيه كثير من الناس ولكن المتجادلون أنواع فمنهم من دافع بحق عن الشريعة الغراء وكيفية فهمها وتطبيقها في حياة الناس باجتهاد يناسب العصر ، ومنهم من دافع عنها بفهم ضيق الأفق ويرفض الاجتهاد ، والفريق الثالث وهو الذي يعنينا في هذا المقال من هاجم "الشريعة" أو انتقدها أو طالب بإلغاء المادة الثانية من الدستور المصري الدائم التي تنص على أن ( دين الدولة الرسمي هو الإسلام ولغتها هي اللغة العربية ومبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ) ، وأغلب المنادين بإلغاء هذه المادة أو تعديلها بطريقة فيها قدر من السذاجة أكثر ما فيها من الجدية يحملون شعوراً معادياً للدين وخاصة الإسلام ولشريعته أكثر مما يحملون من قلق موضوعي من بعض تطبيقات للشريعة الإسلامية في أماكن مختلفة من العالم الإسلامي ، ولذلك كان نقدهم للشريعة ومطالبتهم بإلغاء هذا النص مستفز للأغلبية الكاسحة من المصريين المسلمين ولكل العقلاء في هذا الوطن ، والمادة الثانية في الدستور تعني بثلاث قضايا وهي دين الدولة وهو الإسلام ، ولغتها الرسمية وهي العربية ، والشريعة المصدر الرئيسي للتشريع.
دين الدولة الإسلام
ولنبدأ بدين الدولة وهو الإسلام لقد كان دين الدولة ونظامها مستمد من الإسلام منذ الفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص وبعد التحول السلمي لغالبية المصريين من المسيحية إلى الإسلام برضاء تام ، وظل الأمر على ما هو عليه دون كتابة دستور حيث لم يوجد دستور وحتى ومصر تحت الاحتلال الإنجليزي كان الإسلام هو محور الدولة والمجتمع حتى كتابة أول دستور في العصر الحديث وهو دستور عام 1923 ، الذي صاغته لجنة من المسلمين والمسيحيين وكان منصوص فيه على دين الدولة هو الإسلام ، والحقيقة أن هذا النص موجود بشكل مباشر وبأشكال غير مباشرة في دساتير الدنيا ومنها دول في أوربا الغربية يُشار إليها كنموذج في الحضارة والديمقراطية تنص على ديانة الدولة ، ويكفي كمثال ما ورد في دراسة الدكتور/ خالد القاضي رئيس المحكمة والمنشورة في أهرام الجمعة 23 فبراير 2007 وهذا نصه "فنجد على سبيل المثال في المادة رقم (1) من دستور اليونان: (المذهب الرسمي لأمة اليونان هو مذهب الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية) ، وفي المادة رقم (47) ( كل من يعتلي عرش اليونان يجب أن يكون من أتباع الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية )، أما دستور الدنمارك فينص في المادة رقم (1) بند (5) (على أن يكون الملك من أتباع الكنيسة

الإنجيلية اللوثرية) وفي المادة (1) بند (3) (أن الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة المعترف بها في الدنمارك) بينما تنص المادة (9) من الدستور الأسباني على أنه ( يجب أن يكون رئيس الدولة من رعايا الكنيسة الكاثوليكية) وفي المادة (6) (على الدولة رسمياً حماية اعتناق وممارسة شعائر المذهب الكاثوليكي باعتباره المذهب الرسمي لها) ، وفي الدستور السويدي المادة (4) (يجب أن يكون الملك من أتباع المذهب الإنجيلي الخالص ) ، كما ينص على ذلك بالنسبة لأعضاء المجلس الوطني ، وبالنسبة لانجلترا نجد في المادة (3) من قانون التسوية ( على كل شخص يتولى الملك أن يكون من رعايا كنيسة انجلترا ، ولا يسمح بتاتاً لغير المسيحيين ولا لغير البروتستانتيين أن يكونوا أعضاء في مجلس اللوردات " أنتهى الاقتباس للدكتور خالد القاضي ، فلقد وجدنا في الأمثلة السابقة نص على دين الدولة بل ومذهبها الديني وكلها أمثلة مسيحية سواء أرثوذكسية أو كاثوليكية أو برتستانتية ، وهناك دول أخرى تنص على دينها ولن نضرب المثل بإسرائيل كدولة دينية ولكن مملكة نيبال هناك في الشرق تنص على أن البوذية هي دين الدولة فلهذا في بلد كمصر تاريخياً منذ الفتح الإسلامي وحتى الآن لا توجد مبرر للنقاش حول دين الدولة بكل المعايير.
اللغة العربية هي اللغة الرسمية :
وكذلك الجزء الخاص باللغة العربية فمنذ دخول العرب مع الإسلام إلى مصر تحول اللسان المصري إلى العربية وأتقنها وظهر بلغاء للعربية من مصر وصارت مصر جزء لا يتجزأ بل والقلب للوطن العربي الكبير ، واللسان العربي هو لسان القرآن والقرآن الدستور المعبر عن الإسلام فتلازم الجميع للتعبير عن الكل ، وأيضاً لم ينازع أحد قديماً منذ الفتح الإسلامي ولا حديثاً حول اللغة العربية كونها هي اللغة الرسمية.
مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع :
هذه هي الجزئية الثالثة من نص المادة الثانية من الدستور ، وهذه المادة كُتبت بهذا النص بغير حروف التعريف (ال) في دستور عام 1971 ، ثم عدلها الرئيس السادات في مايو عام 1981 ليضيف لها حروف "ال" ، فقد كانت "مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر رئيسي للتشريع" فجعلها بعد التعديل "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع" ، ولقد كانت مصر تحكم وتنظم قوانينها من الشريعة الإسلامية الغراء طوال قرون من غير نص حيث لم تكن هناك نصوص دستورية كما هو الحال بالنسبة لدين الدولة الرسمي وهو الإسلام والذي كُتب كما ذكرت في دستور عام 1923 ، الذي صاغته لجنة من ثلاثين عضواً منهم حوالي

20 % أقباط وواحد يهودي وأغلب المسلمين لم يكونوا ممن يمكن وصفهم الآن بالتيار الإسلامي السياسي كما ذكر المؤرخ العظيم المستشار طارق البشري في مقاله حول هذا

الموضوع في أهرام الأربعاء الماضي 28 فبراير 2007 ، وكون دين الدولة الرسمي الإسلام يتضمن كون الشريعة الإسلامية مصدراً "التشريع" كما ذكر المستشار طارق البشري في مقال الخميس 1/3/2007 في الأهرام حول نفس الموضوع حيث قال نصاً "معنى أن يكون دين الدولة الرسمي أن تكون مرجعيتها الفكرية إسلامية ، وأن تكون هذه المرجعية إنما تترجح من داخلها الأراء والاجتهادات كما أورده الدستور من مبادئ أخرى تتعلق بالمساواة والحقوق والحريات ، وذلك كله في إطار ما تسميه المرجعية الشرعية ، وما تتقبله بأي من وجوه الاجتهاد والفقه المعتبر مما يلائم أوضاع الزمان والمكان وتغير المصالح العامة للأمة . ومعناه أيضاً أن يكون النظام العام الذي تشير إليه القوانين مشمولاً بهذه المبادئ والقيم وما تتوافق عليه الجماعة . وسنلاحظ تاريخياً أن النص على أن الإسلام هو الدين الرسمي للدولة، إنما يتضمن إقرار اً بأن تكون مبادئ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع ، ومصدرية التشريع تعني مرجعيته وتشير إلى المورد الذي تستقى منها الأحكام ، لأن دين الهيئة إنما يعني مصدريتها ، وإلا كان النص لغواً " انتهى نص المستشار طارق البشري ، وهو يقصد بتعبير دين الهيئة أنه دين الدولة وكان قد رد في المقال الأول على الذين يقولون كيف يكون للدولة وهي شخص معنوي دين وأثبت أن لها دين وهوية ، وقد نقلنا نحن في بداية هذا المقال عن أن دولاً عدة مسيحية في أوربا تنص على دين الدولة ، بل على مذهبها المسيحي فالأمر ليس بدعاً في عالم الدول المتحضرة !!
السؤال المحير لماذا هذه الحملة الآن على المادة الثانية للدستور وخاصة الجزء الخاص بالشريعة الإسلامية ، لماذا صمت كل هؤلاء هذه السنين إن كان هناك مشكلة تثير حفيظتهم ، وما هي هذه المشكلة ؟ وهل استجدت هذه المشاكل بعد كل هذه السنين أو قل القرون إن شئت !!!
هل الأمر يتعلق بشعور عند البعض أن هناك ضغط أوربي وأمريكي للتدخل في ثقافتنا وهويتنا، والدولة في حالة ضعف ، فظنوا أن الوقت مناسب لطمس هوية هذه الأمة واستفزاز مشاعرها ، وإظهار العداء غير المبرر للإسلام كهوية للدولة المصرية وللشريعة كمصدر كان وظل وسيظل بإذن الله مصدراً للتشريع ؟ وكم حجم هؤلاء في الشعب المصري؟ أليس عجيباً أن مسئولي الدولة المصرية رغم سوء تصرفهم في مواد كثيرة من الدستور

يرفضون بشدة المساس بهذه المادة ؟ بالطبع بحكم قرون استشعار الدولة للخطر هم يعلمون أن هذا الأمر هو لعب بالنار ، وقد يلهب فتنة تقضي على الأخضر واليابس.
ولعل تصريح رمز من الكتاب الذي احترمه وهو الدكتور محمد السيد سعيد بإعادة صياغة المادة الثانية من الدستور لتكون (الشريعة الإسلامية والشريعة المسيحية ومبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هي المصدر الرئيسي للتشريع) أصابني بالدهشة فأنا أظن أن

الدكتور محمد يعلم أنه لا توجد شريعة مسيحية حتى يطالب بوضعها في الدستور ، والأغرب من ذلك تلقف قيادة كنسية كبيرة لهذه المقولة وإعادتها مرة أخرى منسوبة للدكتور محمد السيد سعيد ، فإذا كان د. محمد - وأنا أستبعد ذلك - لا يعرف أنه لا توجد شريعة مسيحية فهل هذه القيادة الكنسية لا تعرف ذلك أيضاً ؟ !! ثم عودة لكلام د. محمد فهو يعلم بيقين حيث أنه نائب مدير مركز لحقوق الإنسان أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو وثيقة دولية للدول التي تصدق عليها أن تقرها إذا أرادت بقرار من برلمانها أو حكومتها ليكون في أحسن الدرجات قانون ، ويعلم أيضاً أن كل الدول العربية والإسلامية حينما صدقت على هذا الاعلان أضافت عبارة بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ، لأن هذا الإعلان به بعض النصوص التي تتعارض مع الشريعة ، وهو يعلم أيضاً أن الترتيب التشريعي لأي دولة يبدأ بالدستور وهو أبو القوانين وأن المواد الأولى من أي دستور هي مبادئ تهيمن حتى على باقي الدستور وأن الدستور كله أعلى من القانون وأن القانون أعلى من اللائحة .... إلخ.
فكيف يريد أن يجعل اتفاقية دولية عليها تحفظ من كل الدول العربية والإسلامية فإن يجعلها ليس فقط في الدستور ولكن في مادته الثانية التي هي بمثابة مبدأ دستوري ، مهيمن على باقي نصوص الدستور وموجهة له .
كنت أفهم لو أن البعض طرح تساؤلات أو تخوفات من مواد محددة تؤدي إلى شكوك في أي موقف سواء كانت من ناحية المواطنة أو التساوي في الحقوق والواجبات ، بين أبناء الوطن جميعاً بغير تفرقة على أساس الجنس أو اللون أو العرق أو الدين أو المذهب وحيث أن مادار كله بعيد كل البعد عن ذلك فإن هذه الحملة تثير الشك في نوايا من يقف وراءها ، بالرغم من يقيني بأنهم لن يصلوا إلى شيء ، لكنهم يخسرون الأغلبية الساحقة من الرأي العام المصري .